"الصحة مريضة في بلادنا".. عبارة يرددها الممارسون في الصحة والمرضى على حد سواء بل وحتى المسؤولون أحيانا، فلا أحد ينكر الخراب والفوضى اللذين تغرق فيهما مختلف المؤسسات الصحية إلا من رحم ربي.. واقع يقف عليه وزراء القطاع والمديرون بمختلف الولايات على اختلاف محطاتهم من خلال الزيارات الفجائية التي تقودهم من حين إلى آخر. "الشروق اليومي" اختارت أن ترافق لجان التفتيش لولاية الجزائر العاصمة التي تعد الشريان النابض لمختلف المؤسسات الصحية لاحتوائها على أكبر عدد من المستشفيات الجامعية والمؤسسات الصحية والصيدلية، وهو ما جعلنا نكتشف الحلقة المفرغة التي تدور فيها الصحة. فكل واحد يلقي بالمسؤولية على الآخر. الجميع يرتعب من قدوم لجنة التفتيش.. البعض يتلعثم والبعض الآخر يبرز عضلاته ومبرراته ويقذف بالكرة إلى ملعب الآخر، متهما المنظومة كاملة بعدم توفير الإمكانيات حتى في أبسط السلوكات والوسائل التي يمكن التحكم فيها. لم يكن من المعقول أن نقوم بالجولة التفتيشية دون المرور بمستشفى مصطفى باشا الجامعي مقصد الجميع من كل أنحاء الوطن وربما هذا ما جعله أيضا يغرق في النقائص نتيجة الضغط وسوء التنظيم. كانت عقارب الساعة تشير إلى حدود العاشرة صباحا عندما بدأنا زيارتنا إليه رفقة المكلفة بالإعلام على مستوى المستشفى ولجنة التفتيش المكونة من "عميد" المفتشين بورنان محمد منسق المفتشين لولاية الجزائر بمعية المفتشة الصيدلية عيادي نبيلة. فبعد التقرب من إدارة المستشفى لتقديم موضوع الزيارة، انتقلنا مباشرة إلى مصلحة الاستعجالات الجراحية. قاعة انتظار غزاها المشردون وقبل ولوج المصلحة استوقفتنا قاعة الانتظار الخارجية المحاذية لها وهي وضع سيئ للغاية.. جدران بلا روح.. كانت النفايات وبقايا السجائر تعمها وآثار افتراش القاعة بالكرتون من قبل المشردين تخلّف بصمتها.. عملية التنظيف كانت في بدايتها في الساعة العاشرة. وقت، يفترض فيه أن تكون العملية قد انتهت.. ولفت انتباهنا انعدام الكراسي وأبسط التجهيزات التي يمكن أن تقدم للمريض أثناء انتظاره. وهو ما جعلنا نفهم سر هجرانها من قبل الجميع. فهي دوما فارغة بعد أن غزاها المشردون.. مقابس الكهرباء منزوعة وخطر الأسلاك واضح للعيان، يهدد أي مريض أو طفل أو عجوز لا ينتبه إليها.. لا تلفاز ولا موزع قهوة أو مشروبات ولا سلة نفايات.. ببساطة، لا شيء هناك ماعدا الجدران والزجاج المحطم في بعض الزوايا.. حتى التكييف والتدفئة منعدمان، رغم شكلها الخارجي المقبول. كان المفتشان يسألان والأعوان يحاولون التبرير طبعا في حدود مسوؤليتهم التي لا تصل إلى انعدام تجهيز القاعة، غير أنهم ركّزوا كثيرا على غزو المشردين للقاعة بحجة أنهم مرضى ولا يجدون أين يذهبون، لذا فهم يقضون الليل فيها ولا يغادرونها إلا صباحا ولا يمكن، حسب الأعوان، طردهم لدواع إنسانية حتى إنهم يتصلون بمصالح توجيههم نحو المراكز التي لا تلبي النداء بعد أن ضاقت بهم ذرعا في كل مرة، على حد قولهم. وفي تلك الأثناء، كان المفتشان يدونان ملاحظاتهما ليرفعاها في تقريرهما، حيث قالت المفتشة عيادي إن القاعة غير