تعد المدرسة القرآنية «حمزة بن عبد المطلب» بعين أزال في سطيف، التي أنشأت سنة ، من أكبر المدارس لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم تعاليم ديننا الحنيف على مستوى الولاية، حيث أصبحت مقصدا لطلبة علوم الشريعة من سطيف ومن خارجها، ويقصدها حتى طلبة الجامعة للاستعانة بمراجعها النادرة والقيمة. تتسع المدرسة القرآنية التي تتربع على مساحة 1200 متر مربع ل 6 حجرات لتعليم علوم الدين والقرآن، وقاعتين للمحاضرات والإعلام الآلي والأنترنت مخصصة للبحث، بالإضافة إلى مكتبة تضم أكثر من 10 آلاف كتاب من مختلف المجالات الدينية والعلمية، ومرقد يتسع ل 20 سريرا للوافدين من مناطق بعيدة للدراسة ويدرس بها 400 طالب منهم 200 طالب دائمون ومؤمّنون، و200 طالب آخرون موسميون، يلتحقون بالمدرسة خلال عطلة الصيف فقط لحفظ بعض أحزاب من القرآن· وحسب المشرف على المدرسة، الأستاذ دحمان قرناني، فإنّ طريقة تحفيظ القرآن وتلقين علوم الدين تتم حسب العمر والجنس· ولكل فوج تسمية، فالفوج الأول يسمى المعتصمات بكتاب الله، ويضم أكثر من 30 تلميذة تتراوح أعمارهم من 16 سنة إلى18 سنة، أما فوج أحباب القرآن فهو فوج ذكور تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات و12 سنة، وفوج ''الماهرون بالقرآن'' ويتراوح سنهم ما بين 12 سنة و16 سنة، ثم ''زهرات القرآن'' وهو فوج يضم الإناث تتراوح أعمارهن ما بين 12 سنة و16 سنة، بالإضافة إلى فوج ''فارسات الجزائر'' ما بين 14 سنة و16 سنة. ويضم كل فوج أكثر من 40 تلميذا يشرف على تحفيظهم معلم من المدرسة بطريقة تقليدية، وهي الطريقة الأمثل للحفظ والمعروفة منذ القدم، في حلقة يتم فيها التلميذ بكتابة ثمن من القرآن في لوح خشبي صباحا بقلم من القصب والحبر المعروف بالمداد والمصنوع من الصوف المحروق، ويتم في نهاية الكتابة تصحيحها من طرف المعلم، ثم يشرع الطالب في حفظه طيلة اليوم وعرضه في النهاية على المعلم، ليتم محو اللوحة بالماء في مكان طاهر ثم طلائها بمادة الصلصال وتركها لتجف في أشعة الشمس للكتابة فيها في اليوم الموالي قسم مخصص لمحو الأمية
لا تقتصر هذه المدرسة القرآنية على تلقين علوم الدين بل تسجل 288 طالبة في فصول محو الأمية، تتراوح أعمارهن بين 15 سنة و70 سنة، من بينهن 50 امرأة انتقلن من قسم محو الأمية إلى دراسة التعليم المتوسط، وسيزاولن دراستهن المتوسطية عن طريق المركز الوطني لتعميم التعليم عن بعد، ويؤطر تلاميذ المدرسة 6 معلمين، اثنان موظفان من مديرية الشؤون الدينية، ثلاث جامعيات اختصاصهن في الشريعة يعملن في إطار عقود ما قبل التشغيل، واثنان متطوعان، مرخص لهما من قبل مديرية الشؤون الدينية، واثنان من كبار السن من البلدية· كما تستعين المدرسة بحفظة القرآن المتخرجين منها.
