عادت المعارضة المسلحة في ليبيا إلى اتهام الجزائر بدعم النظام الليبي، وادعى متحدث باسم هذه المعارضة أنه تم أسر مرتزقة يتحدثون اللهجة الجزائرية في معارك دارت بأجدابيا، وتأتي هذه الاتهامات كرد على الموقف الجزائري الواضح الذي يقوم على رفض التدخل الأجنبي في ليبيا وعلى التحذير من إمكانية استفادة الإٍرهابيين من الصراع الدائر هناك. بات واضحا أن الاتهامات التي توجه إلى الجزائر على علاقة مباشرة بموقفها الثابت من القضية، فقد جاءت ادعاءات أحد المتحدثين باسم المجلس الوطني الانتقالي مباشرة بعد نشر تصريحات الوزير الأول أحمد أويحيى التي أكد فيها أن الجزائر لن تدعم المعارضين في ليبيا إلا إذا زكاهم الشعب الليبي وحملهم إلى السلطة، وقد مثلت هذه التصريحات خيبة للمعارضة التي تراهن على الحسابات الإقليمية والدولية وعلى مواقف الدول الكبرى أكثر مما تراهن على دعم الشعب الليبي نفسه. سبق للمجلس الوطني الانتقالي أن اتهم الجزائر بمساعدة القذافي من خلال نقل مرتزقة يقاتلون إلى جانبه إلى ليبيا، وقد نفت الجزائر هذه الاتهامات علنا وقالت وزارة الخارجية إننا نعرف جيدا الجهات التي تريد تشويه الموقف الجزائري مما يجري في ليبيا، ولم يتبن كل رموز المعارضة تلك الاتهامات التي جاءت أولا كرد فعل على رفض الجزائر القرار الذي اتخذته الجامعة العربية بدعوة مجلس الأمن إلى فرض حظر جوي على ليبيا، والغريب أن الجامعة العربية عادت وتبرأت من قرارها وقالت إنها تعارض الضربات الجوية التي قامت بها قوات التحالف الغربي ضد ليبيا وأنها كانت تبحث عن حماية المدنيين وليس عن تدخل عسكري في هذا البلد العربي. من دون كل الدول التي لم تبد حماسها للتدخل العسكري في ليبيا تمت مهاجمة الجزائر دون غيرها، وقد تم الانتقال إلى إطلاق تهم مباشرة بوجود مقاتلين جزائريين إلى جانب القذافي، وقد نددت الجزائر باستعمال جوازات سفر لعمال جزائريين في ليبيا من أجل تلفيق هذه التهم، وأكثر من هذا ذهبت المعارضة إلى حد القول إن الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم لم تكن معهم أوراق ثبوتية لكنهم كانوا يتكلمون اللهجة الجزائرية وأنهم كانوا يبيعون الحشيش، وذهب المتحدث باسم المعارضة المسلحة إلى حد وصف النظام الجزائري بالديكتاتوري، وهو موقف متشنج ينم عن جهل كبير بحقائق المحيط الإقليمي، ويكشف عن حالة غضب من موقف الجزائر التي كانت المعارضة تنتظر منها، على ما يبدو، التورط ضد القذافي وهو ما يسهل اختراق الجهة الغربية، ويعجل بانهيار نظام القذافي، وهنا يمكن أن نلاحظ أن المعارضة تبني حساباتها كلها على الدعم الخارجي في حين يتراجع الدعم الشعبي الداخلي في سلم الأولويات. المسألة لا ترتبط فقط بالرغبة في تلقي الدعم من قبل الجزائر بل لها علاقة باعتقاد المعارضة بأن موقف الجزائر أثر على مواقف الدول الكبرى، وهنا تطرح القضية الأساسية، فالاتهامات جاءت مباشرة بعد أن بدأت الدول الغربية مراجعة موقفها مما يجري في ليبيا، وبعد أن تحولت المخاوف من إمكانية استغلال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للوضع في ليبيا إلى محدد لسياسة هذه الدول تجاه ما يجري في ليبيا، فقد أبدت الدول الغربية المشاركة في التحالف، وكذلك الناتو، ترددا واضحا في الأيام الأخيرة في تكثيف الضربات ضد القوات الموالية للعقيد القذافي، وأكثر من هذا تم التخلي بصفة شبه كاملة عن خيار تسليح المعارضة الليبية، وقد أدى تراجع حماس الغرب في دعم المعارضة إلى تحقيق القوات الموالية للقذافي مزيدا من التقدم كان آخره الدخول إلى مدينة أجدابيا وهو ما اعتبر اقترابا مقلقا من بنغازي شرقا التي تعتبر معقل المعارضة، وليس صدفة أن يأتي اتهام الجزائر متزامنا مع انتقادات حادة وجهتها المعارضة للحلف الأطلسي بسبب تراخيه في الضغط على النظام الليبي، ويضاف إلى هذا الموقف السياسي الغربي الذي أصبح يقوم على تغليب خيار الحوار والانتقال السلمي للسلطة. تحول موقف الغرب لم يأت من فراغ، فقد أعلن الأمريكيون وحلف الناتو أن العمليات العسكرية ضد ليبيا لا تضع هدفا لها الإطاحة بالقذافي، وقد جاء هذا الإعلان ليؤكد ارتياب الغرب من الوضع القائم على الأرض، وقد تحدثت تقارير أمنية غربية عن وجود عناصر إرهابية تنشط عبر التراب الليبي وأن هناك أسلحة متطورة وقعت في أيدي تلك العناصر التي قامت بنقل أسلحة إلى معقلها شمال مالي، وقد وصل الأمر إلى حد تقديم كتابة الدولة الأمريكية طلب توضيحات من المعارضة الليبية بخصوص المعلومات التي تتحدث عن وجود عناصر من القاعدة تقاتل في صفوف المعارضة، ومن المؤكد أن موقف الجزائر الصريح الذي يحذر من التداعيات الأمنية على المنطقة بسبب الصراع القائم هناك هو الذي أثار حنق المعارضة التي بدأت تشعر بأن بلوغ هدفها المتمثل في إسقاط النظام الليبي قد لا يتحقق بالسرعة التي كانت متوقعة، بل إن تطور الأحداث يشير إلى أن خيار البحث عن تسوية بالتوافق من أجل انتقال السلطة أصبح يطرح بجدية أكبر. هذه الحقائق تؤكد اليوم أن المعارضة الليبية تهاجم الجزائر لأنها تريد أن تحسم المسألة قبل أن تطرح مزيدا من الأسئلة عن حقيقة ما يجري على الأرض وهو أمر لا يخدم معارضي القذافي ولا الجهات التي تقف وراءهم وتقدم لهم الدعم السياسي والإعلامي.