مؤنسنة وتنعدم فيها مواصفات القاعة العادية من كراسي وموزع آلي للقهوة والمشروبات وجهاز تلفاز للتدليل على مختلف المصالح أو حتى متابعة بعض البرامج أثناء الانتظار. مرضى تائهون ولا أعوان للاستقبال أما الاستعجالات الجراحية، فلم تكن حالها بأفضل من قاعة انتظارها. ولم ننتظر طويلا لنكتشف النقائص. فمن البداية، لم نعثر على أثر لعون الاستقبال الذي يفترض أن يكون في مكانه لتوجيه المرضى نحو الأقسام الطبية وإعلامهم بما يهمهم. وهو أوّل ما قيده الأعوان وأكدوا عليه، حيث قال بورنان: "المريض هنا يتخبط وحده ولا أحد يهتم به". واستغربت المكلفة بالإعلام والاتصال غياب العون وراحت تبحث عنه لكنها عادت أدراجها خائبة. سيل المرضى المتدفقين على المصلحة كان يغدو ويروح دون أن يعثر على شخص يوجهه.. أحيانا ينتظر وأحيانا يصيح وأحيانا أخرى يسب ويشتم ويغادر إلى وجهة أخرى أو يقتحم على الأطباء مكاتبهم وغرفهم. أجهزة معطلة وممرضون وأطباء لا يحترمون فرز النفايات الطبية بعدها توجهنا إلى قاعة الفرز الجراحي، حيث وجدنا الأطباء منهمكين في إسعاف أحد المرضى وبجواره سيدة ممددة على السرير بينهما عازل وابنتها الصغيرة مستلقية إلى جوارها. وهنا رفع المفتش بورنان أيضا ملاحظاته بخصوص وجود أجهزة تنفس اصطناعية معطّلة منذ أسبوع في غير محلها.. أمر برّرته المنسقة بالوحدة بوجود مخارج الأوكسجين التي يشترط أعوان الصيانة وجودها أثناء التصليح! أما المفتشة بوعيادي، فانتقدت عدم احترام بعض الممرضين والأطباء عملية فرز النفايات الطبية على أكمل وجه بين النفايات التي توجه إلى الحرق وغيرها وحتى النفايات المنزلية العادية. سجل المرضى في حالة كارثية ومغاسل في حاجة إلى صيانة والصابون السائل منعدم دفتر تسجيل المرضى هو الآخر كان في حالة كارثية. وهو ما ركز عليه الأعوان كثيرا لاعتباره وثيقة رسمية مهمة في معرفة مسار المريض وحالته الصحية، حيث يعتبر أرشيفا مهما، لاسيما في حال وقوع أخطاء أو أخطار صحية.. الدفتر لم يكن مختوما من قبل الإدارة وأوراقه متطايرة وغير مرقمة وبعض البيانات الخاصة بالمرضى غير مكتملة. وبدورها، المغاسل عمتها الأوساخ حتى إن لونها تغير من الأزرق إلى الرمادي، فضلا عن عدم صيانتها وتسرب المياه منها وعدم توفر الصابون السائل بسبب تعطل حاوية الصابون الذي حل بدله الصابون الصلب.. أمر رفضته اللجنة واستعجلت تغييره ولو بوضع الصابون السائل في قارورة بلاستيكية لتنافي ذلك مع الممارسات المهنية الصحيحة. غير أن الأمر المفرح والإيجابي في الوحدة هو توفرها على جميع المستلزمات والأدوية اللازمة للتدخل الجراحي والإسعاف ماعدا بعض الحالات النادرة الناتجة عن اضطراب التوقعات بسبب الضغط الكبير على المصلحة ليلا بحسب ما أقره العاملون بالمصلحة. أطباء وممرضون بلا هوية ومآزر غير موحدة وحمل "الباج" الغائب الأكبر لا يستطيع قاصد المستشفى التفريق بين الطبيبة والمنظفة، ولا بين عون الاستقبال والبروفيسور.. فالهويات في أغلب المؤسسات الصحية غير معروفة. وهو ما وقفنا عليه في مختلف المصالح التي زرناها، حتى حمل الشارة أو ما يعرف