من »الأستاذ«.. إلى »مع هيكل«.. و»تجربة حياة« ووصولا إلى تقييمه للعدوان الإسرائيلي على لبنان، صال وجال العملاق محمد حسنين هيكل إلى درجة أنه ذكر في آخر خرجته على الجزيرة كل دول المغرب العربي وتفادى (مرة أخرى) ذكر الجزائر، حتى يخال للمتتبع لبرامجه أن في الأمر مشكلة لا يعلمها إلا حسنين هيكل الذي ازداد (عملقة) منذ أن اختار الجزيرة ليقدم لمشاهديها ومشاهديه تجربة أحد أكبر وآخر المثقفين العرب، فليس من السهل أن تنجب الأمة العربية مؤرخا وصحافيا وأديبا وسياسيا في حجم الأستاذ محمد حسنين هيكل.. عبد الناصر يكفي أن نقول أنه عندما كان صحافيا أجرى حوارا مطولا ومثيرا مع داهية الفيزياء ألبرت أنشتاين. ويكفي أن نقول أنه كان مراسل معارك في الحرب الكونية الثانية ويكفي أن نقول أنه أحسن من أرخ للحروب العربية الإسرائيلية وأحسن من قام بتحليل تداعيات الحرب الأخيرة في لبنان، ويكفي أن قول أنه عالم مستقبليات سياسية من الطراز الأول حيث في مقال كتبه في صحيفة يابانية في منتصف الثمانينيات كان قد تكهن بمآسي الجزائر وتحدث عنها بتفصيل (تنجيمي) إعجازي.. وكانت الشروق اليومي في أواخر 2002 قد تنقلت إلى مكتب الأستاذ هيكل المتواجد بشارع الدقي قرب فندق شيراتون القاهرة وحاولت إجراء حوار مطول عن تجربة حياته (الجزائرية) ، ولكن الأستاذ بعد أن وعد تهرب بلطف وأيضا بمكر، وانسحب بالرغم من محاولاتنا المتعددة، وقد لا حظنا حينها التدهور الواضح للعلاقة التي تجمع محمد حسنين هيكل بصحيفة الأهرام المصرية وبنقابة الصحافيين في عهد مدير الأهرام السابق إبراهيم نافع، فإذا كان لتوفيق الحكيم حتى بعد رحيله مكتب في مقر الأهرام الجديد وكذلك لنجيب محفوظ وطه حسين ولمشاهير أقلام الأهرام السابقين والحاليين وأبرزهم أنيس منصور، فإن حسنين هيكل يعيش مع الأهرام طلاقا بينا (لا مكتب ولاهم يحزنون)، ولم يكلف أي عامل نفسه لا في الأهرام ولا في نقابة الصحافيين للإجابة عن سؤالنا »أين يمكن ملاقاة هيكل؟« وعندما عرفنا مكتبه وبيته بالدقي، بدأت رحلة التهرب من ملاقاتنا والتي تميزت بتردده وأحيانا اشتراطه أن تكون المقابلة وجيزة جدا أو من دون أسئلة عن الجزائر!! وحتى عندما قبلنا بكل شروطه، عاد وانسحب في صمت وأوهمنا بأنه مسافر خارج القاهرة وكان حينها في مسكنه! وقد وجد سكريتيراه الخصوصيان (عبد المنعم ومدام جيهان) نفسيهما في ورطة وهما يختلقان الأعذار المتناقضة. في جعبة هيكل أشياء كثيرة يمكن أن يقولها عن الجزائر، أهمها علاقته الخاصة جدا بالراحل هواري بومدين، وكتابه عنه الذي لم ير النور لأسباب لا يدريها إلا هيكل الذي اختار الجزيرة ليبوح بكل أسراره إلا الجزائرية منها.. هيكل لم يزر الجزائر منذ ربع قرن وهو الذي يعيش ثلثي عمره في الطائرات يرسم خرائط كل المعمورة إلا الخارطة الجزائرية.