كلما انعقد اجتماع الثلاثية، عادت إلى الواجهة أسئلة مكررة، لماذا يحضر الاتحاد العام للعمال الجزائريين دون غيره من الشركاء الاجتماعيين من النقابات المستقلة التي استطاعت أن تحجز قطاعا واسعا من العمال في مختلف قطاعات النشاط. السؤال ذاته يطرح لكن بخصوص الشركاء الاقتصاديين.. بمعنى هل هيئات "الباترونا" التي اعتادت المشاركة في اجتماع الثلاثية هي الأجدر بالتمثيل أم أن الأمر يتعلق بقرارات فوقية لا تحتكم إلى معطيات الواقع؟ سؤال آخر يطرحه البعض، وهو ما محل تمثيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تناهز المليون، في اجتماع الثلاثية؟ وهل انشغالاتها تنقل بأمان إلى طاولة الوزير الأول وشركائه أم أنه يتعين حضور ممثل عنها؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها. شريك اجتماعي وحيد وباترونا على المقاس ثلاثية بمنطق "الزواج الكاثوليكي" لم يختلف اجتماع الثلاثية الأخير عن سابقيه، ولم يتغير فيه سوى الملفات التي طرحت على الطاولة، أما أطرافه الثلاثة فقد حافظوا على حضورهم، وهو ما دفع متابعين إلى القول بأن الحكومة حاورت نفسها في اجتماع السبت المنصرم. وإن كانت الحكومة طرفا لا يمكن الاستغناء عنه في اجتماعات من هذا القبيل، بحكم أنها تمثل الجهاز التنفيذي الذي يضع القرار على طريق التجسيد، فإن الاتحاد العام للعمال الجزائريين ومنتدى رؤساء المؤسسات وبعض المؤسسات الاقتصادية المحسوبة على "الباترونا"، ليسوا سفراء فوق العادة ولا يمثلون بالضرورة مختلف أطياف المشهدين الاقتصادي والاجتماعي. وكما جرت العادة، لم تتمكن النقابات المستقلة من مزاحمة المركزية النقابية في وضعها كشريك اجتماعي وحيد في اجتماع الثلاثية الأخير، بالرغم من أن الكثير من هذه النقابات المستقلة، عرفت كيف تصنع لنفسها قاعدة من الأنصار مكنتها من تغيير مجرى الأحداث، على صعيد قطاعات النشاط التي تمثلها، والإشارة هنا إلى نقابات التربية ومن بعدها نقابات الصحة التي تسير على طريق تركيع وزارة الصحة، مثل ما ركعت قبلها وزارة التربية لمطالب نقابيي القطاع. ولم تكن مثل هذه الأصوات لترتفع إلا بعد أن وقفت أوساط نقابية على ما اعتبرته انحرافا في مواقف المركزية النقابية بخصوص قضايا استراتيجية خلال العقدين الأخيرين، تخلت بموجبها عن مصالح فئات وشرائح واسعة من العمال، وهي التي يفترض أن تقف إلى جانبهم في كفاحهم من أجل الحفاظ على مكتسبات موروثة منذ الثورة. وتجدر الإشارة هنا إلى موقفها المخيب من قرار غلق المؤسسات وتسريح عمالها خلال عشرية التسعينيات، وصمتها المطبق عن تراجع القدرة الشرائية للمواطن منذ ذلك الوقت وإلى غاية اليوم، فضلا عن عدم مرافقتها لانشغالات ومطالب عمال القطاع الخاص، الذين خسروا حماية هيئة عبد المجيد سيدي السعيد، بفعل صمتها، وكذا انخراطها في مشاريع خوصصة المؤسسة العمومية، ولعل اجتماع الثلاثية الأخير الذي باركته المركزية النقابية، يعتبر إحدى المحطات السوداء في مسيرة المركزية النقابية. وما ينطبق على الشريك الاجتماعي، ينسحب أيضا على الشركاء الاقتصاديين، فقد بات منتدى رؤساء المؤسسات إلى جانب بعض هيئات رجال الأعمال، متغيرا ثابتا في اجتماعات الثلاثية، بالرغم من أن بعض هذه الهيئات لم تعد تتوفر على الثقل الذي يمكنها من حجز مكان لها بين الكبار في اجتماعات من هذا القبيل. وإن كان حضور منتدى رؤساء المؤسسات بما يحمله من رمزية وثقل