بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه عرفت بلادنا في السنوات الأخيرة نشاطا ملحوظا للمنتسبين والمتعاطفين مع التصوّف، وهذا راجع إلى ثلاثة عوامل رئيسعرفت بلادنا في السنوات الأخيرة نشاطا ملحوظا للمنتسبين والمتعاطفين مع التصوّف، وهذا راجع إلى ثلاثة عوامل رئيسية لا يمكن إسقاطها من كل تحليل منصف هي:رئيسية * ية لا يمكن إسقاطها من كل تحليل منصف هي:1- انفتاح ولاة الأمور في بلادنا على الزوايا والطرق الصوفية لاعتبارات منها القناعات الخاصة ومنها نظرة الساسة إلى النهج الصوفي في بناء التوازنات التي تحفظ للمجتمع وحدته وتماسكه. 2- اجتماع كلمة كثير من العقلاء والباحثين والدعاة على أن الدعوة إلى الإسلام قد لحقتها إساءات كثيرة بسبب الغلو والتعصب الملاحظين عند كثير من الجماعات التي تدعو إلى الله على غير بصيرة بقوافل من الأميين يقضون أسبوعهم في المتاجرة بكل شيء ليعتلوا المنابر وكراسي التدريس مرددين ما جاءت به أقراص وكتيبات أتقنت صنعها مخابر الأذكياء خارج الديار! ولهذا كان لزاما إبراز الدعوة إلى الحياة الروحية كمثال للاعتدال الذي مثله سلف الأمة وخلفها عبر قرون متطاولة. 3- وجود توجه دولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 للتعايش مع الإسلام في نهجه الصوفي باعتباره رمزا لمعاني السلام والحوار ونبذ العنف والتعصب. وهذا العامل الثالث يصلح أن يكون موضوعا لتحليل ضاف لكثرة ما يكتنزه من تجاذبات فيها البريء وفيها غير البريء! وأحب أن أضيف عاملا رابعا هو القبول الذي لقيته الزوايا والطرق الصوفية عبر مسارها الطويل، لأنها كانت دائما قائمة على تعليم القرآن الكريم ومتون الفقه حافظة للمرجعية الدينية بأبعادها العقدية والفقهية والإحسانية، كما كانت في الغالب الأعم رباطات للدفاع عن بيضة الوطن والدين، فخرج من رحمها مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة سيدي الأمير عبد القادر الحسني الجزائري ولالّة فاطمة نسومر وغيرهما كثير. هذا عن عوامل النشاط الروحي، أما عن الآليات فمنها المواقع على شبكة الاتصال »انترنت« ومنها طباعة الكتب الخاصة بالطريقة وأعلامها وتحقيق مخطوطاتها، ومنها إحياء الموالد والمواسم تحت مجهر الإعلام ومنها تنظيم الملتقيات، وهو الآلية موضوع هذا المقال. إن ظاهرة الملتقيات الصوفية، وطنية كانت أم دولية، صارت أمرا لافتا للانتباه في السنوات الأخيرة لكثرتها ولتعدد الجهات المنظمة لها. ويمكن حصر هذه الأخيرة في أربع هي:
1- مؤسسات الدولة الجزائرية كوزارتي الشؤون الدينية والثقافة. 2- الطرق الصوفية أو بعض تنظيماتها كالجمعية الوطنية للزوايا، والاتحاد الوطني للزوايا، والتنسيقية الوطنية للزوايا والطرق الصوفية. 3- بعض المؤسسات البحثية كالمركز الوطني للدراسات الأنتروبولوجية. 4- بعض الجمعيات كالتنسيقية الوطنية للجمعيات المساندة لبرنامج رئيس الجمهورية. أما الأحزاب السياسية فهي وإن لم تسهر على النشاطات المباشرة للطرق والزوايا في ملتقياتها، فإن الكثير منها لا يخفي ولاءه أو تعاطفه من خلال الحضور اللافت لقياداتها، وتعبيرا عن التمسك بإسلام وسط من خلال نهج التصوف. ولا يخفى عن ذي الحِجا معرفة رجل السياسة بحجم الوعاء الانتخابي الذي تمثله الطرق الصوفية ودورها في توجيه المريدين والأتباع إلى اختيارات معينة حين يتعلق الأمر