فجّرت الصيغة النهائية للحزمة الأولى من القوانين المشرعة للإصلاحات السياسية، التي طرحها الرئيس بوتفليقة الربيع المنصرم، استياء كبيرا لدى الطبقة السياسية، بسبب ما اعتبرته "إفراغا" لجدية الإصلاحات من مصداقيتها. * واتفقت جل الأحزاب السياسية على أن الصيغة التي مرّ بها كل من قانون الانتخابات وقانون ترقية المشاركة السياسية للمرأة، كانت مشوهة ولم تساير الوعود التي أطلقها رئيس الجمهورية في خطابه للأمة بتاريخ 15 أفريل المنصرم، ما دفعها إلى الاستنجاد بالقاضي الأول لحماية إصلاحاته من التمييع والتعويم. وتحمّل الطبقة السياسية أحزاب التحالف الرئاسي، مسؤولية وأد حلم الجزائريين في الذهاب لإصلاحات جادة، تضاهي تلك التي يعيش على وقعها جيراننا، وهو ما دفع حركة مجتمع السلم، باعتبارها أحد الأحزاب الثلاثة المتهمة، إلى التبرؤ مما حدث للحزمة الأولى من قوانين الإصلاحات من تمييع. يقول محمد جمعة، الناطق الرسمي باسم الحركة: "نحن في حركة مجتمع السلم نعتقد أننا أدينا ما علينا، فقد نبهنا إلى خطورة إفراغ الإصلاحات من محتواها، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من زهد الجزائريين في الذهاب لصناديق الاقتراع، ولكن منطق الأغلبية كرّس الأمر الواقع"، وأضاف جمعة في اتصال مع الشروق: "نأمل أن تكون رسالتنا قد وصلت، كما نأمل أن يتم تدارك ما فات فيما هو آت من مشاريع، وخاصة في مشروع تعديل الدستور". موقف الجبهة الوطنية الجزائرية، كان أكثر تشاؤما بشأن مصير الإصلاحات، ولم تتردد في مطالبة الرئيس بسحبها نهائيا، حفاظا على مصداقيتها، انطلاقا من أن البرلمان الحالي لا يتوفر على الشرعية والمصداقية، اللتان تخولانه التشريع لمرحلة قادمة قوامها استرجاع الثقة المفقودة بين السلطة والشعب. وقال رئيس الجبهة، موسى تواتي: "نرفض الإصلاحات شكلا ومضمونا، لأننا على يقين بأن البرلمان الحالي فاقد للشرعية، وعلى الرئيس التدخل لسحب إصلاحاته وحمايتها من إرادة التمييع التي يراد لها أن تتكرّس رغم أنف الشعب، عبر مجلس يعلم الجميع كيف تم انتخابه"، وذكّر الرجل الأول في الجبهة الوطنية، الرئيس بوتفليقة بعبارته الشهيرة: "ارفع راسك يا بّا" ليطالبه بالسهر على تجسيد طموحات الجزائريين ورغبتهم في الذهاب لإصلاحات جادة. من جهتها، أكدت حركة النهضة أنها لا ترى بديلا عن سحب الإصلاحات السياسية من قبضة أحزاب التحالف الرئاسي، وطالبت بضرورة حل هذا التكتل السياسي الذي أفسد الممارسة السياسية، قبل التفكير في التشريع للإصلاحات. وقال النائب عن الحركة، محمد حديبي: "نطالب بتجميد الإصلاحات واستبدال الحكومة الحالية بحكومة كفاءات، توكل لها مهمة تحضير الأجواء لانتخابات شفافة، تفرز برلمانا شرعيا يكون قادرا على التشريع للمرحلة القادمة". ورفض حديبي المطالب التي تتحدث عن "قراءة ثانية" لقوانين الإصلاحات، لأنها "ستقود حتما إلى نفس النتيجة، مادامت الحكومة والبرلمان الحاليان هما اللذان يشرفان على الإصلاحات"، مشيرا إلى أن "نية السلطة غير سليمة منذ البداية، بدليل إصرارها على وضع العملية الانتخابية تحت إشراف وزارة الداخلية، في وقت بات فيه الجزائريون ينظرون إلى الإدارة على أنها المتهم الأول في حالات التزوير التي طالت العمليات الانتخابية. ولم يعد الخوف على مصير الإصلاحات يقتصر على أحزاب المعارضة، بل امتد حتى إلى أطراف محسوبة على السلطة، وتجلى ذلك من خلال صرخة نائب رئيس مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي، زهرة ظريف بيطاط، التي حذرت من انتكاسة الإصلاحات في حال استمرار سكوت رئيس الجمهورية على ما اعتبرته "إفراغا" للقوانين المشرعة للإصلاحات من محتواها على مستوى المجلس الشعبي الوطني. لكن يبدو أن هذه الصرخات لم تجد طريقها إلى آذان قادة جبهة التحرير الوطني، التي تسيطر على الأغلبية في البرلمان، حيث رفض الناطق باسم الجبهة، قاسى عيسي، التعليق على الموضوع، في حين لم يتسن استطلاع موقف التجمع الوطني الديمقراطي، لكونه لم يرد على اتصال "الشروق".