قال المحلل الاقتصادي «بشير مصيطفى» إن إجراء رفع سقف الديون الذي توصلت إليه الولاياتالمتحدةالأمريكية يمثل حلا مؤقتا ومجرد هروب إلى الأمام فقط، وأن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أمريكا أعمق من ذلك، بل هناك أزمة حقيقية في الأفق ستظهر وتكون أخطر من أزمة 2008. قلل «مصيطفى» من فعالية الحل المتعلق برفع سقف الديون، مشيرا إلى أن موافقة الكونغرس الأمريكي على ذلك إنما يطيل أمد الإفلاس فقط، حيث بدل أن يكون في 2011 أو 2012 سوف يؤجل إلى غاية 2014 أو 2015 ما يعني استمرار أمريكا في نفس الأزمة، وبالتالي ستتحمل الإدارة الأمريكية القادمة كل هذه الأعباء «فمن سيحكم هو الذي سيدفع الثمن»، يقول «مصيطفى». واعتبر الخبير الاقتصادي أن تقليص الولاياتالمتحدةالأمريكية من نفقات الخزينة أمر لا بد منه خصوصا وأن مصير هذه النفقات يسير نحو ثلاثة اتجاهات، إما خفض الضرائب على الناخبين الأمريكيين وهو أمر مستبعد جدا بالنظر إلى المنافسة القوية من الجمهوريين الذين لا يمكن أن يبقوا على الضرائب منخفضة على رؤوس الأموال باعتبار أن كل السياسيين في أمريكا لديهم مؤسسات، وإما أن تعمد الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى خفض الإنفاق على الرعاية الصحية وهو أمر مستبعد كذلك لأن الناخب الأمريكي لا يعطي صوته إلى الديمقراطيين في المرة القادمة إذا تم تخفيض الإنفاق على الرعاية الصحية، خاصة وأنها تعد من الأوراق الانتخابية المهمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، مضيفا أن هناك أمرا ثالثا يتعلق بالمساعدات والنفقات الخارجية، حيث ستخفض مساعداتها وتتجه فقط للدول التي لها مصالح مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، فمصر مثلا كانت تأخذ مساعدات ضخمة جدا من الولاياتالمتحدةالأمريكية في عهد حسني مبارك لأنه كان الحارس الأمين لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط وبذهاب مصالحها هناك بعد الثورة ستخفض مساعداتها لهذا البلد، كما ستقلص النفقات العسكرية ومن عدد جنودها الأمريكيين في الخارج، سواء في أفغانستان أو في باكستان أو غيرها، كما أن هناك احتمال كبير، يقول مصيطفى، أن تضطر الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى غلق بعض قواعدها العسكرية خاصة تلك التي لم تعد تشكل نفوذا لها من أجل تقليص نفقاتها العسكرية. ويقول المحلل الاقتصادي، إن الولاياتالمتحدة تعيش الآن أزمة ولا يوجد أمامها حل في الأفق على المدى القصير إلا إذا استطاعت أن تتحكم في الميزانية عن طريق التقشف، وهو الحل الذي طبقته العديد من الدول من قبل مثل الجزائر واليونان والبرتغال وإيرلندا وإسلندا والدول التي مرت بما تمر به الولاياتالمتحدةالأمريكية فيما يتعلق بارتفاع نسبة الدين الخارجي والتي تسمى الديون السيادية إلى الناتج المحلي الخام "PIB" وكان الطريق الوحيد لها، أما الحل الآخر الذي يمكن أن تطبقه الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما أضاف، هو طبع الدولار باعتبار أنها البلد الوحيد في العالم الذي له حرية طبع الدولار والذي أسماه "حق الفيتو الاقتصادي"، وهما الحلان اللذان ليس أمام الولاياتالمتحدة أن تحيد عنهما، ويرى «مصيطفى» أن الاقتصاد الأمريكي سيشهد سقوطا محتوما وبالمقابل هناك احتمال كبير جدا أن تتقدم الصين على الولاياتالمتحدةالأمريكية وتأخذ مكانها ويعوض بذلك الدولار ب«اليوان» أو بحزمة عملات أخرى، وتصبح الصين هي القوة الاقتصادية الأولى في العالم وتتراجع أمريكا للمرتبة الثانية أو الثالثة تكون بذلك في وضع مشابه لليونان مثلا أو البرتغال. وتجدر الإشارة إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية توصلت إلى اتفاق يرفع سقف الدين العام مع خفض الإنفاق بنحو تريليون دولار، وهو الأمر الذي قد يجنبها عجزا محتملا عن سداد ديونها، ويدفع عنها هذا الشبح الذي يهددها ويهدد اقتصادها بالدمار، وينص الاتفاق الذي أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما على زيادة سقف الدين القانوني الذي يبلغ 14.3 تريليون دولار، بقيمة 2.4 تريليون دولار مع خفض الإنفاق العسكري بقيمة 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات، حسب ما نقلته تقارير إعلامية، والتي أكدت أن خفض الإنفاق العسكري سيكون ضمن خفض أشمل مقترح بقيمة 1.5 تريليون دولار في عشر سنوات. وبرفع سقف الدين العام للولايات المتحدةالأمريكية ستكون أمريكا قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة شهر نوفمبر من سنة 2012، وهو أحد المطالب الرئيسية التي كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ينادي بها، لكن هل يكون رفع سقف الدين وخفض الإنفاق العام هما الحل الأنسب أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية للخروج من أزمتها نهائيا؟ وهل تكون بذلك نهاية آخر سيناريو لخروج أمريكا من أزمتها أم أنها عبارة عن مسكنات فقط؟.