ب"الباج" غائب لدى الجميع باختلاف رتبهم وتدرجاتهم المهنية. أما المآزر، فحدث ولا حرج.. بعضها "مكرفس" وبعضها مفتوح طارت أقفاله، وبعضها متسخ وبعضها يروج لعلامات تجارية ومخابر طبية رغم عدم قانونية الأمر، مسألة رفعها ويرفعها أعوان لجان التفتيش في كل مرة لكن "على من تقرأ زابورك يا داوود". ممرضون وشبه طبيين.. "رانا نبريكولو ولا أحد يعطينا دروسا في المهنية" لم يمض وقت طويل على سماع الانتقادات والملاحظات الموجهة من قبل اللجنة في مستشفى مصطفى باشا الجامعي حتى أجاب المستخدمون في المصلحة التي زرناها: "نحن نعرف كل هذه النقائص التي تشيرون إليها ولسنا في حاجة إلى من يعطينا دروسا في المهنية، لكننا نتحداكم أن توفروها لنا.. ببساطة، رانا نبريكولو". ويضيف هؤلاء: "تصليح أبسط آلة يتطلب أسابيع، إن لم نقل أشهرا. ولدينا العديد من التجهيزات المعطلة منذ سنوات دون صيانة. فمن يتحمل المسؤولية؟". المنسق في الاستعجالات الطبية الجراحية، أكد في حديثه إلى اللجنة أنه تمت مراسلة الإدارة كتابيا مرات عدة وأن كثيرا من التجهيزات انتهت مدة صلاحيتها نظرا إلى الضغط الكبير عليها، لكن إلى غاية الآن لا جديد يذكر. أما في ما يخص نقص الأدوية أحيانا، فيقول المتحدث: "نحن تحت رحمة الصيدلية المركزي وأحيانا ردودهم تكون غير مشجعة فالموارد البشرية لا تنقصنا إلا أن الوسائل هاجس كبير بالنسبة إلينا". مدير الصحة للعاصمة: فرق التفتيش هي فرق مرافقة وليست فرقا ردعية وصف مدير الصحة لولاية الجزائر، محمد ميراوي، فرق التفتيش بأنها فرق مرافقة تعمل على تحسين ظروف عمل الممارسين في قطاع الصحة، نافيا أن تكون فرقا ردعية، لأن هدفها الرئيسي هو خدمة المريض والمهنيين، وتدعيم العمل التوعوي التحسيسي. وأضاف ميراوي أن ولاية العاصمة تتوفر على 20 عون تفتيش موزعين على 10 فرق ويعملون وفق برنامج سنوي خاص. ورغم أن العدد يبقى غير كاف مقارنة بالمؤسسات الصحية التي تتوفر عليها عاصمة البلاد إلا أن محدثنا قال إن العدد كان أقل بكثير قبل 6 أشهر وقد تم رفعه من 6 أعوان إلى 20 عونا، كما كشف عن برنامج وزاري لرفع العدد أكثر خلال المرحلة المقبلة. ميراوي: شكاوى المواطنين تراجعت ب60 بالمائة وسوء التفاهم أهم الأسباب أوضح المسؤول الأول عن قطاع الصحة في العاصمة أنّ عدد شكاوى المواطنين التي تتحرك فرق التفتيش بناء عليها في كثير من الحالات قد تراجعت بشكل لافت فاق 60 بالمائة مقارنة مع عام 2015. وأضاف المسؤول أنّ سوء التفاهم بين المريض وممارس الصحة هو أهم الأسباب التي تقف خلف ذلك وتتعلق بعدم احترام الدور والمواعيد وسوء الاستقبال. الاستعجالات وسوء الاستقبال والتوجيه ثلاثية سوداء يجب القضاء عليها اعترف مدير الصحة بوجود ثلاثية سوداء تعرقل الأداء الجيد في قطاع الصحة، وهي الاستعجالات التي تغرق في فوضى سوء التنظيم وكذا سوء الاستقبال والتوجيه وغالبا ما يؤدي ذلك إلى نشوب ملاسنات وشجارات بين المريض والأعوان كان بالإمكان اجتنابها. ولم ينكر المسؤول ذاته عدم تكوين أعوان الاستقبال وهو ما دفع بقطاعه إلى توقيع اتفاقية مع التكوين المهني لتأهيل