زُينت مختلف محلات بيع المجوهرات خلال السنوات الثلاث الماضية بحلي وأساور لا يختلف لمعان وبريق صفرتها عن صفرة الذهب الأصلي، وبتشابهها الذي يكاد يتطابق مع معدن الذهب استقطبت اهتمام المرأة الجزائرية التي تولي عناية كبيرة لمظهرها، مادامت تبحث دوما عن إرضاء أنوثتها، بعد أن عجزت ميزانيتها على تحمل أسعار المعدن النفيس الذي تسجل أسعاره بالسوق الجزائرية أرقاما قياسية، موازاة مع ما تعرفه بورصة الأسواق العالمية، ليصبح الذهب المزيف أو ما يسمى «البلاكيور»، الذي تزدهر تجارته خاصة في فصل الصيف الذي تكثر فيه الأفراح، منقذ العروس التي تاهت بين الغلاء الفاحش للذهب وتراجع القدرة الشرائية للأسرة الجزائرية. العوز حرمها من اقتناء الذهب فأجبرت على استعارته تجتهد المرأة منذ القديم في اقتناء المعدن النفيس الذي يزيدها على الجمال جمالا آخر، وتنافس حتى قريناتها في التزين بأجمله والترصع بأثقله وزنا، فبريقه يستهويها ويستفز أنوثتها، كيف لا وسحره الذي يبهر الأبصار ويسلب الألباب دليل على الثراء والغنى، فضلا على كونه نادرا ونفيسا لأنه لا يحوّل ولا يؤثر فيه الزمن، فالمرأة تدرك أنها مهما اشترت من كميات لن تخسر شيئا، لأنه كنز وأكيد ستجده في المحن والأزمات، وإن كان من النادر قبل اليوم أن نجد امرأة لا تملك حليا من الذهب من مختلف الأشكال والأوزان حتى أن الكثيرات لا ترضى إلا بما ثقل وزنه، فأحسن الزيجات مثلا في نظر المجتمع تلك التي تنال فيها المرأة من زوجها الذهب الكثير، لذلك ارتبط اسمه في كثير من الأحيان بالمناسبات السعيدة، فإن هذا المعدن النفيس وبعد الأسعار المرتفعة التي بات يسجلها استحال حتى على الميسورة الحال شراء ما اشتهت نفسها، لتضطر على مضض الاكتفاء بما خف وزنه وإن كان هذا حال الموسرة والمقتدرة، فكيف بالفقيرة التي وجدت نفسها تعاني الأمرين، خاصة إن كانت عروسا ستزف إلى عريسها، ففي عاداتنا وأعرافنا من غير المعقول ألا تقتني العروس حليا من ذهب وإلا ستكون أضحوكة تتداولها الألسن، بعدها زادت الظروف تعقيدا، ليتعذر على الكثيرات اقتناء كل المستلزمات، لتكتفي العروس بالضروريات فقط، وهذا هربا من كلام النسوة ونظرات الاحتقار، حتى أنها تضطر لممارسة سياسة التمويه أحيانا واستعارة ما تعذر عليها اقتناءه من أخواتها وقريباتها. «البلاكيور» الحل الأمثل لمواجهة الأزمة فالمعدن النفيس الذي أصبح بعيد المنال انصرفت عنه أنظار الكثيرات، واكتفين بالتمتع والتغزل بما يعرض على واجهات المحلات التجارية مذهولات وحالمات أن يتمكن يوما ما من الحصول على قطعة من الذهب الخالص، وإذا ما قمت بجولة إلى مختلف محلات بيع المجوهرات ستجد أن أغلبها دون زبائن، عدى القليل منها، التي راح يقصدها أشخاص مقبلون على الزواج، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم الزواج دون خاتم من ذهب، ولأن أنوثة المرأة تشع أكثر مع اللون الأصفر الذي يزيدها تألقا ولا يمكن أيضا غض الطرف عنه، فإن التجار اجتهدوا لإيجاد البديل بالشكل الذي يضمن إرضاء غرور المرأة من جهة وتحقيق أرباح خيالية ومكاسب كبيرة من جهة أخرى، ما دام الذهب أصبح من الأحلام وفعلا جاء البديل لتكون مادة "بلكيور" مربط الفرس والتي وإن قد اقتصر اقتناءها في البداية على البعض فقط، فإن أشكاله اليوم أصبحت تثير كل حواء، خاصة ذلك المستورد الذي يكون في الغالب على درجة كبيرة من الجودة، تقاوم صفرته الزمن حتى العروس لم تجد بديلا