تمر الجزائر اليوم وللمرة الثامنة والأربعين بذكرى الاستقلال، ولكن بدون ما يوحي بأن هناك ذكرى استقلال أو محطة بارزة من محطات الأمة التاريخية، أو معلما بارزا للتاريخ والحاضر والمستقبل، وربما هذا من تأثير سياسة مبرمجة ومقصودة لقتل الروح الوطنية في نفوس الجزائريين، ومحو شعورهم بالانتماء الحضاري والتميز... وهي سياسة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، ولكن تمتد جذورها إلى سنة 1962، وربما إلى ما قبلها، عندما تم إقرار أو فرض يوم 5 جويلية على الجزائريين لتنظيم الاستفتاء على الاستقلال بالإجابة ب: نعم أو لا عن سؤال: "هل تريد أن تستقل الجزائر عن فرنسا؟"، مع بقية الشروط والمطبات التي تُبقى الجزائر فرنسية، أي أن فرنسا جعلت من هذا اليوم لدى الجزائريين يوما للشك، يشككون فيه بتاريخهم وخياراتهم وبكل ما مروا به عبر التاريخ مع فرنسا، وما قدموه من تضحيات وما قاموا به من ثورات وانتفاضات من أجل الاستقلال والحرية، حتى بقي من الجزائريين أنفسهم إلى اليوم من يقول إن فرنسا تصدقت بالاستقلال على الجزائر، ووهبته هبة وليس اضطرارا بعد الهزيمة، أو نتيجة للثورة والتضحيات. فهذا اليوم الذي فرض على الجزائريين كيوم للاستقلال والوطن، لا علاقة له في الحقيقة بالاستقلال أو تضحيات الجزائريين ومطامحهم، بقدر علاقته بيوم 5 جويلية 1830 الذي انتصرت فيه فرنسا على الجزائر، وتمكنت من السيطرة والاحتلال عبر بوابة سيدي فرج، وقربه من يوم 14 جويلية الذي يمثل العيد الوطني لفرنسا، إنه على الأقل، ليس أكثر رمزية من يوم أول نوفمبر ذكرى اندلاع ثورة التحرير، أو يوم 19 مارس الذي قبلت فيه فرنسا بوقف القتال واعترفت فيه ولو ضمنيا بحق الاستقلال وتقرير المصير، تحت إصرار الشعب الجزائري، ولكن فرنسا استطاعت أن تقلب الأوضاع وتجعل من يوم 19 مارس كيوم لوقف الحرب الأهلية والانتصار على الأوضاع الداخلية وتحقيق المصالحة بين الفرنسيين والجزائريين، بل إنه من وجهة نظر الكثير من الفرنسيين، يوم للانتصار على التمرد والإرهاب، وهذا مع الأسف ما يسايره بعض الجزائريين إلى اليوم من خلال إهمال 19 مارس وأهميته في تاريخ الجزائر المعاصرة، ومواصلة التشبث بيوم فرضته فرنسا كيوم شك في تاريخ كامل من الأحداث الدامية والتضحيات الجسام. ولكن الحمد لله أن إهمال الجزائريين لذكرى 5 جويلية أصبح مع الوقت يبدو بمثابة يقظة ضمير ومحاولة للعودة إلى الأصول، وليس إهمالا للتاريخ أو نكرانا للذات والتضحيات كما يريد أن يصوره البعض، وما العودة إلى العلم الوطني بهذه الكثافة عبر كرة القدم ومساندة الفريق الوطني، إلا أصدق0 تعبير عن تنامي الوطنية والتمسك بالهوية الوطنية والقيم التاريخية وليس العكس.