هؤلاء الأعوان بما يخدم الشأن العام. وتشكل مصالح الاستعجالات بإجماع المختصين والمسؤولين نقطة سوداء بسبب الفوضى العابثة فيها سواء من قبل المريض أم الطبيب والممرض، وفي هذا الشأن كشف ميراوي عن رفع مداومة مؤسسات الصحة الجوارية المختصة والعامة إلى 43 نقطة مداومة بعد أن كانت لا تتعدى 33 نقطة. وذلك تشجيعا للصحة الجوارية وتشكيل حزام صحي لتخفيف الضغط عن المصالح الاستشفائية الاستعجالية، لاسيما أن أغلب الحالات التي تصل إلى هذه الأخيرة لا تحمل الطابع الاستعجالي بما يؤثر على التكفل الفعلي للحالات المستعجلة الحقيقية. إنذارات وإعذارات وغلق بعد تفتيش أزيد من 800 نقطة في 2017 أنجزت فرق التفتيش لولاية الجزائر منذ بداية العام 2017 وإلى غاية شهر أكتوبر من ذات السنة 791 عملية تفتيش شملت 469 مؤسسة عمومية و295 مؤسسة خاصة، كما عالجت 99 شكوى تقدّم بها مواطنون من مختلف البلديات، حسب الحصيلة الرسمية التي قدّمها ل"الشروق" المفتش المنسق بورنان محمد. وأسفرت جملة تلك التدخلات عن توجيه 34 إنذارا إلى الصيادلة وغلق صيدليتين فيما وجهت 35 إعذارا إلى بائعي الدواء بالجملة وغلق 12 نقطة بيع. أمّا ما تعلق بمكاتب الأطباء الخواص، فقد تم غلق 6 مكاتب. وبالنسبة إلى القطاع العمومي، فأكد بورنان أن العمل يومي ودائم حيث أحصى ما يقارب 150 مخطط توجيه للمؤسسات العمومية من أجل رفع التحفظات التي ترفعها اللجنة. ويعد المخطط التوجيهي محل عمل اللجنة في كل مرة من أجل مراقبة معالجة النقائص والقضاء عليها. وفي ما يتعلق بالعقوبات، يقول بورنان إنها تتراوح بين إعذارات وإنذارات وتصل أحيانا إلى درجة الغلق بالنسبة إلى التجاوزات لدى الخواص أو عزل المدير والمسؤول المتسبب في التجاوزات بالنسبة إلى المؤسسات العمومية. حتى عملية التنظيف خارج المقاييس وتسبب الإزعاج للمريض والطبيب التجاوزات لا تخص الممارسات الطبية والسلوكات المهنية بل تعدتها حتى إلى أبسط عمليات التنظيف، حيث يسبب الضجيج الصادر من آلة التنظيف إزعاجا كبيرا للمريض والمهنيين أيضا، وعندما استفسرنا عن الأمر أكد لنا العون الذي يعمل لدى شركة خاصة تعاقد معها المستشفى أن الآلة بها خلل تقني ستسعى المؤسسة لإصلاحه، لكن في انتظار ذلك يبقى الجميع يعانون إلى آلامهم آلاما أخرى. ولم يفوّت الأعوان الفرصة دون تقييد الملاحظة وتكليف العون ومسؤولي المصلحة بضرورة الوقوف على الأمر مع مؤسسة التنظيف وإبلاغها لإصلاح الخلل. مصالح الأشعة بدون أجهزة قياس التعرض للإشعاعات"الدوزيمتر" كانت مفاجأتنا كبيرة عندما أخبرنا أحد العاملين في مصلحة الأشعة عن عدم توفير الدوزيمتر "جهاز قياس الأشعة" للعمال في المصلحة، رغم الزامية ذلك، لما له من أهمية في قياس درجة تعرض الأعوان لإشعاعات وإمكانية انتقال العدوى لكافة المصلحة، وحتى الأبواب لا تتوفر على كافة شروط الحماية لأن بها تسربات للأشعة. أمر أخبرت بشأنه المحافظة الوطنية للطاقة الذرية وإدارة المستشفى، لكن دون جدوى، وهو ما جعل العمال يؤكدون أنهم يعملون في ظروف غير آمنة تعرض حياتهم وحياة غيرهم للخطر، فمن يحميهم ويحمي