من يحمي 120 إمام جزائري منتدب في مساجد فرنسا من ضغوط وممارسات "تعسفية " تقوم بها دوائر داخل إدارة مسجد باريس أدت بسبب ذلك إلى إضعاف تمثيل الجالية الجزائرية في إنتخابات مجلس الديانة الإسلامية؟ وما هو دور وزارة الشؤون الدينية في ذلك؟ معاناة يرويها لأول مرة أئمة وعمال جزائريون في إدارة مسجد باريس عن تعسف بعض المسؤولين الذين جعلوا من المساجد التي يؤمها جزائريون في فرنسا حلبة للصراعات والفضائح وصلت إلى أبواب القضاء الفرنسي. تحقيق: ليلى مصلوب ندد عدد من الأئمة الجزائريين المنتدبين في فرنسا بما سموه الضغوط والمساومات التي يمارسها ضدهم بعض المسؤولين في إدارة مسجد باريس كالتحويلات العشوائية من مسجد لآخر والتهديد بإنهاء فترة انتدابهم عن طريق تحرير تقارير"مزيفة " ضدهم ترسل إلى وزارة الشؤون الدينية بالجزائر يتم على ضوئها معاقبة الأئمة دون التحقيق المسبق في القضية، وقال هؤلاء أن ما خفي من الوجه الأخر لإدارة مسجد باريس "أقبح" من الوجه الظاهر خاصة اتباع سياسة الإقصاء ومحاولة الهيمنة على بعض المساجد من خلال الضغط على الجمعيات التي تسيرها. تجاوزات وشكاوى لخصها أئمة جزائريون وعدد من العاملين في إدارة مسجد باريس في رسالة مفتوحة وموقعة تسلط الضوء على ما يحدث لهؤلاء الأئمة في فرنسا وكيف يعيشون دون حماية قانونية بل مهددون بالطرد وإنهاء المهام في أية لحظة تقرر فيها إدارة مسجد باريس ذلك، وتوضح أيضا أسباب فشل الجزائر الذريع والدائم في انتخابات مجلس الديانة الإسلامية بفرنسا رغم الأموال التي تهدرها سنويا لدفع رواتب العمال ونفقات تسيير مسجد باريس. 120 إماما تحت رحمة "حمّال" سابق بمطار أورلي تردد اسم "الوانوغي" في شكاوى الأئمة الجزائريين التي أرسلت إلى وزارة الشؤون الدينية في شكل احتجاجات مستمرة لكنها لم تلق الرد الشافي على تظلمهم ولم يحصلوا سوى على إجابة واحدة وهي أن "مسجد باريس تابع لمصالح رئاسة الجمهورية وأن وزارة الشؤون الدينية ليست لها سلطة فعلية على إدارة مسجد باريس".. ويقول بعض الأئمة أن السبب المباشر في مأساتهم والعبث بمناصبهم وتحويلهم وإقصائهم يعود إلى تقارير يعدها مسؤول الأئمة والمساجد والمدعو "الوانوغي"، وحسب بعض الشهادات فإن هذا المسؤول كان يعمل دافعا لعربات نقل البضائع في مطار "أورلي"، أي بمعنى أوضح كا يشتغل "حمّالا"، قبل أن يعين حارسا شخصيا لعميد المسجد دليل بوبكر في سنوات الإرهاب ثم تدرج ليصبح الرجل الثاني في إدارة مسجد باريس. وللعلم فلهذا المسؤول المدعو "الوانوغي" سوابق مع الأئمة الجزائريين ومواقف كان شاهدا عليها حتى وزير الشؤون الدينية على حد قولهم، وفق ما جاء في رسالة شكوى تحصلت على نسخة منها "الشروق اليومي". وتعيش مساجد الجالية الجزائرية في فرنسا حالة من عدم الاستقرار، وبسبب تقارير "الوانوغي" أصبح المسجد الواحد يتداول عليه أكثر من 20 إماما منتدبا من الجزائر مثل المسجد الموجود في ضاحية "روبي" كما أن سياسة التقارير تلك التي تحررها إدارة مسجد باريس ضد الأئمة الجزائريين المنتدبين في