بالاستحقاقات الكبرى التي توجه مصير وطن بأكمله. لقد انطلقت سلسلة الملتقيات الصوفية الكبرى في العشرية الأخيرة بالملتقى الدولي للطرق الصوفية بأدرار سنة 2000 وبإشراف وزارة الثقافة، وأبرز من حضره رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية بمصر الشيخ الشناوي، وهو اليوم في ذمة الله، وشيخ الرفاعية بالعراق والكويت الشيخ يوسف هاشم الرفاعي الوزير الكويتي الأسبق، ووجوه معتبرة من الزوايا الجزائرية، وأهم توصية لهذا الملتقى هي إنشاء المركز العالمي للطرق الصوفية بالجزائر، ثم كان الملتقى العالمي للإخوان التجانيين أيام 23 / 24 / 25 نوفمبر 2006 بعين ماضي بالجزائر، وكان له صداه الداخلي والخارجي، وضمنت تفاصيله الجزء الخامس من كتابي »موسوعة الطرق الصوفية«. وتعتبر الشخصيات التجانية الحاضرة هي أهم موجّه لأتباع هذه الطريقة عبر العالم. وقد سبق هذا الملتقى بأربعة أشهر كاملة الملتقى الأول للدروس المحمدية بالمركز العالمي للطريقة البلقايدية بسيدي معروف بوهران مستغرقا نصف شهر كامل من رمضان المعظم، وقد سجل نجاحا مدويا، وكان محوره »الحضارة الإسلامية« ثم تتابعت محاوره كالتالي: 2 القرآن الكريم (2007) 3 السنة النبوية (2008) 4 الخلفاء الراشدون (2009) 5 العلم (2010) 6 العلم والتزكية في الحضارة الإسلامية (2011) وأعمال هذه الملتقيات باستثناء الأخير مطبوعة، وأهم رواد هذا الملتقى من الضيوف شيخ الأزهر الأسبق الدكتور أحمد عمر هاشم، ومفتي عكّار بلبنان الدكتور أسامة الرفاعي، والداعية الشاب الحبيب الجفري، وشيخه أحمد عمر الحبيب، والبحاثة المغربي الدكتور حمزة الكتاني، والمحدث السوري محمود يعقوبي، والدكتور أسامة محمود السيد خطيب المسجد الحسيني بالقاهرة إلخ... وفي أكتوبر 2010 استقبلت مدينة أم البواقي الملتقى الوطني للطرق الصوفية والزوايا طيلة يومين كاملين وحمل شعار »الحياة الروحية من الأمير عبد القادر إلى سي عبد القادر« وحقق نجاحا كبيرا وخرج بتوصيات أهمها تأسيس المركز المغاربي للطرق الصوفية ومقره الجزائر والسعي لتأسيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية. وكان من المفترض تنظيم ملتقى »المغيلي« بداية هذا الشهر، ولكن أجل لبضعة شهور قادمة، وسيكون ملتقى »سيدي عبد القادر بن محمد« يومي 18 و19 سبتمبر الجاري بالبيض حدثا كبيرا، نظرا للقيمة الروحية للشخصية موضوع الملتقى وتأسيسه طريقة صوفية لها ثقل معتبر داخل وخارج الديار. وستجري أشغال هذا الملتقى تحت إشراف مباشر لوزارة الشؤون الدينية، وبين هذه الملتقيات العشرات من الملتقيات الأخرى لا يتسع المجال لذكرها، وأود أن أختم بملاحظات مهمة هي: 1 إن أكثر توصيات هذه الملتقيات بقي حبرا على ورق لأسباب مختلفة. 2 إن أكبر تظاهرة روحية تنظمها طريقة صوفية بمفردها هي الدروس المحمدية. 3 إن كل هذه الملتقيات حظيت بالرعاية السامية للسيد رئيس الجمهورية. 4 إن هذه الملتقيات لم تخل من تسلل وجوه عرفت بعدائها للتصوف ورجاله، وقد اعتلى بعض هذه الوجوه منصات الجلسات، ولله في خلقه شؤون. إن رسالة الملتقيات فضلا عن نشر العلم والتربية الصالحة يجب أن تتوجه أكثر إلى التذكير بالوحدة الوطنية في محيط لم يعد خافيا على أحدٍ الجهات التي تصنع صباحه ومساءه، ورحم الله من قال: »في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا«.