المرضى؟. الاستعجالات القصوى"الديشوكاج".. تختلط بالإنعاش هي أهم وحدة في المصلحة، لكنها تعمل في ظروف فاقت كل التصورات، فالقاعة حسب ما أكده المنسق طاهير محمد التي يفترض أن تخصص للإسعافات القصوى تحول جزء منها للإنعاش حوالي 8 أسرة بسبب نقص الأماكن في المصالح الأخرى، وهو ما يحول دون التمكن من قبول كافة الحالات الحرجة، وتخيلوا أن أهالي المرضى لا يتفهمون منع الزيارات، فتختلط الأمور بين الاستعجالات والزيارات، حتى إننا نعنف عندما نمنع الزيارة فما كان لنا إلا الاستسلام، وتقول إحدى الطبيبات نحن نعيش الجحيم هنا، حيث أننا نستقبل 16 مريضا في قاعة واحدة فتخيلوا.. وجود مصلحتين في مصلحة واحدة استنزف العاملين وجعلهم يعملون فوق قدراتهم، حسب تصريحاتهم. ويعلّق طاهير أن هذا للأسف حال استعجالات مصطفى باشا التي كان يعول عليها إفريقيا، مضيفا أن رحيل الكثير من المهنيين بسبب التقاعد المسبق أثر على سير العمل، والآن فقط تسترجع الوحدات أنفاسها للعمل بروح عالية بعد العمل على تكوين الجيل الجديد الذي لم يفكر فيه أحد. غادرنا المستشفى قاصدين محطتنا الثانية وهي المؤسسة الاستشفائية المتخصصة جيلالي بلخنشير بئرطرارية، حيث مررنا بداية بمكتب المديرة كريمة سي محند التي استقبلتنا ووقفت بدورها على موضوع الزيارة.. بروتوكول يقول بورنان لا بد من احترامه، ورافقنا بعدها ممثل عن الإدارة لزيارة المصالح المعنية. نقص في بعض الأدوية وأجهزة معطّلة بدا من الوهلة الأولى أن الأمور أكثر تنظيما، وهو ما استحسنه المفتشون فأعوان الاستقبال في مواقعهم والتنظيم أكثر تطبيقا، لكن هذا لم يمنع من تسجيل بعض النقائص على غرار سجل المرضى الذي يفتقد لتوقيع الإدارة وختمها والترقيم وكذا ارتداء مآزر تروج لعلامات تجارية. وتفتح هنا لجنة التفتيش قوسا لتقول إنه ومن منطلق تجربتها كلما كانت المؤسسة تعرف إقبالا أقل للمواطنين كلما كان التحكم في الأمور والتنظيم أفضل ماعدا نادرا جدا. بعدها توجهنا إلى مكتب الفحص باستعجالات الطب الداخلي، وجدنا العاملين منهمكين مع مريضة تلفظ أنفاسها الأخيرة وبقربها أحد الأهل يلقنها الشهادة، كان الموقف رهيبا والدموع سيدة الموقف.. رغم هذا واصلت اللجنة عملها دون إزعاج، حيث استحسنت وجود الصابون السائل مع برتوكول الاستعمال، ووقفت في مرحلة أخرى على الصيدلية الخاصة بالمصلحة التي يعمل بها عونان إداريان تلقيا تكوينا في الأدوية، وذلك حسب عيادي المفتشة الصيدلية بسبب نقص التكوين بالنسبة لمحضر الصيدلية حاولت طرح الأسئلة لمعرفة تمكنهم ووجهت لهم بعض النصائح بخصوص طريقة تقييد مسار الأدوية. ووقفت اللجنة على نقص في أدوية المضادات الحيوية وغيرها على غرار "بلاسماجيل" و"كاريسبارين" وفلاجيل" وهي أدوية تعرف ندرة في السوق. وببقية المصالح أثنت اللجنة على التهيئة الجيدة للمصالح التي بدت في شكل جيد، لكن الأمر لم يدم طويلا حين انتقلنا إلى المخبر وبوحدة الكيمياء وجدنا جهاز "الأتومات" معطل منذ أيام، حيث تعمل المصلحة بجهاز واحد يحتاج بدوره إلى صيانة قبل التوقف النهائي. مهنيون لا يلتزمون بمعايير الحماية