بعد مطالبات متعددة من قبل الأوساط الإسرائيلية الرسمية بإتمام مشروع الجدار الأمني الفاصل مع مصر بأقصى سرعة، لمنع تسلل عشرات الآلاف من اللاجئين الأفارقة، وحماية حدود إسرائيل من تهريب الأسلحة لحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أعلنت وزارة الجيش الإسرائيلي يوم الاثنين الماضي عن بدء بناء سياج أمني على حدود دولة الاحتلال مع مصر بذريعة منع تسلل المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها . * * وكانت الحكومة الإسرائيلية قد وافقت في جانفي الماضي على بناء السياج منعا لتسلل المهاجرين الأفارقة الطامحين في الحصول على اللجوء السياسي في إسرائيل، إضافة إلى مهربي المخدرات والأسلحة، فضلا عن حماية المدن الإسرائيلية من تسلل منفذي عمليات فدائية عبر جزيرة سيناء. * ونقل بيان صادر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع للحكومة الأمنية المصغرة أواخر الشهر الماضي أن "مشكلة من يتسللون بصورة غير شرعية على طول الحدود الجنوبية، تشكل تهديدا للطابع اليهودي والديمقراطي لدولة إسرائيل ". * وتقدر أوساط صحفية إسرائيلية عدد المتسللين 80 ألف إفريقي إلى الاحتلال بمعدل 700 كل أسبوع، ولاستكشاف أهمية هذا السياج اتصلت الشروق بالمختص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور عدنان أبو عامر الذي أوضح أن السياج هدفه منع عدة ظواهر تمس أمن الاحتلال أهمها "منع تسلل الأفارقة المقدر عددهم بعشرات آلاف باعتباره تهديدا قوميا لإسرائيل خاصة وان اغلب الأفارقة مسلمون يؤدون الصلاة وسط مدينة تل أبيب مما يمس بالنقاء العرقي لليهود"، وعن الهاجس الأمني الإسرائيلي قال الدكتور أبو عامر: "ترى إسرائيل أن حدود مفتوحة بطول240 كم تعتبر ثغرة مناسبة لقوى المقاومة وبعض تنظيمات الجهاد العالمي كجماعة القاعدة للتسلل للأراضي الإسرائيلية وتنفيذ عمليات فدائية". * وعن الأهداف السياسية لهذا السياج أكد المختص في القضايا الإسرائيلية "أن إسرائيل تحاول ترسيم حدودها السياسية من خلال مجموعة الجدر حيث تقيم في الضفة الغربية جدار الفصل العنصري والجدار الالكتروني مع قطاع غزة وكذلك السياج الأمني على الحدود مع مصر وذلك استباقا لأي اتفاقات سياسية مع السلطة الفلسطينية والدول العربية المجاورة حتى تجسد أمرا واقعا وميدانيا يكون من الصعب على أي حكومة إسرائيلية قادمة تجاوزه". * 240 كم تحت الرقابة * السياج الذي شرعت إسرائيل في إنشائه يتكون من مقطعين؛ الأول يمتد من معبر كرم أبو سالم عند نقطة تلاقي الحدود المصرية الإسرائيلية مع قطاع غزة حتى معبر العوجا الإسرائيلي المصري، فيما يمتد المقطع الثاني من مدينة إيلات ومعبر طابا على البحر الأحمر باتجاه الشمال، ويغطي السياج الأمني الحدود المصرية مع الاحتلال على طول مسافة 240 كم، بتكلفة تقدر بنحو 370 مليون دولار وينتظر انجازه في ثلاث سنوات متواصلة، السياج عبارة عن عراقيل برية ومجسات الكترونية ووسائل مراقبة في المناطق الحساسة حسب التقييم الأمني والجغرافي الإسرائيلي. * عددهم يتزايد بسرعة * توقع رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون العمالة الوافدة في إسرائيل يعقوب كاتس أن يبلغ عدد المتسللين الأفارقة إلى دولة الاحتلال بعد عشر سنوات ثلاث مائة ألف شخص، وتشير معطيات سلطة الأحوال المدنية والهجرة في دولة الاحتلال إلى أن عدد المتسللين إلى إسرائيل بلغ منذ بداية العام الحالي 12ألف شخص. * أماكن انتشار الأفارقة * ليست هناك معطيات رسمية بخصوص التوزيع الجيوغرافي للمتسللين الأفارقة، ولكن حسب المعطيات المحسوبة للقوات الإسرائيلية والسلطات المحلية في الكيان، تبين إن مدينة تل أبيب تقع في المركز الأول من حيث عدد المتسللين حيث يقطن فيها 15 إلى 17 ألف متسلل، ثم تليها ايلات وتشكل نسبة عالية جداً في عدد المتسللين بالمقارنة مع سكان المدينة ويقطن فيها حوالي 4 آلاف إلى 7 آلاف متسلل، وفي أسدود يعيش حوالي 500 إلى ألفين متسلل، وبالقدس يقطن حوالي 800 إلى 1000 متسلل. * عجز إسرائيلي * أوضحت صحيفة معاريف العبرية أن ظاهرة المتسللين الأفارقة في إسرائيل باتت قنبلة موقوتة بعد أن بلغ عدد المقيمين