عنه وراحت هي الأخرى تفضل اقتناء جل حاجياتها من هذه المادة على اقتناء غرض واحد من الذهب وتعريض نفسها للقيل والقال. الفضة المطلية بالذهب.. متنفس للكثيرات تنفست المرأة الجزائرية مؤخرا الصعداء بعد أن أشبعت ما تعرضه المحلات من حلي، تكاد تجزم إن رايته للمرة أنه ذهب خالص، فلونه وحتى الطريقة التي صمم بها تؤكد أنه ذهب حقيقي خالص، خاصة أن بعض أصحاب المحلات أصبحوا يمنحون مع مبيعاتهم ورقة ضمان لمدة تزيد عن عام، بعد أن تعرضت الكثير من النسوة للنصب والاحتيال، ليقعن ضحية جهلن بهذه المادة التي أغرتهن صفرتها وشبهها الكبير بالذهب والأكثر أسعارها التي تستجيب للقدرة الشرائية للمرأة، محلات انتشرت كالفطر تعرض سلعا رائعة، حتى أنك لا تكاد تفرق أبدا بين محلات الذهب الحقيقي والذهب المزيف، صنعت لنفسها اسما عند الزبونات، لتصبح محج ومزار الكثيرات خاصة في فصل الصيف الذي يؤكد التجار أن تجارتهم تنتعش به كثيرا، لأنه خلال العام الأخير توجهت أكثرية العرائس إلى اقتناء هذه المعدن، خاصة إن كان صاحب المحل يمنح ورقة ضمان، في المقابل تبقى مادة الفضة من المعادن التي لا يعلا عليها، لاسيما أنها وصيفة الذهب، لذلك تحبذ بعض النساء ألا يدفعن أموالهن في مادة تحوّل مع الوقت وتفضلن اقتناء مستلزماتهن من الفضة ورشها " تشليلها" بالذهب، فحتى وإن حالت مادة الرش فإن الفضة لن تحوّل، لتجد المرأة اللاهثة وراء الجمال والأناقة ضالتها بعيدا عن الذهب الذي استنزف الجيب. أسعار حلي «البلاكيور» تلقى استحسان الكثيرات أمام الإقبال المتزايد على الذهب المزيف والتهافت الكبير على اقتنائه، قادنا الفضول لنتعرف أكثر عن هذه المادة التي دخلت لقلوب الجزائريات من أوسع الأبواب ونالت ثقتهن، رغم أن المرأة الجزائرية معروفة بحذرها الكبير وثقتها العالية التي لا تمنحها لأي كان، لكن ولظروف تتعلق بالسعر المكلف ومحدودية قدرتها الشرائية هجرت الذهب واكتفت بهذا الأصفر الذي زاحم الذهب في اهتماماتها، حتى وإن كان مزيفا، دردشنا مع بعض التجار فأكدوا لنا فيها أن سوقهم مربحة وزبائنهم كثر حتى من غير موسم الأعراس، وفعلا هذا ما لاحظناه مع التواجد الكبير للنسوة داخل هذه المحلات، من جهتهن الزبونات أكدن لنا أن أسعارها غير مكلفة إطلاقا، فمثلا الخواتم لا يزيد سعر غالبتها عن 1500دج، أما الأقراط فعلى حسب الحجم والنوعية وعموما فهي تتراوح بين 1500دينار و3 آلاف دينار، أما العقد فهو الآخر سعره يحدد بالنوعية ولا يتجاوز في الكثير من الأحيان 3000دج، أما السوار فسعره يتراوح بين 1500 و2500، في حين أن "الحزام" الذي يعتبر الأكثر طلبا خاصة وأن ثمن الأصلي منه يقدر بالملايين سعره لا يتجاوز 1.5 مليون. بين الجزائر والهند.. تمنراست عاصمة الذهب المزيف وعلى العموم فهناك تباين في الأسعار بين محل وآخر خاصة أنه على عكس الذهب لا يقدر بالغرام بل يقدر ثمن القطعة إجمالا، أما مصدر هذه المادة التي ظهرت بالسوق الجزائرية منذ قرابة 3 سنوات ولا يعرف الكثير من أين تأتي، فكما يؤكد لنا التجار أن بعضها محلي وبعضها الآخر مستورد، فوجهة غالبة التجار تكون نحو "الهند" التي تتربع على عرش الجودة، فمادتها مضمونة حتى أن السوار الهندي يعتبر من أجود القطع، كما يستورد بعض التجار بضاعتهم من بعض بلدان الخليج ك"الإمارات" وتركيا، وتعتبر الجزائر واحدة من البلدان التي تنافس في هذا المجال وتعاني حتى من مشكل التقليد، خاصة في بعض القطع