فرنسا وترسلها الى وزارة الشؤون الدينية أدت كذلك إلى تنقل عدد من الأئمة بين عشرة مساجد في ظرف خمس سنوات فقط. وقد بعثت جمعية مسجد "أنبار" ثاني اكبر مسجد بعد المسجد الكبير في الضاحية الباريسية وجمعية مسجد "أرجونتاي " برسالة احتجاج إلى عميد مسجد باريس مرفوقة بإنذار الانفصال عنه في حال لم يتحرك لوضع حد للممارسات التي يقوم بها "الوانوغي" مسؤول الأئمة والمساجد في فرنسا. كما تم إرسال شكاوى من طرف جمعيتي المسجدين لسفير الجزائربفرنسا والقنصل العام احتجاجا على محاولة المسؤول نفسه في مسجد باريس بتحويل إمامي المسجدين وتعويضهما بآخرين دون سبب يذكر. وفي ظل غياب أي قانون يحمي الأئمة المنتدبين البالغ عددهم 120 إماما من الضغوط والتقارير "الكاذبة" تبقى الإمامة الجزائرية في فرنسا مهددة بالزوال وضعف التمثيل على الرغم من أن الجالية الجزائرية من أقوى الجاليات وأكبرها في فرنسا . وتقول بعض المصادر أن مسؤول الأئمة في مسجد باريس له قضية في العدالة رفعها ضده رئيس جمعية المسجد الكبير بليون بتهمة الشتم والتهديد اللفظي ولا تزال القضية فوق مكتب وكيل الجمهورية لمحكمة ليون. وترجح بعض التحليلات أن الأسباب الحقيقية وراء الضغوط الممارسة ضد الأئمة الجزائريين تتمثل في الامتيازات التي يحظون بها من طرف الدولة الجزائرية خاصة من ناحية الأجور التي يتقاضونها، فحسب معلومات أكيدة فإن الإمام يتقاضى ثلاثمائة ألف دينار شهريا أي 30 مليون سنتيم وهو ما يجعله محل أطماع ومساومات وإبتزازات. وطالب بعض الأئمة الجزائريين بإصلاح إدارة مسجد باريس وإعادة الاعتبار للجالية الجزائرية وتمكينها من الفوز في مجلس الديانة الإسلامية وإحداث تغييرات جذرية على مستوى هرم المسجد وتساءلوا كيف يمنح تسيير قطاع يحمل موظفوه شهادات الماجستير والدكتوراه إلى أشخاص مطرودين من المدارس؟ وزارة الشؤون الدينية تبرر ومسجد باريس لا يجيب عندما اتصلنا بوزارة الشؤون الدينية وطرحنا عليها قضية الائمة الجزائريين المنتدبين في فرنسا وما يواجهونه من ضغوط، صرح لنا مسؤول الإعلام عبد الله طمين أن الوزارة لا ترد على ما يدعيه طرف واحد أي "الأئمة " لأنهم يخفون بعض الحقائق، وأن الوزارة لم تتلق لحد الآن طعونا حول التجاوزات المذكورة على الرغم من أن قنوات الطعن معروفة لدى الأئمة والعقود التي وقعوها لاستلام مناصبهم في فرنسا مقننة بشكل يبعد "الحڤرة" عن الإمام المنتدب، مشيرا إلى وجود اتفاقية تنسيق وتعاون بين جمعية الأحباس الإسلامية بباريس ولجنة الأوقاف الجزائرية تشكل الإطار القانوني المرجعي المتعلق بالأئمة الجزائريين المعينين لتأطير النشاط الديني للجالية الجزائرية في فرنسا، الاتفاقية تضمنها المرسوم الذي وقعه رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى وهو الإطار المرجعي الرسمي الذي يحدد شروط انتداب الأئمة وطريقة إنهاء مهامهم، وقال مسؤول الإعلام أن لجنة انتقاء المستخدمين تحدد الواجبات التي يخضع لها الإمام المنتدب كحظر النشاطات النقابية والسياسية والتزام واجبات الآداب