نظرت محكمة الجنايات بمجلس قضاء سطيف في دورتها الأخيرة في إحدى أخْطَر قضايا القتل العمدي التي هزت مدينة سطيف في السنوات الأخيرة والتي ظلت لغزاً حيّر جميع المتابعين لهذا الملف الشائك والمتعلق بجريمة القتل البشعة التي استهدفت امرأة تدعى (م.ل) بحي 150 مسكن وسط ظروف غامضة جداً لم تسمح بتحديد هوية منفذ العملية رغم مرور أزيد من 07 سنوات، توجهت خلالها الاتهامات إلى زوج الضحية قبل إطلاق سراحه لانعدام الأدلة الكافية لإدانته والحكم نهائياً ببراءة هذا الأخير خلال آخر جلسة. نصر الدين معمري تعود وقائع القضية إلى 08/02/1999 حينما تلقت مصالح الأمن مكالمة هاتفية من طرف الطفل (ب.س) تفيد بتعرض والدته إلى اعتداء مسلح بالخنجر داخل مسكنها بعدما عثر عليها ملقاة على الأرض متأثرة بعدة طعنات تلقتها على مستوى الصدر والوجه والرقبة لدى عودته من الدراسة في حدود الثانية عشرة والربع، حيث وجد أخاه الأصغر منه ينتظر أمام الباب الذي كان مغلقاً، فقام بفتحه بنسخة من المفتاح، وعند دخولهما المطبخ رأيا أمهما في حالة غيبوبة وسط بركة من الدماء، فقرر الطفل الاتصال بوالده في مكتب العمل ولكنّه لم يجده (في منتصف النهار)، واتصل كذلك بابن عمّه قبل أن يلتقي الجميع عند البيت الذي التفّ حوله الجيران مذهولين للخبر، وتم نقل الضحية التي كان قلبها ينبض ببطء على جناح السرعة إلى المستشفى الجامعي بسطيف أين لفظت أنفاسها بعد 10 دقائق من وصولها. مصالح الأمن فتحت تحقيقا ابتدائيا في القضية وباشرت سماع الأطراف بداية بالابن (ب.س) الذي أعاد رواية ما رآه رفقة أخيه الأصغر فور رجوعهما من الدراسة، والزوج (ب.ز) الذي أكد رؤيته لتجمّع عدد من الجيران عند مدخل العمارة التي يقطن بها عند رجوعه للبيت حوالي منتصف النهار والنصف، فاندهش للخبر وسارع إلى المنزل أين وجد زوجته وسط بركة من الدماء وعندما لمس قلبها أحس بنبضات بطيئة فنقلها على جناح السرعة إلى المستشفى، مع تأكيده بأن حياته الزوجية كانت عادية وهانئة مع زوجته المرحومة، وبأن هذه الأخيرة كانت على علاقة سيئة مع زوجة أبيها، زيادة على تلقيها تهديدات في أيّامها الأخيرة من امرأة مجهولة كانت تتصل بها هاتفياً تطلب منها عدم التدخل بين والدها وزوجته، قبل أن يحوّل ملف الإجراءات بعد ذلك إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة سطيف، حيثُ فتح تحقيق قضائي ضد مجهول بجناية القتل العمدي، أصدر بشأنه قاضي التحقيق المكلف بالملف أمراً بانتفاء وجه الدعوى لبقاء الفاعل مجهولا. غير أن الطرف المدني (والد الضحية) استأنف القرار أمام غرفة الاتهام التي قضت بإلغاء هذا الأخير وتوجيه الاتهام من جديد لزوج الضحية حسب مقتضيات الطلب الافتتاحي، فتمت مباشرة التحقيق القضائي ثانية وذلك بالقيام بمعاينات ميدانية وإعادة تمثيل واقعة الجريمة ودراسة فارق الوقت بين مكان الجريمة ومكان عمل الزوج المشتبه به، حيث خلص قاضي التحقيق إلى أن المتهم ليس له الوقت الكافي لاقتراف الجرم لتعذّر قطعه المسافة بينهما في المدة المحددة ب11 دقيقة و37 ثانية. غرفة الاتهام من جهتها لم تقتنع بما خلص إليه قاضي التحقيق من استنتاجات أغفلت حسبها عدة إجراءات في التحقيق مثل عدم مواجهة الأشخاص الذين شكّك فيهم زوج الضحية، وعدم التحقيق مع بعض الشهود الذين رأوا يوم الواقعة بعض الأشخاص بالقرب من المنزل وصرحوا ببعض أوصافهم، قبل تقرير الغرفة انتداب قاض آخر لإجراء تحقيق تكميلي بشأن التحفظات المسجلة سابقاً، وهو ما تم قبل البتّ النهائي في هذه القضية بالحكم ببراءة المتهم (زوج الضحية) وسط مجموعة من الألغاز مازالت مطروحة حول البطل الحقيقي لهذه الجريمة وخلفيات وقوعها، والاستفهامات الكثيرة بشأن عدم الوصول إلى المتهم الذي يبقى مجهولاً إلى أجل غير مسمى!