لا يمكن لأي أحد تصديق تلك الحكاية التي تروى عن عرش "تلايلية" وعرش"بوحوية" ببلدية "سيدي فرج" الحدودية التابعة لولاية سوق أهراس، الذين يدفنون موتاهم داخل كهوف عميقة في الجبال، ورغم ما يعانيه الأهالي من مشاق التنقل بالنعوش المحملة على الأكتاف إلى أعلى قمم الجبال. حيث توجد مقابرهم وسط الكهوف وهي عبارة عن دواميس متوغلة في جبال صخرية مظلمة، صعب تصورها إلا أنهم لا يبدون أي ملل ولا قلق عندما يتسلقون تلك السفوح الشديدة الارتفاع، غير أن الظلام الدامس منعنا من التوغل، فاستعملنا إنارة الهاتف النقال لينكشف أمامنا العالم الجديد لسكان الجبل الذين بادرناهم بالسلام وقراءة الفاتحة. الكهف عبارة عن مغارة ممتدة طولا إلى عمق الجبل، مشكلة من غرف دائرية الشكل وعلى جوانبها تقع مغارات صغيرة محفورة تتسع لجثة إنسان ممدة، وهي التي تستعمل لوضع النعوش بداخلها، لكننا وجدنا جميع المغارات مغلقة بإحكام، فشرح لنا القائم بأن منافذها مغلقة بالحجارة وبمادة الجبس ويوجد بالكهف الواحد 12 مغارة كلها تحتوي على أموات، أما الميت الجديد فمكانه بحسب محدثنا هو داخل مغارة "الأقدم دفين"، حيث نقوم بفتح مغارة الميت فنزيح عظامه إلى جهة ونضع بجانب جثمانه جثمان الميت الجديد، ثم نغلق عليه وهكذا دواليك وكثيرا ما تعلق قطعة قماش خضراء أو بيضاء على باب المغارة، يكتب عليها آيات قرآنية واسم المرحوم. وبمدخل أحد الكهفين المخصصين لدفن أموات عرش "تلايلية"، يلتصق بيت صغير يستعمل كزاوية لتلاوة القرآن على كل ميت، كما يستعمل لأداء صلاة الجماعة والجمعة وهو أيضا ملتقى الزوار الذين يقصدون هذه الكهوف، التي لا تخلو من أداء الشعائر التقليدية كوضع البخور والشموع. في سياق موازي تحضى الكهوف التي تقام عليها الوعدات مرتين في كل سنة بالصيانة والنظافة، كما تتولى العائلة القائمة عليها والزوار بطلي الأشجار المتواجدة بقربها بالجير الأبيض، كما يتعهدون الجدران الداخلية بنفس الطلاء. ويوحي المحيط الطبيعي حول كهوف المقابر بإحساس غريب، فالمكان على ما يبدو عليه من صنع الخالق المبدع، يوحي بعالم أسطوري كالجنة فوق الأرض وذلك حسب ما وصفه السكان، لما فيه من أشجار مثمرة ومتنوعة، ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها السكان إلا أنهم متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم الموروثة بحكم عدم مخالفتها للدين.