نماذج من المدرسة الطالبة شهيرة.. ختمته باللغة العربية وتحفظه باللغة الإنجليزية شهيرة عمران اسم لطالبة جامعية، ختمت كتاب الله وهي في السادسة عشرة من عمرها، وتجيده حفظا وقراءة برواية ورش، وتعكف حاليا على حفظ القرآن باللغة الإنجليزية، أملا في تبليغ معانيه السامية، وتتمنى من أهل العلم أن يؤسسوا مقرأة بعين آزال، بعدما عجزت لحد اليوم عن إيجاد شيخ يعلمها القراءات العشر. رغم التحقاقها المتأخر نسبيا بالمدرسة إلا أنّ الطفلة شهيرة ذات 14 ربيعا، قد تمكنت من حفظ القرآن خلال سنتين بعد ذلك، مستغلة أوقات العطلة الصيفية، لتبحر بعدها في أحكام الترتيل في رواية ورش، بحكم أنها القراءة الرسمية في البلاد، وبعد أن تحكمت فيها شاركت في العديد من المسابقات الوطنية والدولية، على غرار أسابيع القرآن الكريم بالجزائر، حيث كرمها فيها وزير الدولة عبد العزيز بلخادم، ومسابقة حفظ القرآن بتونس وتحصلت على المرتبة الثانية بعدما حرمت خلالها من المرتبة الأولى في عهد بن علي بسبب الخمار، والمسابقة الدولية لحفظ وتجويد وتفسير القرآن بالمملكة الهاشمية الأردنية، وفيها تحصلت شهيرة على المرتبة الثالثة من بين 26 دولة مشاركة، وبالموازاة مع ذلك شقت شهيرة طريقها في طلب العلم بجامعة فرحات عباس بسطيف، واختارت أن تتخصص في علوم الفيزياء واجتهدت وتفوقت خلال سنواتها في الليسانس، مما أهلها لأن تمر للماستر الذي تحضره حاليا بجامعة "ستراسبورغ" بفرنسا، وهنا ركزت محدثتنا على أهمية اللغة بالنسبة للشباب المسلم من أجل تبليغ معاني دينه لأهل الضفة الأخرى من الكرة الأرضية، خاصة وأنها كانت قبلها تعجز عن مخاطبة بعض المهاجرين والأجانب الذين يزورون المدرسة القرآنية، مما جعلها تعكف على تطوير مهاراتها في اللغة الإنجليزية وتحفظ كتاب الله بهذه اللغة ووصلت إلى 20 حزبا، وهو ما سمح لها بأن تناقش أساتذة وطلبة بفرنسا استفسروا عن سر عدم نزعها للخمار حتى في مخابر البحث العلمي هناك، وعن عدم مشاركتها لهم في الطعام، وقالت إنّ الكثير منهم يحسن الاستماع حينما يلقون من يخاطبهم بمنطق وعقل سليم، ولعل هذا المسار المشرف، يكون مصدر فخر للوالدين اللذين منحا ثقتهما لشهيرة، وجعلاها تتصرف بحرية في كامل وقتها الذي استثمرته فقط في حفظ القرآن وأحكامه، والإحاطة بأسرار الفيزياء ومسائلها، آملة أن تؤسس ذات يوم مخبرا علميا يكون فضاءً تمزج فيه بين القرآن والسنة النبوية وبين علم الفيزياء، خاصة وأنّ الكثير من المعادلات العلمية بدأت تدغدغ فكرها وتشجعها على البحث، لأنها ذات صلة بما ورد في الكتاب المعجز، وقبل هذا تتمنى الطالبة شهيرة التي وجدناها تحفظ متن الشاطبية المتكون من 1173 بيتا والذي يحوي قواعد القراءات العشر، أملا منها في اختصار الوقت وتسهيل مهمة شيخ ما زالت تبحث عنه لتلقينها القراءات، كما تتمنى من أهل بلدتها أن يلتفوا إلى فكرة تأسيس مقرأة ب"عين آزال"، لأنها أرض خصبة تنجب حفظة القرآن بغزارة، والدليل على ذلك الإقبال على المدرسة القرآنية، وتلك الصدور الصغيرة التي باتت تحفظ كتاب الله