الدكتور محمد بن العرباي أحفاده يطالبون رئيس الجمهورية بإطلاق اسمه على كلية الطب الجديدة أول طبيب في الجزائر، وغير معروف لدى أهل الاختصاص من الأطباء، تم ذكره في كتب التاريخ والفكر الجزائري، أخذ من أعالي باب الوادي وتحديدا من منطقة السيدة الإفريقية مقرا لسكنه، ومن ساحة الشهداء مكتبا وعيادة لمرضاه، الشروق زارت منزل الطبيب محمد الصغير بن العرباي والتقت بأحد أحفاده الذي نقل لنا جزءا من حياة جده.. أول طبيب جزائري.. لا يعرف عنه الجزائريون شيئا أوضح حفيد محمد بن العرباي أن جده كان أول طبيب في الجزائر، حيث حاز على شهادة الطب وشهادة الدكتوراه بتقدير جد جيد من كلية الطب في جامعة باريس في 16 جويلية 1884، وكان موضوع النقاش في أطروحته، حسب حفيده وكذا ما جاء في تاريخ الجزائر العام للأستاذ عبد الرحمن بن محمد الجيلالي، حول مسألة أقصى أمد الحمل، والأمراض المنتشرة في بلاد البحر الأبيض المتوسط وخاصة الجزائر، حيث تعرض في ذلك إلى ذكر العلاج بالطريقة التقليدية، ثم بالطريقة العصرية على ضوء الاكتشافات الحديثة. وقد ترجمت الأطروحة إلى اللغة العربية بقلم علي بوشوشة ونشرت بعنوان "الطب العربي بعمالة الجزائر" وطبعت في تونس سنة 1309/1891 ونشرتها بعد ذلك مجلة الجراحة والطب التي تصدر بباريس، كما أثنى عليها العلماء. "طالبنا فرنسا باسترجاع مذكرته.. فمنحتنا نسخة فقط" كشف امحمد، حفيد الدكتور ابن العرباي، أن الاستعمار الفرنسي أخذ مذكرة تخرج جده الخاصة بالدكتوراه، كما أخذ كل الوثائق المهمة المتعلقة بالتاريخ الجزائري، غير أن أحفاده وفي نهاية الثمانينات بعثوا برسالة للحكومة الفرنسية يطالبونها فيها بإعادة الشهادة، لأنها ملك لأحفاده وللمكتبة الجزائرية، ولم تمض سنة على تاريخ إرسال هذا الطلب حتى ردت السلطات الفرنسية على عائلة العرباي، وأرسلت لهم نسخة فقط عن المذكرة، وهذا لم يثن العائلة عن المطالبة بالنسخة الأصلية، حيث مازالت تبحث عنها، حسب المتحدث. صديق فيكتور هيجو.. أكد الحفيد الأصغر الذي استقبلنا في بيت جده، أن رئيس لجنة الامتحان التي أشرفت على تخرج جده، وعند منحه الإجازة اعترف بفضل العرب على الغرب في ميدان الطب: "ها نحن أرجعنا لكم اليوم ما كنا استلفناه من علوم أجدادك". كما كشف لنا محدثنا أن الأديب الفرنسي الكبير فيكتور هيغو رافقه إلى الجامعة يوم الامتحان، حيث كان معجبا بنبوغه وعانقه وهنأه على نجاحه، كما أصبح صديقا له فيما بعد، وجاءت هذه القصة أيضا في كتاب تاريخ الجزائر العام للأستاذ عبد الرحمن بن محمد الجيلالي. نسخة من الشهادة، ساعة ذهبية، ولوحة صلصال كل ما تبقى من آثاره تحتفظ عائلة بن العرباي ببعض الأغراض الشخصية النادرة للطبيب محمد الصغير، فالبيت الواقع بأعالي باب الوادي بمنطقة السيدة الإفريقية، والذي حرص أبناؤه وأحفاده فيما بعد على المحافظة عليه وترميمه مع تغيير شكله الأصلي، ووضع جدارية من الخزف عند مدخله تحمل سيرته وصورته، لم يتبق فيه من آثار الطبيب سوى لوحة تم ربط قلم بها، درس بهما القرآن الكريم، حيث لازالت تحمل آثارا لكتابة يده لآيات قرآنية، وكذا ساعة يد مصنوعة من الذهب الخالص، هذه الأخيرة لازالت في حالة جيدة. وقد عرف محمد الصغير بمواقفه الكبيرة اتجاه الجزائر والجزائريين، خاصة مواجهته للإدارة الفرنسية في حادثة إنقاذه للجامع الكبير بساحة الشهداء ومسجد كتشاوة من التهديم.. حيث منع الإدارة الاستعمارية سنة1881من تهديم معلمين تاريخيين إسلاميين، فقد جمع العلامة الدكتور بن العرباي حشود جماهيرية وخطب فيهم بهذا الخصوص، ما جعل الإدارة الاستعمارية ترجع عن إقدامها على هذا الهدم.. المرجع الطبي محمد بن العرباي وحسب ما رواه الحفيد للشروق، كان متخصصا في أمراض وجراحة الأعصاب، وكان يعالج الجزائريين، الفقراء منهم مجانا، خاصة إجراء العمليات الجراحية الدقيقة، حيث أكد المتحدث أن جده كان يعاين المرضى في عيادته الخاصة الموجودة ب"زوج عيون" في ساحة الشهداء، كما أجرى العمليات الجراحية خاصة ما تعلق بعمليات جراحة الأعصاب في المكان نفسه.. الحفيد كشف أيضا عن قضية تحويل جده لجزء من ممتلكاته إلى حديقة خاصة لزراعة الأعشاب الطبية، ووجهها للصناعة الصيدلانية التي كان يشرف عليها بنفسه.. "جدنا أول طبيب.. ومن حقنا أن نرى مؤسسة كبيرة باسمه" "على الجهات المعنية في الجزائر أن تحافظ على ذكرى جدنا الطبيب، خاصة وأن له نشاطا تاريخيا وحضاريا بارزا في تاريخ الجزائر العريق"، يقول الحفيد الذي أضاف أنه يرجو أن تحاول مؤسسات الجزائر في التعريف به خاصة في المجال الذي نشط فيه، كأن يطلق اسم العلامة محمد الصغير بن العرباي على إحدى المستشفيات الجامعية تخليدا لروحه، أو أن تدرس سيرته في مادة التاريخ للتعريف به، "ونرجو أن يطلق على اسمه كلية الطب الجديدة كما نرجو من السلطات المعنية في الجزائر أن تسترجع النسخة الأصلية لمذكرة الدكتوراه الخاصة به". من هو محمد الصغير ابن العرباي؟ هو الدكتور محمد الصغير ابن العرباي "1850 - 1939" ابتدأ دراسته بمسقط رأسه شرشال، إلى أن بلغ السنة العاشرة من عمره، انتقل إلى العاصمة، فالتحق بصف تلاميذ المكتب أو المدرسة الابتدائية التي أسسها نابليون الثالث، خصيصا لأبناء الأهالي، فمكث بها طوال أيام الدراسة المقررة، إلى أن حاز شهادتها ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية، فقضى بها كذالك مدة، إلى أن نال إجازتها، ويومئذ اختار لنفسه طريق الجامعة ودخل سلك كلية الطب بالجزائر، ومنها انتقل إلى باريس فأتم بجامعتها دراسته الطبية، وحاز منها الشهادة بتوفيق، حسب ما جاء في بعض كتب التاريخ، وكذا من بعض الوثائق التي زودنا بها حفيده امحمد..