نادراً ما أجد نفسي في موقف حرج مثل الذي أنا فيه، والسبب هو زيزو. هل أقف معه ضد من يحبّونه أم أنتقده وأبتهج لأن المنتخب الذي يقوده ضيّع الفوز بكأس العالم؟ لكن لا علاقة لحيرتي بكون زين الدين زيدان فرنسيا وجزائريا في نفس الوقت وهو ما اختلف حوله الناس بين من يعتبره فرنسيا ولا بد أن يكون ضمن أعداء الأمة وبين من يحسبه جزائريا ومسلما أيضا تجب مناصرته رابحا أو خاسرا. خدير بوقايلة أنا محتار أيها القارئ الكريم في كيفية التعامل مع زيدان لسبب لا علاقة له بما ذكرت. فعلا أصبحت محرَجا من اتخاذ موقف من هذا اللاعب ومنقسما بين رأيين. والذي زاد حيرتي احتيارا تلك البرقية التي نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية (ولا بد أن يكون التلفزيون الرسمي قد تلاها على مسامع مشاهديه) وفيها يهنئ صاحبُ الفخامة قائد المنتخب الفرنسي ويدعوه إلى زيارة بلده الجزائر ويعبِّر له عن استعداده لاستقباله واستقبال كل عائلته كبيرا وصغيراً. كيف؟! صاحب الفخامة هو الآخر من مناصري زيزو وأنا لا أعلم، بل لقد كنت أحسب أن فخامته هو الآخر يكره ابن مرسيليا واقتنعت بذلك عندما علمت أنه أمر بعقد مجلس الوزراء في ساعة متأخرة من مساء يوم مباراة نهائي المونديال عقابا للوزراء الذين أعلنوا صراحة حبّهم لزيدان وتمنّوا أن تفوز فرنسا الاستعمارية على إيطاليا. والحق أنني كنت أستعد لكتابة مقال أهاجم فيه بشدّة هؤلاء الوزراء الذين نسوا أنهم ممثلين لحكومة صاحب الفخامة فراحوا يعلنون ولاءهم للمنتخب الفرنسي الذي يقوده شخص يحمل جوازا أحمر ولا علاقة له ببلده الأصلي إلا من خلال اسمه. وقد شجعني على التفكير في الهجوم على هؤلاء الوزراء تصريحات صاحب الفخامة بخصوص مزدوجي الجنسية ثم تصريحات سابقة لمدير التلفزيون الجزائري الرسمي عندما أعلن صراحة أنه مناصر للفريق الإيطالي وأنه لا يعير أي اهتمام ولا يبدي أي تعاطف مع زين الدين زيدان لأنه شخص لم يقل كلمة خير في بلده عندما كانت تحترق ولم يظهر منه ما يؤكد انتماءه لوطن آبائه وأجداده. أعجبني جدّا جدًّا كلام مدير التلفزيون الحريص على أن يقول الناس كلمة خير عن بلده. وبالمناسبة لم يكن زيدان وحده في خط نار مدير التلفزيون، فقد قال نفس الكلام عن مارسيل خليفة وقرر أن يمنعه من الظهور على التلفزيون الجزائري الرسمي لأنه رفض أن يقول كلمة خير عن الجزائر عندما كانت تحترق، عكس الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي التي رضي عنها سيادة المدير وأنزلها مكانا حسنا في شاشته وفي قلوب مشاهديها الكرام. وأنا اليوم من هذا المقام أوجه دعوة صادقة إلى سيادة المدير لكي يتكرم علينا بقائمة تضم الذين قالوا كلمة خير في الجزائر وهي تحترق حتى نحبهم وقائمة أخرى بأسماء الذين لم يقولوا كلمة خير في الجزائر عندما كانت الحرب تأكلها وقائمة ثالثة، إذا سمح له وقته، بأسماء الذين قالوا كلمة شر في الجزائر وهي تحترق حتى نحذر منهم ونبغضهم ولا نشجعهم أو نتعاطف معهم. كلام مدير التلفزيون عن زيدان وتصريحات صاحب الفخامة إذن حفّزتني على كتابة مقال ناري ضدّ زيزو. فهو لم يقل كلمة خير في الجزائر وهي تحترق، رغم أنه محسوب على الجزائر، أي أنه لم يقل كلمة خير في بلده. أكثر من ذلك فهو إلى جانب أصوله الجزائرية فرنسي الجنسية ويدافع عن الألوان الفرنسية في المحافل الدولية ويمثل بلده الثاني أحسن تمثيل، ومن يدافع عن فرنسا لا بدّ أن نصنّفه في خانة حزب فرنسا ونحاربه لأنه بالضرورة ضد الجزائر، واسألوا مدير