أنا أيضا أموت في حب الفريق الوطني، وأعشق كرة القدم حتى النخاع، وأقدم من أجل الخضرا الغالي والنفيس * حتى أنني لم أتردد في بيع كثير من حاجات بيتي من جهاز التلفزيون إلى الثلاجة وبعض اللوحات الفنية، والكتب النفيسة، انتهاء بذهب الزوجة (الحدايد للشدايد كما تقول زوجتي التي بكت للحادثة)، بعد أن رفضت الحمرا بيعي تذاكر سفر بالأقساط، وامتنع الأصدقاء عن مساعدتي في ذلك، فلجأت إلى بيع ما في بيتي كحل بديل من أجل فريقنا الوطني ومتابعة مباريات كأس العالم في جنوب إفريقيا. * لم أندم أبدا على ما فعلته من أجل الألوان الجزائرية، ومن أجل العلم والنشيد الذي كان يزلزل أعماقي عندما كان يعزف في هذا الملعب أو ذاك، حتى وإن كلفني ذلك الحب كثيرا من الهموم والمشاكل مع زوجتي وأولادي بعد أن غادرت إلى بيت والدها، وأقسمت ألا تعود حتى أعوض لها كل ما بعته من أجل كرة القدم، وذهب الأولاد تباعا بنات وبنينا إلى بيوت أعمامهم وأخوالهم، وشعرت بخسارة كبيرة وندم على ما فعلته. كنت أقول في البداية كل شيء يهون من أجل الخضرا، لكن هزائم فريقنا الوطني المتتالية كانت تنعكس سلبا علي وعلى أسرتي بشكل مباشر، كانت هزيمتهم في الملاعب هي هزيمتي في بيتي، وأمام زوجتي وأولادي، هم خسروا بالأهداف، وأخذوا في جيوبهم الأموال والهدايا والسيارات وإعلانات الشركات، وأنا أخذت الريح، خسرت ذهب زوجتي ومدخراتي، وأثاث بيتي، وثقتي بالرياضة والرياضيين، يا للهزيمة النكراء، حتى مديري في العمل تغير كثيرا بعد هزيمة الخضرا في جنوب إفريقيا وخروجنا المبكر من المنافسة، لقد هددني بالطرد من وظيفتي بعد أن كثر غيابي عن العمل بسبب أسفاري مع المناصرين، قلت لنفسي لو أنهم سجلوا هدفا واحدا فقط أو هدفين لهان الأمر علي، ولكان ذلك مبررا لي للدفاع عن نفسي أمام زوجتي وأولادي ومديري وأمام من اقترضت منهم المال للسفر إلى جنوب إفريقيا ودول أخرى قبل بداية تصفيات كأس العالم، آه أيها الفريق الوهم، أيها المدرب، أيتها الاتحادية، أيها الناس، يا صناع الأوهام والأحلام الفارغة، يا ملوك الإشاعة والدعاية، لماذا فعلتم كل ذلك بملايين الجزائريين؟ أين الوعود الكاذبة وأين الملايير من الدنانير؟ أين احتفالات شوارع العاصمة وأحلام قصر الشعب والمرادية؟ من فعل بكم كل ذلك؟ هل هي سياسة الأوهام وأوهام الرياضة في بلد يحتاج إلى الروح الرياضية بينه وبين نفسه، بينه وبين مسؤوليه؟ * كنت أصرخ داخل الملاعب وأدوي بصوتي على مدار الساعات الطويلة، مزهوا بما كنت أقرأ في جرائدنا، من تصريحات اللاعبين، والمدربين والمسؤولين، لكن ذلك كان كغبارالصيف الذي انقشع فجأة، كما أني كنت من أكثر المدافعين عن أولئك الجزائريين الشباب الذين جاؤوا فريقنا الوطني من فرنسا، لم تكن المسألة في البداية تشغلني، كل ما كان يهمني ويهم أنصار الفريق هو اللعب والأداء في أرضية الميدان، أما مسألة الجنسية فكنت لا ألتفت إليها البتة رغم ما كانت تثيره من قلق وحساسية بين كثير من الأنصار دفاعا عن ثلة من اللاعبين المحليين والمتميزين حقا، والحق أني دخلت في كثير من الخصومات والمواجهات مع من كانوا يرون بأن فريقنا الوطني ليس له من ذلك إلا الاسم باعتبار أغلب لاعبيه من ذوي الجنسية الفرنسية حتى وإن كانوا من أصول جزائرية، لكن الراية الخضراء كانت أقوى كما كنا نقول نحن الأنصار، وقد اعتبرنا مثل هذا الكلام في بداية الأمر تشويشا على فريقنا الوطني الذي غاب عن كأس العالم سنوات طويلة، وقد جاءت أحداث القاهرة لتصنع شيئا جديدا بين الجزائريين من رياضيين وأنصار وسياسيين . * كنت في ذلك الصباح الجزائري أزرع الخطو في ساحة موريس أودان قبالة المديرية العامة للخطوط الجوية الجزائرية، أستعيد شريطا اختلطت فيه الكثير من الصور والأحلام والأحزان علي وعلى زوجتي وعلى أولادي وعلى الخضرا، لكن شعوري بالمأساة والخيبة والخسارة كان الأقوى هذه المرة، خاصة وأن زوجتي لا تزال تصر على عدم العودة إلى البيت حتى أعيد إليها ذهبها وفضتها، وأن أولادي كما قال خالهم الأكبر لن يعودوا أيضا إلى البيت حتى يعود جهاز التلفزيون والثلاجة والكتب التي بعتها بثمن بخس من أجل السفر إلى جنوب إفريقيا، إنها هزيمة بخمسين هدفا أو يزيد، هزيمة بعدد سنوت عمري، أهداف تلقيتها هذه المرة وحدي عاري الصدر، فارغ الجيب، دون جمهور أو حكم، وإن أنسى فلن أنس بهدلات خطوطنا الموقرة، انظروا هنا واحدة من مقارها العتقية، شركة الطيران الجزائرية والتي كانت سببا من أسباب نكستي وهمومي الحالية، تذاكرها الباهضة الأسعار، وخدماتها الرديئة، وتأخر رحلاتها بالساعات، ناهيك عن البهدلات التي تلاحقها في المطارت العالمية من فرنسا إلى الصين واسألوا رئيسها ومديرها العام واسألوا الوزير عبد العزيز بلخادم ماذا فعل في الصين من أجلها. * لقد كنت أحب شركة الطيران الجزائرية، وكنت لا أسافر إلا معها، كما كنت أحب الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم، معتزا بهما كرمزين كبيرين من رموز الجزائر المستقلة الحديثة، لكن هزائم الكرة وخيبات الخضرا، ومآسي الحمرا جعلاني أعيد النظر في كثير من الأشياء، وصرت إذا سألني صديق على أي خطوط ستسافر؟ أقول له ضاحكا في (الكار الحمرا) كما يقول بعض الجزائريين، وتلكما من مآسي جزائرنا الحديثة (حمرا وخضرا) وأخشى ما نخشاه على الهلال والنجمة، وليت زوجتي وأولادي يعودون إلى البيت قبل أن يضيع رشدي وبلدي. *