في المشهد الاقتصادي، في اجتماع الثلاثية له ما يبرره، فإن مشاركة غيره من هيئات الباترونا، باتت محل جدل كبير في الوسط الاقتصادي، ينزع نحو مراجعة قائمة المشاركين، انطلاقا من المعطيات الموجودة على الأرض، على اعتبار أن هناك تحولات طرأت في السنوات الأخيرة يتعين الأخذ بها. وبين هذا وذاك، يبقى الغائب الأكبر عن اجتماعات الثلاثية، ممثلي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي بات حضورها أكثر من ضروري، ليس فقط من أجل طرح انشغالاتها، بل أيضا من أجل المساهمة في صناعة القرار الاقتصادي والاجتماعي، لأن المؤسسات الصغيرة هي عصب أي اقتصاد في العالم، كما يقول الخبراء. وتزداد الحاجة إلى مشاركة هذا الصنف من المؤسسات في اجتماعات "الثلاثية" ولم لا "الرباعية"، ولا سيما بعد ما تحولت الساحة الاقتصادية إلى صراع وجود بين الشركات الوافدة (صينية وتركية) والجزائرية.
رئيس هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سمير زهرة ل "الشروق": من الظلم إقصاؤنا.. الباترونا تبحث عن التمويل ونحن نبحث عن الصفقات طالب رئيس هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المدعمة من طرف الدولة، سمير زهرة، بمراجعة نظام الثلاثية، وشدد على ضرورة توسيع قاعدة المشاركين فيه لتشمل ممثلين عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حتى تدافع عن مصالحها مباشرة أمام ممثلي الحكومة. حصرت الحكومة شركاءها الاقتصاديين في هيئات معينة.. هل تجد هذا الخيار صائبا؟ نحن في هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المدعمة من طرف الدولة، نعتقد أنه لا بد من توسيع قاعدة المشاركين في مثل هذه الاجتماعات (الثلاثية)، وأنا أتحدث عن الشركاء الاقتصاديين، لأن منتدى رؤساء المؤسسات وبعض من شاركوا معه في اجتماع الثلاثية لا يمثلون كل الطيف الاقتصادي في البلاد، وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المدعمة من طرف الدولة، التي يبلغ عددها نحو مليون مؤسسة. ونشير هنا إلى أن إشراك هذا الصنف من المؤسسات لا بد منه، لأنه هو الأدرى بمشاكله التي زادت في السنوات الأخيرة، بعد أن سيطر المتعاملون الأجانب على الصفقات العمومية وخاصة في مجال السكن، بداعي مواجهة الطلب المتزايد على السكن، والاستجابة لوعود الرئيس بوتفليقة على هذا الصعيد. الكثير من المؤسسات الاقتصادية التي اعتادت المشاركة في اجتماعات الثلاثية لم تتغير، بالرغم من تراجع دورها في المشهد الاقتصادي، لماذا؟ نعم هذا صحيح.. هناك هيئات محسوبة على الباترونا (رجال الأعمال)، لم تعد تحمل من هذه التسمية إلا الاسم، فدورها تراجع في المشهد الاقتصادي، ومع ذلك لا تزال ثابتا من الثوابت كلما تعلق الأمر باجتماع الثلاثية، وأنا هنا من موقعي كرئيس لهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أطالب بضرورة مراجعة قائمة المشاركين في اجتماعات الثلاثية، أو تغيير التسمية لتصبح رباعية، حتى يتم إفساح المجال أمام تمثيل موسع للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر عصب أي اقتصاد في العالم. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي من يقوم اليوم بدور المكون لإطارات المستقبل، في جميع النشاطات، ومع ذلك نجدها محرومة من الاستفادة من الصفقات العمومية، التي باتت في عمومها يستفيد منها المتعاملون الأجانب، الذين يجدون الحظوة في قيمة الصفقات وفي الاستفادة منها، بالرغم من أن المؤسسات الصينية مثلا أو التركية لا تستقبل الطلبة المتربصين المتكونين في معاهد ومؤسسات التكوين المهني. أفهم من كلامكم أن مشكلتكم لا تكمن فقط في إقصائكم من المشاركة في اجتماعات الثلاثية، بل تعانون أيضا في الحصول على الصفقات التي باتت تحت رحمة المتعاملين الأجانب.. أليس كذلك؟ بالتأكيد، هذه هي الحقيقة المرة.. فالمؤسسات التي سخرت لها الدولة الأموال (دعمتها) وتمكنت من تسديد قروضها وتمكنت من توسيع نشاطها، كما وفرت ولا تزال مناصب شغل للجزائريين، هي اليوم لا تحصل على الصفقات إلا بعد مناولة من الدرجة الثالثة من عند الصينيين، وليت المعاناة تتوقف عند هذا الحد، بل إن الحصول على المستحقات المالية لا يتحقق إلا بعد الذهاب إلى العدالة أو بعد سنة على الأقل، وهذا يعتبر قتلا مبرمجا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. هناك الكثير من الانشغالات التي كنا نأمل في أن نطرحها على طاولة تكون الحكومة طرفا فيها، لأن مساعينا نحن ممثلي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على مستوى المديرين التنفيذيين فشلت، وخاصة ما تعلق منها بتطبيق المادة 31 من قانون الصفقات العمومية، التي تخول للمسؤولين عند منح الصفقات اقتطاع 25 بالمائة منها لفائدة المؤسسات الجزائرية.. وللأسف الشديد هذه المادة لم تعد محترمة من قبل المديرين التنفيذيين، وذلك بالرغم من المراسلات التي وجهناها إلى الوزارة الأولى وإلى وزارة السكن وإلى كل القطاعات الوزارية الأخرى المعنية بالصفقات. هل حملتم هذه الانشغالات إلى من شاركوا في اجتماع الثلاثية؟ تكلمنا عن هذا كثيرا، ومن اعتادوا المشاركة في اجتماعات الثلاثية يدركون ذلك، لكن المشكلة لم تحل. وأنا أعتقد أن المشكل يكمن في أنّ من يشارك في الثلاثية عادة ما يدافع عن مشاكل مؤسساته الخاصة.. وهنا أقول إن الانشغالات تختلف.. فالمؤسسات الكبيرة تطرح مشاكل التمويل من البنوك والعقار الصناعي وما إلى ذلك، أما نحن في المؤسسات الصغيرة فمشكلتنا تكمن في الحصول على الصفقات. ماذا نفعل بالقروض إذا كنا لا نحصل على الصفقات التي تذهب إلى المتعاملين الأجانب.
رئيس اتحاد عمال التربية صادق دزيري ل"الشروق" "لا نعول على نتائج الثلاثية بتشكيلتها الحالية" تأسف رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، صادق دزيري، لتنكر الحكومة للنقابات المستقلة، وإقصائها من لقاءات الثلاثية بالرغم من أنها تمثل شريحة واسعة من العمال، وقال إن الاتحاد العام للعمال الجزائريين تنصل من مسؤولياته النقابية في الدفاع عن الطبقة الشغيلة، وارتمى في أحضان الحكومة ورجال الأعمال. مرة أخرى، تَحصر الحكومة شريكها الاجتماعي في الاتحاد العام للعمال الجزائريين.. وتُشْركه في اتخاذ قرارات هامة، أنّتم كنقابة مستقلة ما تعليقكم؟ هذا السؤال يجب أن ترد عليه الحكومة، لأنه خيارها، لكن من وجهة نظرنا، فإن الحكومة لطالما اعتبرت المركزية النقابية الشريك الوحيد والممثل الوحيد للعمال كما أنها تشرك ممثلي الباترونا التي يفوق عددها 20 نقابة. بعبارة أخرى تقبل التعددية عند الباترونا التي تمثل المستخدم ولا تقبلها في النقابات، وهذا يدخل في سياسة الكيل بمكيالين والتهميش وعدم تطبيق قوانين الجمهورية. وبالنسبة إلى لقاء الثلاثية الأخير الذي نُظم بدار الشعب يؤسفنا أن نقول إنه في دار العمال اتُخذ قرار فتح