بشكل غير شرعي فيها نحو 30 ألف حسب الإحصاءات الرسمية فيما تقدر إحصاءات موثوقة غير رسمية أن عددهم 80 ألف شخص، وتعجز السلطات الصهيونية إلى الآن عن ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية. هذا العدد المتزايد من المتسللين دفع وزير الداخلية، إيلي يشاي، إلى مناشدة الجيش الصهيوني بالإسراع من الانتهاء من بناء الجدار الالكتروني على الحدود مع مصر لوقف تدفق الأفارقة إلى إسرائيل. * مأزق مصري * دائماً ما تطالب الحكومة الإسرائيلية سلطات الأمن المصرية بحماية حدودها من سيل المتسللين غير الشرعيين، مما يدفع السلطات المصرية في بعض الأحيان إلى فتح النار على هؤلاء المتسللين عبر الحدود المصرية مع الاحتلال، مما أدى إلى مقتل أكثر من ثلاثين مهاجرا غير شرعي منذ بداية العام الحالي على الحدود، معظمهم برصاص الشرطة المصرية. * وفي المقابل، تتعرض القاهرة لانتقاد المنظمات الحقوقية الإسرائيلية، بسبب قتل الأمن المصري للاجئين الذين يحاولون التسلل لإسرائيل، كما تطالب الأممالمتحدة وبعض المنظمات الحقوقية الحكومة المصرية بعدم إطلاق النار عليهم والاكتفاء باعتقالهم وترحيلهم، بينما تؤكد السلطات المصرية بأن المهاجرين يجبرونهم على إطلاق النار عليهم لعدم التزامهم بالأوامر ومحاولة الهروب. * وفي تعقب مصر على بناء الجدار اعتبرت أن الأمر شأن إسرائيلي داخلي خاص رغم أن المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية يجتال بلمور أكد في تصريح صحفي أن إقامة الجدار تتم بالتنسيق مع السلطات المصرية، مبينا أن الحدود بين مصر وإسرائيل تم ترسيمها في اتفاق كامب ديفيد عام 1979 . * قرية إفريقية في إسرائيل * ولحل هذه المعضلة، تسعى الحكومة الإسرائيلية في هذه الأيام لإقامة قرية خاصة بالمتسللين الأفارقة، عبارة عن معسكر اعتقال على الحدود مع مصر، يتسع للآلاف منهم، حسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية. * وستوفر الحكومة في المعسكر خدمات أساسية للمتسللين، كما تسعى لجنة متخصصة لتغيير القانون، ليصبح بالإمكان احتجازهم لأكثر من60 يوما، وفرض غرامات مالية باهظة على من يقوم بتشغيلهم. * وتهدف الحكومة من خلال هذه الخطوة للتضييق على المتسللين المتواجدين في إسرائيل، وللحد من انتشارهم وتجولهم في المدن الإسرائيلية، كذلك فإنها تستهدف بالأساس مئات الآلاف الذين يفكرون بالوصول إلى إسرائيل مستقبلا، فعندما يعلم المهاجرون أنهم سيحتجزون ولن يسمح لهم بالعمل، فإن هذا سيردعهم ويقلل من أعدادهم. * لا أمل في الجنسية * في الوضع القائم بإسرائيل اليوم، فإنه يسمح لكل متسلل أن يتقدم بطلب لجوء سياسي، حتى لو كانت احتمالات حصوله على ذلك ضعيفة، ومن جهة أخرى فإن إسرائيل لا تستطيع إبعاده إلى بلاده حتى الانتهاء من فحص إمكانية الاستجابة لطلبه والتي تستمر لمدة طويلة قد تصل لأكثر من عام. * الحلول الإسرائيلية * لذلك وضع وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي يشاي الحلول في مؤتمر "سديرو" الأسبوع الماضي، حيث قال: "النقب مليء بالمتسللين ونحن نستثمر الملايين من أجل معالجة الموضوع، ولذلك يجب أن نعمل بشكل عاجل من أجل إنجاز أربعة أمور، تتلخص في إقامة الجدار على الحدود مع مصر، ونشر قوات بأعداد أكبر من الموجودة على الحدود، وإقامة معسكر الاعتقال ومنع تشغيل المتسللين ". * أما مدير عام سلطة الهجرة وتسجيل السكان أمنون بن عامي، فقال إن "على الجمهور في إسرائيل أن يفهم أن الموضوع هنا ليس المتسللين المتواجدين في إسرائيل، ولكنه يستهدف بالأساس مئات الآلاف الذين سيصلون إلى هنا في السنوات القريبة، عندما يعلمون أنهم لن يتمكنوا من العمل ولن يستطيعوا إرسال نقود إلى بلدانهم، فإن رغبتهم في التسلل إلى إسرائيل ستتلاشى". * دولة الاحتلال التي شرعت سابقا في بناء جدار من الاسمنت بينها وبين مدن الضفة الغربية، وهذا السياج الالكتروني على الحدود مع مصر تسعى الحيلولة دون وقوع أي عمليات مسلحة ضدها وحماية جبهتها الداخلية ومنع هجرة الأفارقة في أهداف قريبة، لكنها تخفي وراء ذلك سعيها لدولة تضم اليهود فقط، وضمان النقاء العرقي فيها، فضلا عن هاجس الأمن الذي لا يفارقها. *