والسلامة ونظافة منعدمة ما لفت انتباه اللجنة بالمخبر هو عدم التزام العاملين بإجراءات الحماية على غرار الواقيات والنظارات المخبرية الخاصة، وعند السؤال عن الوفرة أقر العاملون بوجودها، إلا أنهم لا يلتزمون بها لأنه حسب تبريراتهم تعيق عملهم ولم يتعودوا عليها، أعوان التفتيش ألحوا على أهميتها في حمايتهم من العدوى وتأمينهم لتجنب الأمراض المحتملة مثلما سبق تسجيله منذ أيام بمستشفى بارني. كميات الغبار الراكدة، فبعض الزوايا أعطت صورة غير لائقة للمخبر الذي لم تطله بعد أشغال التهيئة على غرار بقية المصالح، وهو انتقاد وقف عنده المفتشون كثيرا لأنه غير مرتبط بالإمكانيات بقدر ما هو مرتبط بسلوكات حضارية، وبجوار المخبر وقفنا على نفايات استشفائية من حقن وضمادات مترامية هنا وهناك. محطتنا الأخيرة كانت بالعيادة متعددة الخدمات الإخوة والأخوات آيت علي بشاطوناف التابعة لمؤسسة الصحة الجوارية ببوزريعة، والتي تتوفر على وحدة استعجالات وطب الأسنان والأشعة والمخبر، وكانت الأمور في العموم أفضل حالا من سابقاتها. قابلنا في البداية مواطن متقدم في السن يشتكي نقلهم إلى الوحدة في إطار الفحوصات الخارجية للمصالح المتخصصة بالمستشفيات لتقريبها من المواطن.. أمر أزعجه كثيرا مفضلا البقاء في المستشفى، لكن اللجنة أكدت إمكانية التدخل لأن الأمر يصب لصالحهم بدل الانتظار والتنقل لمسافات بعيدة، علما أنّ نفس المختصين هم الذين يتابعونهم ماعدا تغير المقر والممرضين. وكعادتها وقفت اللجنة على الاستقبال وسجّل المواطنين وما تضمنه من ملاحظات، واستحسنت ضبطه وطابعه الرسمي، لتمر بعدها إلى الممارسات الطبية والمهنية، حيث أكد الأطباء تزويدهم بكافة وسائل الفحص والأدوية والمستلزمات. ومن بين الملاحظات الموجهة للفريق العامل هو عدم الشطب في سجل المرضى لأنه وثيقة هامة في مسار المريض، بالإضافة إلى الحرص على المسار الكامل والدقيق للأدوية ضمن سجلات المدخلات والمخرجات خاصة ما تعلق بالأدوية الخاصة بالأمراض العقلية التي تستعمل في المخدرات وما شابه ذلك، وكذا اتباع بروتوكول تعقيم الوسائل الطبية. أعوان التفتيش.. مدراء يستعرضون وساطاتهم ومواطنون يتهمونهم بالمحاباة نهاية جولتنا كانت مع مواطن حضر العيادة في إطار الفحص الخارجي لم يعثر على ملفه، وهو أمر استاء له بعد ساعات انتظار لتؤكد رئيسة المصلحة أن الملف لدى طبيبه المعالج في إطار الفحوصات الخارجية ولا يحق للعيادة الاحتفاظ بها و"لأن الطبيب لم يحضر اليوم لارتباطات خاصة به فلم يعثر المريض على ملفه"، تبرير لم يهضمه المريض الذي دخل في ملاسنات طالت حتى لجنة التفتيش التي اتهمها بالمحاباة والغش والمحسوبية وعدم آداء مهامها على أكمل وجه. الحادثة لم تفاجئ الأعوان فقد تعوّدوا على هذا من قبل ويؤكد العونان في اللجنة أنهما يقعان بين المطرقة والسندان بين رؤساء المؤسسات الصحية والمرضى. ويقول بورنان "نتعرض لضغوطات رهيبة يستعرض أمامنا معارفه ووساطاته والبعض الآخر يهدد بالقوة والمواطنون يتهموننا وينعتوننا بالمحاباة والمحسوبية، لكننا رغم هذا نواصل آداء مهامنا على أكمل وجه".