عندما تغمر المياه شقتك بسبب تسرب في الأنابيب، فليس بالسفنجة المستمرة للماء المتسرب يمكنك أن توقف التسرب. يجب بالأحرى معرفة مكان التسرب وإصلاحه وبالتالي يبقى هنالك ماء لسفنجته (تنشيفه)، في كل الأحوال، الماء الذي كان يأتي من التسرب لن يقلقكم بعد ذلك. بقلم :عبد المجيد بوزيدي هذه الصورة تعكس تماما إشكالية البطالة المتفشية في بلادنا وتوضح إخفاقات مختلف المحاولات المنتهجة إلى يومنا هذا لتقليص البطالة، ثم القضاء عليها. وللتوضيح أكثر، نعلم أن الشريحة الأكثر تضررا من البطالة في بلادنا هي شريحة الشباب، أكثر من نصف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16و29 سنة يعيشون في بطالة، بمعنى شاب من بين اثنين. البطالة تمس 45٪ من الشباب بين 16و24 سنة، و 56٪ من الشباب بين 16و19 سنة، في حين أن الشباب بين 16و 24 سنة كان يجب أن يكون مكانهم في المدرسة بمعنى في الثانوية أو الجامعة. في بلادنا هؤلاء الشباب يتواجدون في سوق العمل كطالبي عمل ويضخمون بشكل معتبر أرقام البطالة. واحد من أهم مصادر البطالة في الجزائر(مصدر تسرب الماء في المثال الذي ذكرناه في بداية هذا المقال) هو إذن المدرسة (الثانوية والجامعة). التسرب المدرسي معتبر:500000 مفصول من النظام المدرسي كل عام. في سنة 2001 قرابة 2 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 6 و18 سنة لم يدرجوا في النظام المدرسي، وإذا صدقنا الأرقام المقدمة من المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في دورة جويلية 2005 أخطر من هذا:75٪ من الشباب يبلغون من العمر 18 سنة يوجدون خارج المنظومة المدرسية. المردود الداخلي (نسبة النجاح) لمنظومتنا التربوية بكل بساطة كارثية وهي لا تتوقف عن التراجع. نسبة النجاح في الباكالوريا كانت 43٪ سنة 1963 و59٪ سنة 1963 وبلغت خلال السنوات الأخيرة وبصعوبة كبيرة 30٪ (باستثناء دورة 2005 2006). وهكذا كل سنة تحرر المدرسة صفوفا من الشباب بسبب الفشل المدرسي يزيدون سوق العمل زحمة ويرهقون الاقتصاد بطالبين جدد للعمل بدون مؤهلات. ونحن نعلم أن اقتصادنا غير قادر على استيعابهم بسبب غياب نمو قوي. على المستوى النوعي، معلوم أن التكوين المتوفر لهؤلاء الشباب بواسطة منظومتنا التربوية والجامعية غير مؤهلة، بمعنى أنها لا تساهم في إعطاء شبابنا المتمدرس مؤهلات تساعدهم في حياتهم المهنية. من جهتها المؤسسات التي تريد التوظيف، تشكو من عدم وجود يد عاملة محترفة تبحث عنها في سوق العمل. منظومتنا تمنح شهادات وليس مؤهلات. يقال أن منظومتنا التربوية تعمل وفق منطق عرض وليس منطق طلب من سوق العمل: المدرسة تكوّن، وتمنح شهادات وتعرض يد عاملة، لكن بدون أخذ ما تطلبه سوق العمل بعين الاعتبار أو حاجة الاقتصاد الوطني في مختلف الاختصاصات. نصل إلى المفارقة التالية: سوق عمل تعج بالأشخاص الذين يبحثون عن وظيفة وفي نفس الوقت شركات تبحث عن عمال!! المدرسة ليس لها علاقة بالاقتصاد، هي آلة تدور لنفسها، من جهته قطاع التكوين المهني غير مجد إطلاقا من وجهة نظر سوق العمل. على سبيل المثال، قطاع البناء والسكن والأشغال العمومية، من القطاعات المستخدمة جدا لليد العاملة ومولد للعمل وهو يواجه عجزا كبيرا في اليد العاملة المؤهلة. رئيس منتدى رؤساء المؤسسات قدر مؤخرا العجز الذي يعرفه القطاع ب500 ألف بناء، ونلاحظ القدوم المتزايد لعمال البناء الصينيين للعمل في مختلف الورش في البلاد. وفي الوقت نفسه يلاحظ أن في قطاع التكوين المهني، توجد نسبة تسرب عالية: سنة 2003 حولي 15٪ من تلاميذ مؤسسات التكوين تخلوا عن دراستهم، هذا القطاع يعرف من جهة ثانية نسب الفشل نفسها (13٪)، وهذه الظاهرة تمس أيضا التكوين في مجال البناء والأشغال العمومية، رغم أن طلب المؤسسات لليد العاملة في هذين المجالين مرتفعة جدا. وهكذا، منظومة التكوين بلادنا تنتج بطالين، من جهة برفضهم في سوق العمل، كل سنة عدد معتبر من الشباب من 16 إلى 18 سنة يطردون من المدارس ومن إنتاج الشهادات غير مؤهلة لا يستجيب تكوينها إلى طلب المؤسسات وبالتالي لا يجدون عملا. من الواضح أنه لا يمكن للاقتصاد أن "يصحح" السير السيء للمنظومة التربوية، جزء مهم من البطالة المتفشية في بلادنا تجد حلها في مردودية داخلية أحسن للمدرسة وفي توافق أكبر بين التكوين والشغل، مع أنه منذ 1999 أعلن عن إصلاح المدرسة كأولوية رئيسية، فأين نحن اليوم؟ *ترجمة : عبد الوهاب بوكروح