يبدو أن "حكاية" النصب والاحتيال التي باتت مهنة مفضلة للرعايا الأفارقة قد أصبح لها شأن عظيم بعاصمة الهضاب العليا، سطيف، التي تهتز بين الفترة والأخرى على وقع حوادث يكون أبطالها »حراقة« من الدول الإفريقية المجاورة ويكون ضحاياها (عادة) بعض الطمّاعين في الربح السريع من المواطنين، حيث رغم انكشاف أمر »الحيل« التي تستعملها هذه العصابات عدة مرات، إلا أن بعض المواطنين مازالوا ينساقون وراء »الخدع« ويقعون في الشباك التي ينصبها الحراقة بكل سذاجة. آخر قضية عرفتها مدينة سطيف في هذا السياق تتعلق بأحد تجار المدينة المدعو (ش.ع) 56 سنة والذي كان ذاهبا للمسجد لأداء صلاة المغرب بحي »بومرشي« قبل أن يلاقيه شخصان من نيجيريا يدعى الأول (أ.ع.م) 26 سنة والثاني (أ.ش.ب) 33 سنة وكانت الحلقة الأولى في مسلسل الاحتيال بالتعارف وتقديم النيجيريين اللذين لا يملكان قوت يومهما نفسيهما على أنهما من أغنياء نيجيريا وأن لهما أموالا كبيرة في بريطانيا يريدان المساعدة لتحويلها إلى الجزائر وتحديدا إلى سطيف لاستثمارها وعرضا عليه أن يكون شريكا لهما، فاستساغ التاجر الفكرة التي أعجبته وتكررت اللقاءات بينهما عدة مرات كانا يعرضان له فيها وثائق تثبت صحة ما يقولانه ويدعيانه (زعمة) تتعلق ببعض الأوراق القنصلية من نيجيريا وجنوب افريقيا وأمريكا وكذا إثباتات من إحدى المؤسسات المالية البريطانية (طبعا كلها مزورة) تفيد امتلاك المتهمين لمبلغ 33 مليون أورو... ومادام الضحية صدق الأمر وآمن بما رأى وسمع فقد باشر الاثنان قصة النصب واستغلال الوضع لطلب الأموال تباعا بحجة تأمين بعض الإجراءات قبل إدخال الأموال، وكانت البداية بطلب مبلغ قليل فقط (03 ملايين سنتيم) حتى لا يتفطن الضحية للفخ المنصوب له ولما فعل كان الطلب الثاني الذي تضاعف هذه المرة (06 ملايين سنتيم) حينما اتصلوا به في البيت صباحا وأقنعوه بالظرف الاستعجالي للعملية، في الوقت الذي طلبوا منه أن يرافقهم للعاصمة لإحضار الحقيبة التي وصلت من لندن (بطريقتهم الخاصة كما زعما) وبها الملايين من الأورو، وتمهيدا للضربة القاضية عزماه على المبيت في فندق »الماركير« بالعاصمة... وكانت العودة إلى سطيف مع أول يوم من الشهر الجاري حيث تواعد الثلاثة في بيت الضحية بحي بومرشي لفتح الحقيبة ولما حان الموعد فتح الحقيبة وإذا بها تحتوي على كمية كبيرة من القصاصات السوداء وقارورة مكسرة لمادة كيميائية تشبه الزئبق ومجموعة من الوثائق مختومة بعبارة TOP SECRET تتضمن المراحل المتبعة لتحويل القصاصات السوداء إلى أوراق من فئة 100 أورو بعدما استعرضا له عملية مموهة في كيفية التحويل باستعمال تلك المادة قبل أن يبديا له التأسف لكون القارورة التي بها المادة اللازمة في عملية التحويل قد كسرت ويجب شراء قارورة أخرى تبلغ قيمتها 64 مليون سنتيم عن طريق بعض المعارف بالقنصلية الأمريكية... وهنا فقط تيقّن الضحية بأنه تعرض لعملية نصب ونهب منظم وأيقن بأنه فقد ال09 ملايين التي دفعها (بكل سذاجة) وكان سيدفع أكثر لو لم يتفطن لهذا الفخ كما جرى لأحد إطارات المديرية الجهوية لبريد الجزائربسطيف والذي تعرض منذ حوالي سنة إلى عملية مماثلة خسر فيها أكثر من 700 مليون سنتيم ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث دخل السجن بسبب تواطئه مع بعض الرعايا الأجانب في سيناريو شبيه لتزوير العملة. علما أن الضحية وقع في الفخ عن طريق الأنترنت لما تعرف على فتاة من كوت ديفوار أخذت أمواله وفرت ودخل هو السجن الذي مازال يقبع فيه إلى الآن. المهم أن التاجر تقدم بسرعة إلى مصالح الأمن بولاية سطيف وأبلغها بما جرى، حيث تدخلت مصالح الشرطة القضائية وألقت القبض على النيجيريين المتهمين وعثرت بحوزتهما على كمية كبيرة من الوثائق المزورة تشمل جوازات سفر والبطاقة القنصلية ووثائق بنكية وأوراقا مكتوبا عليها TOP SECRET وقد تم تقديمهما إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة سطيف بتهمة النصب والاحتيال والتزوير في وثائق إدارية وحيازة لوازم وأدوات معدة لتزوير النقود، حيث أمر هذا الأخير بإيداعهما الحبس المؤقت لغاية انتهاء التحقيق ومحاكمتهما. ولعلّ من المفيد هنا تذكير المواطنين الغلابى (حتى لا نقول الأغبياء) بأن يتقوا شر الأفارقة الذي يملكون كل تقنيات الإيقاع بالخصم وأن لا يصدقوا القصص التي يرويها لهم هؤلاء الأجانب وأن لا يطمعوا في الأموال التي يعدونهم بها لأنها لو كانت لما كان هؤلاء هنا، وبعد هذا من يقع في فخ كهذا أو مثله فلا يلومنّ إلا نفسه. نصرالدين معمري