ماعدا نور الدين مرسلي الذي نال البطولات العالمية وحقق الأرقام القياسية طيلة تسعينيات القرن الماضي وختمها بميدالية أولمبية في نهاية مشواره، وفريق شبيبة القبائل الذي أحرز كؤوس الكاف ثلاث مرات متتالية بجدارة * ومنتخب كرة اليد لسنوات الثمانينيات الذي تربع على عرش القارة السمراء وشارك عدة مرات في نهائيات بطولة العالم والألعاب الأولمبية، وبعض الرياضيين الآخرين الذين استمروا في المستوى العالي لسنوات وحصدوا الميداليات والألقاب .. * ماعدا هؤلاء.. لا أذكر رياضيين آخرين ونوادي ومنتخبات رياضية جزائرية تميز أداؤها ونتائجها بالاستقرار والاستمرارية طويلا على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، مما يطرح تساؤلات عديدة حول قدرتنا على الاستمرار في تحقيق النتائج والألقاب.. * لماذا نتراجع مباشرة بعد التألق والتتويج؟ ولمَ لا نستثمر في الإنجازات الرياضية لتكون سببا في تحقيق نتائج أخرى وصناعة أبطال آخرين؟ * لقد فشلنا في الاستمرار وصناعة الخلف والحفاظ على المكاسب، وراح الرياضيون والنوادي والمنتخبات ضحايا صراعات مصالح بين المسيّرين والمسؤولين، وضحية نظرة ضيقة للتفوق والتألق والشهرة والنجومية.. وكلما حققنا المكاسب ازدادت الأحقاد والفتن، وظهرت بوادر اليأس في النفوس والعقول، لنعود ونبدأ من جديد . * والغريب في الأمر أن الكثير من الرياضيين والنوادي يغيبون عن المسرح وتسوء نتائجهم مباشرة بعد تألقهم أو حصولهم على الألقاب والتتويجات، بسبب محيط تعوّد على الفشل ولا يحسن التصرف في النجاحات والتعامل معها، وبسبب ذهنيات بعض الرياضيين الذين ينظرون إلى التتويج على أنه مفتاح الحل لكل مشاكلهم الاجتماعية، عوض اعتباره مكسبا يجب تدعيمه وتحقيق أفضل منه.. ولا يعني هذا أن المسؤولية تقع عليهم وحدهم، كلا.. بل تقع أيضا على المنظومة الرياضية والفكرية السائدة، وعلى التقاليد التي يسير عليها الجميع. * الأمثلة كثيرة ومتعددة لهؤلاء وأولئك على مدار السنين.. وحتى لا نعود بالذاكرة بعيدا، يكفي أن نتساءل عما حدث لقرني عيسى جبير بعد حصوله على فضية بطولة العالم، وأين صارت نورية بينيدة مراح بعد ذهبية أولمبياد أثينا، وصورية حداد وعمار بن يخلف بعد فضية وبرونزية أولمبياد بكين؟ وأين هم ورثة سلطاني وبحاري ومحمد علالو وبن قاسمية في الملاكمة، وأمثال حركات وسواكري في الجيدو، ومرسلي وإبراهيمي وبولمرقة ورحولي وغيرهم كثيرون؟ ! * أغلبهم غرقوا في متاهات المطالب والشكاوى التي لا تنتهي، ودوامة المادة والأنانية وغياب استراتيجية وطنية تحمي الأبطال والكفاءات مثلما تحمي العلماء والمفكرين والنجباء والعباقرة والمجتهدين من أبناء الوطن . * أين هي الملاكمة الجزائرية وألعاب القوى والسباحة والجيدو من تلك السيطرة على المنافسات القارية والجهوية عندما كانت تحصد الميداليات وتنجب الشبان، أم أن تأهل المنتخب الجزائري إلى مونديال جنوب إفريقيا أنسانا أن الرياضة ليست كرة القدم فقط، وانعكس الأمر سلبا على باقي الرياضات التي لم نعد نسأل عن أحوالها وشبانها وظروف ممارستها ومشاكلها؟ ! * أين هي منتخبات كرة اليد والطائرة والسلة؟ وأين هو نادي مولودية الجزائر لكرة اليد الذي ضيع حتى اسمه وهويته فما عاد أحد يذكر تسميته الجديدة وهو الذي كان يسيطر على المنافسات المحلية والقارية منذ سنوات، وكأن أيادي خفية أرادت محو رصيده الكبير وتاريخه الحافل بالإنجازات؟.. لماذا توقف مشوار وفاق سطيف في دور المجموعات لدوري أبطال إفريقيا بعد التتويج باللقب العربي وكأسي شمال إفريقيا، رغم أنه يتوفر على كل المقومات والإمكانات البشرية والمادية للفوز بالكأس القارية؟.. * أين هي الإطارات من رؤساء الاتحاديات والمدربين والمسيرين الذين ساهموا في تلك الإنجازات وقادوا الاتحاديات والجمعيات وأشرفوا على الرياضيين المتألقين؟.. لماذا يبقى الفاشلون والانتهازيون ويذهب الناجحون والمجتهدون من ذوي الكفاءات والأخلاق؟ ولماذا تبقى السلطات العمومية تتفرج ولا تحمي الكفاءات ولا تنصف الرجال؟ * الأمر ينطبق على حالنا اليوم وغدا، وها نحن نتفرج على سيناريوهات مماثلة لإنجازات رياضيين ونواد ومنتخبات لا تستقر ولا تستمر على حال، بما في ذلك على مستوى الهيئات المسيّرة.. والأدهى والأمر أن المشاكل والصراعات تطفو إلى السطح بعد التتويجات بسبب سعي الجميع للاستحواذ عليها وتبنيها، والجري وراء امتيازات المال والشهرة، وكل واحد يعتقد بأنه هو صاحب الفضل .. فقبله لم يكن هناك شيء، ولولاه لما كان للجزائر وجود .. أما بعده، فليكن الطوفان ! * في ظل هذه الوضعية يحق لنا أن نتساءل: كيف سيكون حال منتخبنا لكرة القدم بعد اليوم؟ وهل سيتأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا وكأس العالم المقبلين، أم أن أعداء النجاح وقوى الشر ستتحالف لتحطيم كل ما هو جميل، ويتسبب المال والشهرة والمصالح في العودة إلى الصفر؟ وكيف نفسر هذا التشاؤم واليأس والتشكيك الذي يحاول البعض بثه في النفوس والعقول؟ * ما هو مؤكد.. أننا أثبتنا عدم قدرتنا على الاستثمار في النتائج والحفاظ عليها وتدعيمها، ولكن المشكلة ليست في أبنائنا الرياضيين فقط، بل في المسيرين والمسؤولين أيضا، وفي الأنانية التي سكنت نفوسنا والغيرة التي قتلتنا، وفي فلسفة "لماذا هو الذي نجح وليس أنا؟". * كما تكمن المشكلة في غياب الاستراتيجيات، وتغييب أصحاب النيات الحسنة عن المشهد الرياضي، حتى يخلو المجال للوصوليين و " البزناسية " والمتطفلين الذين يستحوذون على إنجازات الشبان . * غير أن الرياضيين أنفسهم يتحملون أيضا جزءا من المسؤولية، حين يعتقدون بأنهم وصلوا وحققوا المبتغى، فتشتت أذهانهم وينصبّ اهتمامهم على البحث عن المزايا والربح والشهرة، عوض مواصلة الجهد لحصد أكبر عدد من الألقاب والتتويجات، والبقاء في القمة أطول فترة ممكنة.. * الاستمرارية التي أتحدث عنها لا تتنافى مع ضرورة التغيير والتجديد، ولكن التغيير يجب أن يمس الرداءة والفشل قبل كل شيء.. فلنترك الجيل الجديد المبدع يتنفس دون وصاية، حتى نرتقي بالجزائر إلى عالم مغاير.. يفكر ويعمل باحترافية ومهنية. *