لا يمر يوم إلا ونسمع مزيدا من الأخبار عن الجرائم المروعة التي تحدث في مخلتف ولايات الوطن، دون أن يدفعنا ذلك إلى حصر الظاهرة والبحث في أسبابها وكيفية التخفيف منها، بل إن الجريمة نفسها لم يعد لها ذلك الوقع العنيف في المجتمع، حوادث قتل لأسباب تافهة ومجازر تحدث هنا وهناك، والجريمة دائما أكبر بكثير من السبب، والتفاعل معها أقل بكثير منها، دون أن يدفعنا ذلك إلى طرح تساؤلات حول السبب في هذا الانهيار القيمي الذي لم يسبق له مثيل في الجزائر، والذي حول جرائم القتل اليومية إلى حوادث طبيعية يتقبلها المجتمع ويعالجها القانون بكل برتابة وروتينية! رشيد ولد بوسيافة خلافات بسيطة تتحول إلى مذابح، ومحاولات للسرقة تنتهي بالقتل والتنكيل ولقاءات عاطفية تتحول إلى جرائم اغتصاب وقتل، وتوعدات بالتصفية على مرآى من الناس، وأسلحة بيضاء في متناول الجميع حتى الأطفال القصر الذين بلغ تعدادهم في السجون 900 قاصر، وكأننا في بلد غير البلد ومجتمع غير المجتمع الجزائري الذي حولته الأزمة الأمنية إلى مجتمع مريض بالصدمات التي ظلت دون علاج وتكفل نفسي إلى الآن. مليون مصدوم في الجزائر كان إما شاهدا أو معنيا وضحية للمجازر والاعتداءات التي حدثت طيلة العشرية السوداء، عاشوا بصدماتهم التي لم تمح بالتكفل والمتابعة النفسية، حيث تشير التقارير إلى أن 5 بالمائة فقط من الأطفال الذين خضعوا للعلاج النفسي لم يستفيدوا من أية متابعة وتكفل نفسي متواصل، مما أهلهم ليكونوا مشاريع جرم وميل إلى العنف والاعتداء، هؤلاء كانوا أطفالا عند بداية الأزمة وقد تحولوا الآن إلى شباب يافع، لكنه مغلف بعدد كبير من العقد والصدمات جعلته يرى في العنف الطريقة المثلى في التعامل مع الغير. الجريمة في الجزائر تطبعت أو في طريقها إلى التطبيع، وهي وضعية تتطلب فتح نقاش على صعيد واسع لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة التي تتفاقم يوما بعد الآخر، والتي تساهم في انتشارها العديد من العوامل أبرزها ضعف عامل الردع والتساهل مع حوادث الاعتداءات والسرقة التي تبدأ بجنح بسيطة وتنتهي بجنايات وجرائم ومذابح.