وتجيد قراءته بل وتبحث في معانيه. الطفلة حنين.. تحفظ 40 حزبا من القرآن وهي في ال 11 من عمرها ببراءة الأطفال حدثتنا الطفلة حنين مزعاش البالغة من العمر 11 سنة، عن سر حفظها للقرآن الكريم الذي تحفظ منه 40 حزبا، وكشفت عن طموحات يراها البعض بعيدة وتراها قريبة منها، لأنّ الحياة في نظرها جد و اجتهاد. التقينا الطفلة حنين بمقر المدرسة القرآنية بمسجد "حمزة بن عبد المطلب" بحي "كرنيف" ب"عين آزال"، مباشرة بعد نزولها من حافلة عادت بها من عاصمة الولاية سطيف، أين كانت تشارك في مسابقة لحفظ القرآن الكريم، وعندما سألناها إن كانت قد وفقت في إجابة المشايخ، قالت:"جاوبت مليح والله أعلم"، بعدها روت للخبر مسيرة حفظ كتاب الله، والتي بدأت من السنة الأولى الابتدائية، معتمدة على الأساليب التقليدية في الحفظ فاللوحة التي تكاد تعدلها طولا لا تكاد تفارقها، حتى إنها كونت معها علاقة حميمية، خاصة وأنها تساهم في تحفيظها ما معدله ثمن حزب من القرآن الكريم في كل يوم، وما زاد من تشجيع الطفلة على الحفظ هو إشراف والدها الشيخ مبارك، على عملية الحفظ داخل المدرسة، والذي يعاملها بالشدة تارة وباللين في أحايين كثيرة، وقالت الطفلة حنين إنها تأثرت كثيرا بوصايا لقمان لأنها تعد حسبها من أروع المواعظ، التي أوصت بالتوحيد، وبطاعة الوالدين، وبالإحساس برقابة الخالق والحرص على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرها من المواعظ التي اعتبرتها حنين نبراسا لها في هذه الحياة، وسراجا ينير لها الدرب، كما أنها كشفت في جانب آخر عن أمنيات وطموحات في مستقبلها، حيث إنها تتمنى أن تصبح يوما طبيبة، وهو أمر تراه قريب المنال شرط الاستمرار في الجد خاصة وأنها طفلة متفوقة في مسارها الدراسي، فمعدلها يصنف دوما من أحسن المعدلات في مدرستها. وفوق هذا ولجت الطفلة عالم أحكام ترتيل القرآن الكريم برواية ورش. معاذ يؤم الناس في ال 14 معاذ بدأ يحفظ صغار السور وهو في السنة الأولى الابتدائية، وكان يتلقاها على يد والده الذي كان مشرفا على تحفيظ القرآن لطلبة المدرسة القرآنية بمسجد حمزة بن عبد المطلب ب"عين آزال"، معتمدا على الطرق التقليدية في التحفيظ، فلا مناص من اللوحة والقلم، وواصل الفتى طريقه في حفظ كتاب الله، وتمكن من ختمه وهو في ال11 عمره، ليبدأ بعدها رحلة علم أخرى مع أحكام الترتيل وفق رواية ورش، وبعدها دخل معاذ الذي يفضل من المقرئين "سعد الغامدي"، عالم الإمامة رغم حداثة سنه، حيث صار يؤم الناس خلال تراويح الشهر الفضيل حاليا بمسجد "عثمان بن عفان" الذي يسمى ببلدية عين آزال بحي" الكومينال"، وتمكن الفتى من تجاوز عتبة الرهبة والخوف من المحراب، وتمكن من إمامة المصلين بأخطاء لا تكاد تذكر، وما زاده سعادة بالوضع هو تلك التشجيعات التي يتلقاها من المصلين دبر كل صلاة، الأمر الذي سلحه بإرادة جديدة قد تختصر له المسافات في طريقه إلى العلم والمعرفة، بحكم أن أمنيته الوحيدة أن ينهل بلا توقف من علوم القرآن الكريم، وأن يشرف الجزائر مستقبلا في منابر دولية في هذا المجال.