تمثل مراجعة قانون الأحزاب السياسية أحد أهم مستويات الإصلاح السياسي الذي أقره الرئيس بوتفليقة، وقد حدد وزير الداخلية دحو ولد قابلية نهاية السنة الحالية كآخر أجل لاعتماد قانون جديد للأحزاب على ضوء أحكامه يتم التعامل مع طلبات الاعتماد المودعة منذ سنوات . في خطابه إلى الأمة الذي ألقاه الجمعة الماضي اعتبر الرئيس بوتفليقة مراجعة قانون الأحزاب السياسية سيعزز مسعى الإصلاح "من خلال مراجعة دور الأحزاب ووظيفتها وتنظيمها لجعلها تشارك مشاركة أنجع في مسار التجدد"، وهو أمر كان قد عبر عنه بصيغ مختلفة منذ مجيئه إلى الحكم في سنة 1999، حيث اعتبر أن الساحة السياسية في الجزائر لم تكن تحتمل آنذاك مزيدا من الأحزاب لأن الفوضى التي آلت إليها التعددية السياسية في الجزائر كانت أحد مظاهر الأزمة العميقة التي ضربت البلاد. ويبدو أن هذه الفوضى قد تعود من جديد في حال عدم وضع ضوابط تحكم العمل السياسي، فقد كشف وزير الداخلية عن وجود 42 طلب اعتماد أحزاب سياسية على مستوى وزارة الداخلية، وأغلبية هذه الأحزاب غير معروفة إلا أن من ضمن هؤلاء محمد السعيد الذي أسس حركة الحرية والعدالة سنة 2008 قبيل الانتخابات الرئاسية، وقبله كان رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي قد أسس حزبا، كما بقي حزب عمارة بن يونس الاتحاد من أجل الجمهورية بدون اعتماد منذ سنة 2004، وقد ارتبط رفض منح الاعتماد لهذه الأحزاب باسم وزير الداخلية السابق نور الدين يزيد زرهوني الذي أصبح الآن نائبا للوزير الأول باعتبار أن فترة السنوات العشر السابقة لم تشهد اعتماد أي حزب جديد. والحقيقة أن الرئيس بوتفليقة لم يبد حماسه لاعتماد مزيد من الأحزاب في الجزائر، وقد اعتبر أن بروز عشرات الأحزاب في الجزائر مع اعتماد التعددية كان مؤشرا على الفوضى، وهو ما أعطى الانطباع بأن قرار عدم اعتماد الأحزاب قرار سياسي تم اتخاذه على أعلى مستوى، غير أن زرهوني برز بشكل لافت من خلال المعركة السياسية الشرسة التي خاضها مع مرشح الانتخابات الرئاسية سنة 1999 أحمد طالب الإبراهيمي عندما رفض منح الاعتماد لحركة الوفاء والعدل، وفي ربيع 2001 قال زرهوني صراحة إنه لن يكون الشخص الذي يوقع على عودة جبهة الإنقاذ المنحلة إلى الساحة السياسية وبذلك أغلق الباب نهائيا أمام احتمال اعتماد حركة الإبراهيمي التي اتهمت بأنها امتداد للإنقاذ باعتبار أن قواعدها مشكلة في الغالب من مناضلي الحزب المنحل، وقد اعترف زرهوني بأن قراره كان سياسيا وليس قانونيا، ودافع عن خياره بالقول إنه "طبق جوهر القانون" برفضه اعتماد الوفاء والعدل. وقبل أزيد من عام كان زرهوني قد عاد إلى قضية الأحزاب التي لم تحصل على الاعتماد وترك الانطباع بأن سبب عدم منح الاعتماد هو الملفات الناقصة التي أودعها قادة تلك الأحزاب لدى وزارة الداخلية، وقد اعتبرت تلك إشارة إلى عدم وجود قرار سياسي بعدم اعتماد مزيد من الأحزاب خاصة أن الدستور ينص على هذا الحق صراحة، ولم يفصح زرهوني عن اسم الحزب الذي أودع ملفا ناقصا، لكن محمد السعيد رد عليه بالقول إنه غير معني بهذه التصريحات وأن ملف حزبه كامل، غير أن عمارة بن يونس وسيد أحمد غزالي لم يردا على الوزير ، وعندما خلف ولد قابلية زرهوني في منصب وزير الداخلية قال إن الأمر لا علاقة له بالملفات الناقصة بل إن الأحزاب لن تعتمد إلا في إطار قانون جديد للأحزاب. القرارات التي جرى عنها الحديث من قبل، والتي تخص ربط استمرار الأحزاب بأعداد الأصوات المحصل عليها في الانتخابات، واشتراط بلوغ نسب معينة من التمثيل للاستفادة من مساعدات الدولة يبدو أنها ستكون حاضرة في القانون الجديد، فضلا عن الشروط القانونية الأخرى، وهو ما يعني أن قانون الأحزاب سيتوفر على آلية تحفظ للعمل السياسي مصداقيته، وتساعد على تنظيم الحياة الحزبية انطلاقا من حرية تأسيس الأحزاب مع مراعاة أخلقة النشاط السياسي. أحد مظاهر الفوضى كان اعتراف أحزاب كبرى ومن ضمنها جبهة التحرير الوطني بأن سطوة المال أصبحت تؤثر على الانتخابات، وقد كانت تلك الاعترافات التي جاءت على لسان الأمين العام للأفلان عبد العزيز بلخادم بعد المعارك السياسية الشرسة التي شهدتها انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة إشارة خطيرة على غياب ضوابط تحكم العمل السياسي، ولعل هذا ما يبرر رفض الداخلية منح الاعتماد لمزيد من الأحزاب السياسية منذ أزيد من عشرة أعوام، وسيكون التصدي لإصلاح هذا الوضع أحد أهم أهداف مراجعة قانون الأحزاب السياسية الذي قد يفتح الباب أمام منح الاعتماد لأحزاب جديدة لكنه سيزيح أحزابا معتمدة من الساحة السياسية لأنها لا تملك مقومات البقاء.