التلفزيون الوطني لتتأكدوا من كلامي. وقد حذّرنا صاحب الفخامة أيضا من مزدوجي الجنسية، هؤلاء الخونة الذين باعوا بلدهم من أجل جواز أحمر اللون، ولم يكتفوا بذلك بل تجدهم يسارعون ويتلهفون إلى العودة إلى الجزائر ليشغلوا مناصب المسؤولية. لكن هيهات أن يفلحوا في مسعاهم ما دام صاحب الفخامة لهم بالمرصاد. والحق أنني عندما سمعت كلام فخامته عن مزدوجي الجنسية تخيلت خيبة أملهم والنكسة التي تصيبهم وهم يكتشفون أبواب الجزائر موصدة في وجوههم. ولن يشفع لهم تملّقهم ولا إصرارهم على العودة إلى بلادهم، وأنا أعتقد أن عشرات الآلاف من هؤلاء يتحرقون الآن شوقا للعودة إلى بلدهم الكريم وهم مستعدون دون تردد للتخلي عن جنسيتهم الثانية وحرق تلك الجوازات الحمراء الملعونة في سبيل أن يرضى عنهم رئيسهم ويفتح لهم أبواب المناصب والمسؤولية في جزائرهم الحبيبة. وقد علمت من مصدر موثوق أن عددا من الوزراء ومستشاري صاحب الفخامة من حاملي الجوازات الحمراء (لا أقصد الجوازات الدبلوماسية بل الأجنبية) قرروا، مباشرة بعد سماع تصريحات فخامته، أن يعيدوا الجوازات الأجنبية إلى سفارات تلك البلدان ويحتفظوا فقط بالجواز الأخضر الذي عادت إليه هيبته وكرامته خلال العهد الذهبي وسيكون له شأن أكبر بعد دخول الجزائر عهد الدستور الجديد. ولم يفعل ذلك الوزراء والمسؤولون والمستشارون وحدهم، بل أمروا أولادهم وأحفادهم وأقاربهم بالتخلي فورا عن جوازات العار، بعد أن كانوا يطلبون منهم أن لا يعودوا إلى الجزائر قبل أن يحصلوا على الجنسية الثانية. يبقى أن رسالة فخامته الأخيرة إلى زيزو خلطت عليّ أفكاري وصرت أخشى أن أتعرّض إلى مزدوجي الجنسية بسوء أو للذين لم يقولوا كلمة خير في بلادهم وهي تحت ألسنة لهب الحرب الأهلية. فعلا صرت محتاراً كيف أمضي في انتقاد زيزو والتشفّي فيه لأنه أخرج من الملعب وخسر لقب بطل العالم لأنه يحمل جوازا أحمر ولم يقل كلمة خير في بلده وهي تحترق، في الوقت الذي خصّه صاحب الفخامة برسالة تليق بمقام رؤساء الدول المحترمة. ولمن فاته الاستماع إلى نص الرسالة الودية من صاحب الفخامة إلى زيزو مزدوج الجنسية، أذكّره بمقطعين جاءا فيها وكانا مصدر حيرتي... الأول جاء فيه "سأسعد دوما باستقبالك (والكلام هنا لفخامته وموجه إلى قائد المنتخب الفرنسي لكرة القدم) في بلدك أنت وعائلتك في الوقت الذي يناسبك والذي يمكننا تحديده معا عن طريق سفارتنا بباريس". والمقطع الثاني جاء كما يلي: "وبما أنك لم تنس أبدا بلد آبائك وأجدادك، فإن الجزائر والجزائريِّين لفخورون بك ولن ينسوك أبداً". هل قرّر زيزو التخلي هو الآخر عن جوازه الأحمر الفرنسي وتسلم من سفارتنا بباريس جوازه الأخضر، أم لعله قال كلمة خير في الجزائر عندما همد الحريق؟ أنا شخصيا أجهل ما حصل، لكنني بالمقابل أتذكر جيدا أن صاحب الفخامة كان دائما يلاحق زيزو من أجل أن يستقبله ويحضنه كما فعل قبل سنوات مع إنريكو ماسياس، لكن الفتى النطّاح كان يعتذر ويتهرّب. والآن مادام الأمر في يد سعادة سفيرنا في باريس فإنني أتوقع أن يكلّل المسعى بالنجاح ونرى زيزو في قصر المرادية مثلما كان بالأمس في قصر الإليزي مع فارق بسيط وهو أن يكون هذه المرة مع أفراد عائلته ويحظى بتغطية خاصة من التلفزيون الجزائري. القارئ الشاب عبد القادر عكوش كتب إليّ معبِّرا عن ابتهاجه لانهزام المنتخب الفرنسي، وأضاف أنه ينادي بأعلى صوته أن كل من ناصر فريق زيدان فهو حركي. ولا أدري إن كان هو الآخر سيغيّر رأيه بعد رسالة صاحب الفخامة إلى زيزو