رأسمال المؤسسات العمومية تمهيدا لخوصصتها وبيعها للخواص، وإذا بدأت بمؤسسات صغيرة مثل المطاحن ومصانع الآجر، ستصل إلى سوناطراك وسونالغاز والخطوط الجوية الجزائرية، وفي تقديرنا هي بداية الدخول إلى الليبرالية المتوحشة من الباب الواسع والتخلي عن الدولة الاجتماعية. ففي نفس المكان "دار الشعب" اتخذت قرارات مهمة يوم 24 فبراير 1971 من قبل الرئيس الراحل هواري بومدين، كتأميم المحروقات ومؤسسات مهمة، ضمن السياسة الاقتصادية المنتهجة لحماية الأموال العمومية. رغم الوعود المتكررة، بفتح باب الحوار أمام جميع الشركاء الاجتماعيين لكن يتم إقصاؤكم في النهاية من المشاركة في اجتماعات الثلاثية؟ للأسف، هذا هو الواقع المر، بالرغم من أن الحوار الاجتماعي في البلاد لا يجب أن يقتصر على نقابة ووجهة نظر واحدة، وفي إطار النقابات المستقلة نطالب بأن نشارك في الحوار لأننا بالحوار نصل إلى المفاوضة الحقيقية بين الشركاء الحقيقيين الممثلين للعمال ونسهم في بناء اقتصاد وطني قوي والمشاركة في السياسات العامة الاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها أن تسهم في استقرار الجبهة الاجتماعية. أما السياسة المنتهجة فلن تزيد إلا من انعدام الثقة والتهميش ما قد يولد الكراهية والتشتت الاجتماعي. نحن وفي إطار التكتل النقابي نسعى في إطار قوانين الجمهورية إلى تأسيس مركزية نقابية أو كونفدرالية، لا تهم الأسماء، وذلك للإسهام في الحوار الاجتماعي والمفاوضة ونأمل أن تتجاوب الحكومة مع هذا الطموح. ينتقد العديد من الفاعلين في المجتمع دور المركزية النقابية، بالتقصير في حقوق العمال.. مثل التفريط في التقاعد المسبق، عدم الضغط لرفع القدرة الشرائية.. لماذا برأيكم؟ الإشكال هو أن النقابة الممثلة بالعنوان والاسم "العمال"، ليس لها امتداد واسع في قطاع الوظيف العمومي. والغلق الممنهج للقطاع الاقتصادي العام والخاص في وجه النقابات المستقلة أو الترخيص بتأسيس نقابات جديدة في القطاع الاقتصادي، جعل من المركزية النقابية دون منافس قوي في الميدان، وبدل أن تتخندق في صف الدفاع عن العمال تحولت إلى المدافع عن مصالح الخواص والباترونا، ففقدت بذلك مساحات كثيرة بهيكلة العمال والموظفين لاسيما في قطاع الوظيف العمومي، كما أنها بقيت حبيسة أفكار السبعينيات والثمانينيات بحكم أنها منظمة جماهيرية تعمل مع الحكومة جنبا إلى جنب، وخير دليل مباركتها بعض القرارات، كقانون التقاعد، في انتظار قوانين الصحة والعمال، وتعيد كرة مباركة خوصصة المؤسسات العمومية، في سيناريو شبيه بما حصل في التسعينيات عندما تم بيع المؤسسات بالدينار الرمزي وتسريح العمال. كيف السبيل برأيكم لتكون اجتماعات الثلاثية أكثر نجاحا؟ لا نعول على الثلاثية بتشكيلتها الحالية لأن الحكومة تحاور نفسها وكل قراراتها تصبح أمرا واقعا، وتأخذ طابع الإلزام وعقود الإذعان. هذه هي حال الثلاثية اليوم، الأولوية تقوية جهة النقابات المستقلة وفتح المجال أمام مركزيات متجددة كما هو حاصل في كل دول العالم، وجيراننا في المغرب العربي. حقيقة نحن متأخرون جدا في هذا المجال. في حال مشاركتم في لقاءات الثلاثية، ما الإجراءات التي يمكن أن تقوموا بطرحها؟ الأكيد، سنراعي القرارات التي تتخذ مصلحة العمال، والدولة الجزائرية، لأننا نعتقد أن الثلاثية لقاء جد مهم، لأنه يناقش ملفات اقتصادية تتطلب الجرأة، الخبرة، وأشخاصا يغيرون على هذا الوطن.