يشكل كتاب "الأنسنة والتأويل في فكر محمد أركون"، للباحث الجزائري كحيل مصطفى، مقاربة معرفية جديدة لتصورات المفكر الإشكالي الراحل محمد أركون، ومناهجه المراوحة بين الأبعاد اللسانية والأنثروبولجية، والاستشرافية لطروحات الاستشراق، تركز في مختلف فصولها على العلاقة بين الاستبداد والطغيان والانسدادات المعرفية، وإشكالية التقاطع بين السلطة والمعرفة، عبر تقصي مواقف العديد من الفلاسفة، وطبيعة علاقاتهم بأنظمة الحكم والجماهير، إضافة إلى تجليات المسكوت عنه في العديد من مظاهر الانسداد المعرفي. والمتتبع لدراسة يجدها تنطلق من موضوع "نقد العقل الإسلامي" عنوانا إشكاليا، يُحيل بالدرجة الأولى على مشروع المفكر الراحل الكبير محمد أركون، القائم على زعزعة المسكوت عنه في النذصوص التأسيسية، استنادا مناهج تفكيره المراوحة بين الأنثروبولوجيا، واللسانيات، والفيلولوجيا الاستشراقية، في سياق تفكيكي يبني القارئ وفقا لوعي جديد بالذهنية الإسلامية. واستنادا إلى ما سبق تتأسس الدراسة على مصطلحي الأنسنة والتأويل، كعنصرين يشقان الفكر النقدي عند المفكر الجزائري الراحل. الركن الأول له تمثّلاته التاريخية في الثقافة العربية الإسلامية، التي شهدت النزعة الإنسانية في القرن الرابع الهجري، حيث يجهد أركون في شرح أسباب ازدهارها أثناء العصر الكلاسيكي. وتراجعها أو انقراضها بعد ذلك. وتتخذ الأنسنة أشكال عند أركون، منها الدينية والأدبية والفلسفية والكونية. لكنّه ينتصر للأنسنة الكونية، فهي تتخطى الوحي، وتجعل من الإنسان مقياساً لكل شيء، مما وضع المؤلف المتتبع أمام أسئلة عميقة مفادها: أعلن أركون نهاية مسيرة الأديان كما تتجلى بوضوح عند نتشه وبداية مسيرة الإنسان؟ قبل أن يعرج على نفي تبني هذه الفكرة من طرف أركون، ليشدد المؤلف بعد ذلك على أن أركون كان يهدف إلى أنسنة النص، والعقل، والسياسي، والتاريخي ، متطرقا في خضم ذلك إلى عدد من العوائق التي تعرقل مسيرة الأنسنة عنده ويحدّدها أركون بمصطلحات الأرثوذوكسية، والسياج الدوغمائي، والتضامن بين الدولة والكتابة.