كالحزام، فشكلها يطابق تماما شكل الذهب، لذلك تفضلها النسوة رغم أنها غير مضمونة ورغم غلاء ثمنها، وعموما كما يؤكد التجار فإن أكثر المناطق بالجزائر التي تشتهر أسواقها بهذه المادة وبالجملة هي "سطيف" و"تمنراست" هذه الأخيرة التي تعتبر عاصمة الذهب المزيف، وأن كانت الصناعة الجزائرية التي تعاني من التقليد تلقى رواجا خاصة في السوق الجزائرية بسبب شكلها المتقن، خاصة في الحزام والأساور، فإن الجزائريات يفضلن الخواتم المستوردة. الذهب المزيف...نعمة أم نقمة..؟ أرباح كبيرة يحققها تجار هذا المعدن الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم، ما دام الإقبال موجود والبيع مضمون، وإن كانت سلعتهم تسجل ذروة رواجها في مناسبات الأفراح والليالي الملاح التي عادة ما تتزامن وفصل الصيف، فإنها حتى في باقي الفصول تجد زبائنها، هو إذن معدن أبهج المرأة وأزاح عن كاهلها الكثير من الهموم، مادام اللون الأصفر حتى وإن كان مزيفا لا يفارق جسدها ويجنبها اللحظات المحرجة لاسيما خلال حضورها للأعراس والحفلات وما شابه، لتبقى العروس هي المستفيد الأكبر من كل هذا، فمهرها الذي لا يكاد يلبي نصف احتياجات تجهيزها، يجعلها عاجزة عن اقتناء قطع من الذهب الأصلي، فمهما كانت موسرة فإنها تبقى تعاني، لكنها مع هذا المزيف ستزف ورأسها مرفوع، ذلك أنه لا أحد يمكنه أن يميز طبيعة الحلي الذي ترتديه، ولا يهم الكثيرات إن حال مع الوقت ما دامت لا تحتاجه إلا في المناسبات، لكن رغم ذلك وحتى تتمكن من الاحتفاظ به طويلا، فهي تفضل اقتناء الأجود حتى وإن كان سعره مكلف نوعا ما، فبعض النسوة اللواتي اشترين هذه المادة عن طريق الثقة ورغم أن التجار أكدوا جودته، إلا أنهن سرعان ما تفاجأن بألوانها تبهت في ظرف زمني لا يتعدى الأسبوع الواحد بعد ارتدائها، فيما تمكنت المحظوظات من الحصول على سلعة ما زال بريقها يسحر الأبصار، رغم مضي فترة طويلة على شرائها وحتى ارتدائها كامل اليوم. تجار الذهب الخالص الخاسر رقم واحد وإن كان بعض النسوة قد وقعن ضحية لهذه المادة فإن تجار الذهب الأصلي يعتبرون أنفسهم أكبر المتضررين بعد انصراف الزبائن عنهم في ظل الانتشار الكبير لهذا النوع من المحلات والتي دفعت بالكثير من التجار إلى تركها، بعد أن امتدت الخسارة إلى رأس المال، فإقبال في الأصل على حلي "البلاكيور" يراه هؤلاء صحي وهو نتيجة منطقية بالنظر إلى ما يسجله سعر الذهب من التهاب فضيع، فالجزائرية التي تقتني هذه النوعية مجبورة لا مخيرة لأنها ليست مغفلة ولا يمكن بأي حال - لو كان في قدرتها - أن تستغني عن الذهب الأصلي لأنها تدرك أنه وبغض النظر عن الزينة فهو قبل كل شيء كنز تدخره لليوم الأسود . سوق مبتدع ومبتكر يبحث فيه بعض الانتهازيين عن الربح وعما يدر عليهم مداخيل تكفل لهم العيش في ترف، فالمرأة التي أرهقتها أسعار الذهب التي تتلاعب بها الأسواق العالمية وجدت نفسها مجبرة على التخلي عن معدنها النفيس واستبداله بآخر يساعدها على إشباع أنوثتها وإرضاء كبريائها، حتى لا تحرم من أسعد اللحظات في حياتها وحتى وإن كانت على يقين أن طريقه لا محالة القمامة مهما طال عمره، عكس الذهب الذي يظل مهما طال الزمن أكثر من وسيلة للتزين والتجمل، فالمرأة حتى وإن كانت تدرك أنه ليس كل ما يلمع ذهبا، فإنها تحاول أحيانا إقناع غيرها أن كل ما يلمع ذهبا في انتظار الفرج بأن تعود الأمور إلى نصابها، تلك هي إذن أمنية كل امرأة وتققها ليس غدا.