ميثاق الصّلح الموقّع أمس بغرداية بين الإخوة في الدّين والوطن واللّغة، يؤكد أن الجزائر بخير وأن فيها رجالا يفكرون ويتحاورون ويقررون على طريقة الكبار، كما أنه رسالة واضحة إلى كل الأطراف التي تمارس هواية الصيد في المياه العكرة، وتعمل ليلا على التفريق بين أبناء الوطن الواحد، وزرع الفتنة والبغضاء بينهم، وبث سموم الطائفية التي لا مكان لها في الجزائر. الجزائريون كلهم تابعوا بأسى كل الانزلاقات التي حدثت على مدار السنتين الماضيتين، واعتقد البعض أن المخطط الجهنمي المرسوم للمنطقة أكبر من أن توقفه أصوات العقل، خصوصا بعد التأكد من وجود أياد أجنبية تحاول الاستثمار في التنوع الموجود هناك، غير أن أهل بريان وأعيانها من الإباضية والمالكية أخلطوا حسابات المتربصين باستقرار الجزائر، ودخلوا في حوار ماراطوني تناول أسباب الانحرافات التي حدثت وسبل علاجها. واليوم يمكن اعتبار الإنجاز التاريخي الذي توصل إليه أبناء بريان، منهجا لحل مشاكل الجزائر على كل الأصعدة بل سياسة التصعيد وكسر الذراع المستخدمة من المتخاصمين. بنبذ العنف بجميع أشكاله، والعمل على إصلاح ذات البين، وعدم المتاجرة بالثوابت الدينية والوطنية واستغلالها لإثارة الفتن وتصفية الحسابات، وترسيخ ثقافة السلم وتعميمها، ومواصلة الحوار.. هي كلها مبادئ وخطوط عريضة اتفق عليها أعيان بريان، وتعاهدوا على احترامها ومواصلة الجهد لتفادي الانحرافات والانزلاقات. فهل يستفيد السياسيون من هذا الدرس الحضاري؟ وهل يعتبِر الخلاطون في مناطق أخرى من الوطن، ويتوقفوا عن تنفيذ المخططات الأجنبية المفضوحة؟ لقد استطاع المالكية والإباضية دفن خلافاتهم المذهبية واعتبروها تنوعا مفيدا، وخرجوا بمبادئ لا يعترض عليها أحد، لكن الالتزام بها والعمل على ترسيخها صعب، ويحتاج إلى شجاعة وصبر، وهو إنجاز سيكتب بأحرف من ذهب، بينما سيؤول أولئك الذين ستستخدم المخابرات الأجنبية لضرب الوحدة الوطنية إلى مزبلة التاريخ، كما آل إليها الخونة أثناء الثورة، وكل الذين خانوا الوطن ونذروا أنفسهم لخدمة الطامعين في ثروات الجزائر.