رغم أن كأس العالم فكرة فرنسية، ورغم أن فرنسا احتضنت المنافسة مرتين، ورغم أن رئيس الاتحاد الدولي الحالي بلاتير يتقن اللغة الفرنسية وتكاد تكون اللغة التي يتحدث بها باستمرار، إلا أن كأس العالم الحالية كرست الانهيار الكامل للغة فولتير، والسيطرة المطبقة للغة الإنجليزية، ليس بسبب أن المنافسة تجري على أرض تتنفس الإنجليزية، ولكن لأن الكرة دخلت عالم البزنسة والإشهار والصناعة، وكلها صارت بالإنجليزية فقط. * الشروق اليومي زارت مقر المنتخب السويسري الذي يعتبر من أقرب المنتخبات للفرونكوفونية في مدينة دوربان، ولاحظت أن الإنجليزية هي اللغة الوحيدة التي يتعامل بها السويسريون مع قليل من اللغة الألمانية، وكانت سويسرا التي استضافت مونديال 1954 فرنسية اللسان في تلك الحقبة.. والغريب أن اللاعب الفرنسي أنيلكا الذي غادر منتخب بلاده لا يتكلم لوسائل الإعلام بما فيها الفرنسية سوى باللغة الإنجليزية، وهو ما جعل الإعلام الفرنسي يقر بأن اللغة الفرنسية خسرت كل معاركها في السنوات الأخيرة ليس أمام غول الانجليزية وإنما أيضا أمام البرتغالية والإسبانية والألمانية. * وإذا كانت البلدان المشاركة في المونديال الحالي معظمٌها إنجليزية اللسان بمعدل سبع دول كاملة وهي جنوب إفريقيا ونيجيريا وانجلترا وأمريكا واستراليا وغانا وزيلندا الجديدة، فإن الحقيقة أن الكثير من الدول المشاركة خاصة الآسياوية مثل الكوريتين واليابان وحتى الكامرون وكوت ديفوار لا تستعمل سوى اللغة الإنجليزية، ولا تجد هذه اللغة المنافسة سوى من اللغة الإسبانية التي ينطقها كل سكان أمريكا الجنوبية باستثناء البرازيل، حيث تستعملها المكسيك والأرغواي والأرجنتين والبراغواي والهوندوراس والشيلي وطبعا إسبانيا.. والجميل بالنسبة لعشاق اللغة الإسبانية أن معظم المنتخبات التي تتكلمها لها حظوظ وفيرة لبلوغ الأدوار المتقدمة، حيث كانت ظاهرة الدور الأول مما يرشح الاسبانية للتفوق على الإنجليزية في الأدوار المتقدمة، وقد تحرز على الكأس العالمية بأقدام الأرجنتين.. وتتواجد الألمانية أيضا في موقع ريادي مع منتخبي ألمانيا وسويسرا إضافة إلى أنها موجودة مع منتخبات أوروبا الشرقية وهي سلوفينيا وسلوفاكيا وصربيا إضافة إلى الدانمارك وهولندا، أما بقية المنتخبات فاعتمدت على الانجليزية كقوة لغوية وحيدة في العالم، حيث وفرت منتخبات اليابان والبرازيل وهولندا وإيطاليا لوفودها الرياضية مترجمين يتقنون اللغة الانجليزية. * وإذا كانت جنوب إفريقيا استقبلت ضيوفها باللغة الانجليزية، فإن الفيفا أيضا جعلتها اللغة الرسمية وربما الوحيدة في المونديال، حيث بها تتحدث المنتخبات وتراسل الإتحادات المختلفة وتخاطب بها أيضا الجماهير في مختلف الملاعب وفي مختلف الخدمات المقدمة لمئات الآلاف من زوار البلد لأجل متابعة كأس العالم، وحتى وسائل الاتصال المختلفة استعملت اللغة الانجليزية فقط.. وكان من مظاهر التفوق الانجليزي أن المنتخب البرازيلي الذي هو الأقوى عالميا وينتمي لبلد يسكنه أزيد عن 200 مليون نسمة اعتمد منذ بداية المونديال على اللغة الإنجليزية وبقيت اللغة البرتغالية (اللغة الرسمية للبرازيل) للحديث فقط بين اللاعبين فقط. * فرنسا لم تخسر المونديال كرويا وأخلاقيا فقط عندما تلقت صفعات كروية قاسية وصارت بسبب الفضائح - كما قال فرانك ريبيري - أضحوكة العالم وإنما خسرت وبالضربة القاضية لغتها، فصار أنيلكا الذي صنع الحدث يتكلم للإعلام بالإنجليزية وفرانك ريبيري بالألمانية.. وربما عزاؤها الوحيد أن لاعبي المنتخب الجزائري وحدهم من يتكلمون باللغة الفرنسية!