اليوم يلتحق قرابة الثمانية ملايين تلميذ بمقاعد و"طابوريات" الدراسة بعد عطلة طويلة، واليوم يستفيق ملايين الأولياء على كابوس الأدوات المدرية وأسعار الكتب ومتاعب التسجيل ومصائب التحويل وبُعد المسافات بين المؤسسات المدرسية ومقرّ السكن وكذا مشكل النقل والإطعام المدرسي، وكلها مشاكل تنغّص حياة المتمدرسين وأوليائهم ! * * لم يعد الدخول المدرسي يصنع الفرحة بقدر ما أصبح يولّد "القرحة" للعديد من العائلات نتيجة عدّة أسباب ومبررات، أهمها غلاء المعيشة وانهيار القدرة الشرائية، وتحوّل المدرسة إلى حلبة للإشتباكات والمناوشات وتصفية الحسابات والاحتجاجات والإضرابات بين نقابات ووزارة إتفوا على أن لا يتفقوا! * * مازال التلاميذ إلى أن يثبت العكس "فئران تجارب" لشدّ ومدّ وجزر وضرب تحت الحزام، وكلّ طرف من الأطراف المتنازعة يقول "فولي طيّاب"، ولذلك أصبح الدخول المدرسي يصنع "الخلعة" وينقل الرعب إلى التلاميذ والأولياء الذين يغرقون في وسائل وطرائق سدّ الفجوات وتلبية "مطالب" أبنائهم وإنجاح الدخول الذي لا علاقة له بالخروج إلى عطلة في شهر جوان من كلّ سنة. * * لم يعد الدخول المدرسي ركنا للتعارف في أيامه الأولى، بقدر ما تحوّل إلى رحلة ضياع وعذاب للبحث عن معلمين "يعجبون" التلاميذ، وتلاميذ "يعجبون" المعلمين، كما تحوّل الدخول المدرسي إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أيّة لحظة، وهو أيضا نقطة إنطلاق المشاكل بين النقابات والإدارة، واستئناف الصدامات والصراعات بعد أشهر معدودات كانت للراحة وردّ الأنفاس. * * عندما كانت القطاعات على "ديدانها" كان للدخول المدرسي هيبة وسمعة ووقارا، لكن الآن بعد سنوات الأزمة والتفكّك الإجتماعي والإقتصادي، أصبح هذا الدخول مخيفا ومنفّرا، سواء بالنسبة للمتمدرسين أو المستخدمين من المعلمين والأساتذة والإداريين، وقد ابتعد شعار "التعليم مجاني وإجباري" وحاد عن هدفه وقدسيته! * * الدخول المدرسي ليس مآزر جديدة بألوان قوس قزح، ولا هو تدشين من طرف معالي الوزير، ولا هو طوابير وصفوف منظمة للالتحاق بقاعات الدراسة والتدريس، ولا هو أيضا إتخام التلاميذ بالعدس و"حبة فورماج" في مطاعم تضمن الحدّ الأدنى من الوجبات، وإنما الدخول المدرسي هو راحة نفسية واستقرار ورغبة في التمدرس، وصدق من قال: "لن يتعلم من لا رغبة له في التعلّم". * * من الضروري أن تتحرّر المدرسة من الحسابات والصراعات السياسية والنقابية والشخصية، ومن الحتمي تخليص التلاميذ من عقلية استخدامهم كدروع بشرية أو كرهائن يتمّ اللجوء إليها خلال الاحتجاجات والإضرابات التي لم تأكل من ورائها المنظومة التربوية الخبز ولا "البريوش"! * * نعم، من العيب أن يُهان التلاميذ والأساتذة بأجور لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن من العار أن يُستخدم التلاميذ كأعواد كبريت أو بنزين لإشعال النيران وليّ ذراع وزارة أثبتت أنها "لاعب محترف" يجيد جيدا فنون المراوغة وتسجيل الأهداف في "مباريات" التعليم الأساسي والمتوسط والبكالوريا حتى وإن لجأت إلى "لاكاس"! * * عودة ميمونة إن شاء الله لكلّ المعلمين والأساتذة والتلاميذ، والمهمّ أن تصحّح الأخطاء في هذا الموسم، وتخرج المدرسة من مستنقع "أنا ومن بعدي الطوفان"، وتعمّ لغة التحاور والتشاور كبديل للغة الخشب والعجب و"التغنانت"، ويبقى الاحتجاج والإضراب حق دستوري مكفول، لكن في حدود المعقول والمقبول، وأن لا يكون حقا يُراد به باطل! * * * *