والتحفظ وأي إخلال بهذه التعليمات يتم بموجبه إنهاء فترة الانتداب. وتكلف وزارة الشؤون الدينية لجنة لاختيار المنتدبين تتشكل بموجب قرار من وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوضعهم تحت تصرف لجنة الأحباس الإسلامية بباريس وهم ملزمون بتعليمات مسجد باريس وأي إشعار بإخلال الشروط يتم بناء عليه إبلاغ وزارة الشؤون الدينية التي تتخذ عقوبات ضد الأئمة، وقال طمين أنه بحكم تجربته في القطاع يعرف أن هناك من الأئمة الجزائريين "يتدللون" كثيرا، مشيرا للامتيازات التي يحظون بها؛ فزيادة على الأجر يستفيد الأئمة من تعويض شهري للمنصب يساوي 11 مرة الأجر القاعدي للرتبة ويستفيدون من تعويض للسكن يعادل 3 مرات الأجر القاعدي إذا كان متزوجا ومرتين للرتبة الأصلية إذا كان أعزبا . وتقوم السفارة بباريس بتسديد التعويضات المحددة إضافة إلى الاستفادة من تعويض أولي عن مصاريف النقل كل سنتين، وتنفق الجزائر على أئمتها في فرنسا أموالا طائلة من أجل أن يعكسوا أجمل صورة عن الجزائر وعن الجالية الجزائرية والتمثيل الإسلامي في فرنسا مما يجعل منصب الإمام المنتدب منصبا راقيا رفيعا يثير شهية الكثير؛ فالإمام الجزائري في فرنسا وبعد انتهاء فترة إنتدابه يستفيد من إمتيازات إضافية فيتم التكفل بنقل أغراضه والتعويض بقيمة 243 ألف دينار كحد اقصى لنقل السيارة الشخصية وغيرها من الامتيازات. وفي حديثه مع "الشروق اليومي" استبعد مسؤول الإعلام بوزارة الشؤون الدينية أن يتعرض الأئمة المنتدبون مقابل ما تمنحه لهم الدولة إلى ضغوط ما دامت هناك اتفاقية تحدد حقوقهم وواجباتهم، غير أن قضية نقل الأئمة من مسجد لآخر مسألة تحدد وفق ما يقرره مسجد باريس وجمعية الأحباس وما تطلبه الجالية الجزائرية. ففي بعض الأحياء التي يكثر فيها الجزائريون تطالب الجالية بتوفير إمام لهم فتلجأ الوزارة إلى "استعارة" إمام من مسجد ما ليساعد إماما آخر في مسجد يشهد إقبالا كبيرا، وقال أنه بالنسبة للنزاعات الأخرى فبالإمكان معالجتها في إطار الاتفاقية المذكورة سابقا. وتعتبر وزارة الشؤون الدينية تراجع تمثيل الجالية الجزائرية في مجلس الديانة الإسلامية ليس إخفاقا كما يصفه بعض الأئمة ما دام رئيس المجلس جزائريا، وتبقى مسألة الاحتجاجات والنزاعات في مسجد باريس مسألة غير واضحة بالنسبة للوزارة بحجة عدم توفر المعطيات الكافية لتحليل القضية، ومادامت المعلومات "شحيحة" على حد قول مسؤول الإعلام اكتفت الوزارة برضى السلطات الفرنسية التي لم تسجل حسب رأيه أي تحفظ على الإمامة الجزائرية في فرنسا. أما في ما يخص إدارة مسجد باريس، فقد راسلنا عميد المسجد السيد دليل بوبكر وشرحنا له القضية وطلبنا منه تفاصيل وإجابة على الاتهامات الموجهة إلى إدارته من طرف بعض الأئمة الجزائريين لكننا لم نتلق ردا على المراسلة لغاية اليوم رغم مرور قرابة الشهر عليها، وهو ما يطرح استفهامات عن حقيقة ما يجري في هذا "الصرح" الذي كان إلى وقت قريب يعد مكسبا جزائريا وعنوان نفوذ قويا للجزائر في التأثير على صناعة القرار في باريس.