يعاني السد الأخضر بالجلفة، من الرعي المكثف في هذه الولاية، التي تمتلك ثروة حيوانية هائلة تزيد عن 3 ملايين رأس غنم، مما عقد من مهمة أعوان الغابات في الحفاظ على هذا الإنجاز المحوري في مكافحة التصحر. يعتبر آخر حصن لمنع زحف الرمال والى جانب الظروف المناخية الصعبة في هذه المنطقة الصحراوية، يعاني هذا الحزام الغابي من انتهاكات يومية من رعي جائر وقطع للأشجار، أدت إلى تدهور حالته بحسب مسؤولي قطاع الغابات في ولاية الجلفة الذين التقت بهم وكالة الأنباء الجزائرية، وتعد هذه الولاية السهبية التي تحوي على ثروة غابية تفوق 214 ألف هكتار، بمثابة “بوابة” الصحراء وآخر “حصن” أمام زحف الرمال نحو الشمال، كما تعتبر أحد الولايات “المحورية” في مشروع السد الأخضر منذ الشروع في إنجازه سنة 1971، وبالرغم من أن الجلفة تعبر من أكثر الولايات نجاحا في تحقيق هذا المشروع، بأكثر من 32 ألف هكتار أي ما يمثل بين 10 إلى 20 بالمائة من المساحة الإجمالية المحققة، إلا أن هذه الانجازات مهددة بالانحسار والتدهور التدريجي، ويرجع السبب الأول في ذلك إلى طبيعة المنطقة في حد ذاتها فهي من أكثر المناطق تعرضا للتصحر، حيث تفوق نسبة الأراضي الحساسة لهذه الظاهرة 46 بالمائة من مساحتها، بحسب الدراسات التي أجريت بواسطة التصوير الفضائي، ويمكن لمثل هذا النوع من الأراضي، أن تصبح متصحرة إذا ما تعرضت لجفاف لمدة أربع سنوات متتالية حسب مسؤولي الغابات بالولاية. مخطط للقضاء على دودة “الصنوبر الجرارة” كما تتحمل الأخطاء التقنية التي عرفها تحقيق المشروع ميدانيا جزءا من المسؤولية، بحيث لم تراع في ذلك الطبيعة السهبية والرعوية للمنطقة، ودون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها الاجتماعية والاقتصادية أيضا، “لقد كان شباب الخدمة الوطنية في المراحل الأولى للمشروع، غير مؤهلين أساسا لمثل هذا النوع من العمليات، حيث كانوا مثلا يغرسون الشتلات وهي مغطاة كليا بالأكياس، بيد أنه كان ينبغي أن تقطع الأكياس نصفيا لكي تسمح للشجرة بالتجذر بعمق في الأرض” حسب ما أوضحه محافظ الغابات لولاية الجلفة سليم حديد، كما تم الاقتصار في السنوات الأولى للمشروع على زراعة الصنوبر الحلبي، ويفسر المسؤولون هذا الاختيار بما يتميز به هذا النوع من قدرة على مقاومة الحرارة العالية صيفا، والبرودة الشديدة شتاء في آن واحد، غير أن هذا النوع من الأشجار يعتبر من أكثر الأنواع حساسية لدودة الصنوبر الجرارة، التي تهدد حاليا آلاف الهكتارات بالرغم من الجهود المبذولة لمكافحتها، “تؤثر هذه الدودة التي تتغذى من أغصان الشجرة على نموها مما يفسر وجود أشجار لم تنم بشكل جيد، رغم أنها زرعت قبل سنوات طويلة”، بحسب المحافظ الذي أضاف أنه “تتم مكافحة هذه الدودة ميكانيكيا عن طريق اقتلاع أعشاشها، وذلك من ديسمبر إلى مارس من كل عام، إلى الجانب المعالجة الجوية بواسطة الطائرات التي تمت بنجاح سنة 2007″. دعوة لتعديل قانون الغابات ليكون أكثر ردعا وتم تدارك الكثير من الأخطاء التقنية التي عرفتها المرحلة الأولى لإنجاز السد الأخضر، من خلال إجراء أول دراسة تقنية سنة 1982، ثم تسليم المشروع كليا إلى إدارة الغابات سنة 1990، لكن الظرف الذي مرت به البلاد لم يكن ليسمح بتدارك التأخر مقارنة بالأهداف المسطرة، كما أن الإدارة الغابية تفتقر إلى الإمكانيات التقنية الكافية، وكذا الأدوات القانونية الملائمة لحماية هذا المشروع المعول عليه في السياسة الوطنية لمكافحة التصحر، والذي يعاني كثيرا من التجاوزات البشرية، وصرح حديد أن “العدو الأول للسد الأخضر في الجلفة وغيرها من الولايات، هو الرعي الجائر الذي يهدد آلاف الهكتارات، فضلا عن الحرث الفوضوي، و قطع الأشجار لكن التنظيم القانوني الحالي لا يسمح بحمايتها ميدانيا”، ويدعو المحافظ إلى التعديل “العاجل” لقانون الغابات الذي يعود لسنة 1984 قائلا، “يجب تعديل هذا القانون الذي أكل عليه الدهر وشرب، بحيث يكون أكثر ردعا في وجه المتجاوزين الذي يهددون ثروتنا الغابية”، وتقوم محافظة الغابات بالاتفاق مع المحافظة السامية لتطوير السهوب بتنظيم الرعي على أساس مبدأ التناوب بين الأراضي لضمان إعادة الإنبات، غير أن هذا التنظيم قلما يتم احترامه في ولاية يفوق عدد رؤوس الأغنام فيها 3 ملايين رأس، كما يتم بشكل شبه يومي وخاصة ليلا ضبط حالات قطع الأشجار والتي يتم استخدامها لعدة أغراض وعلى رأسها البناء، لكن كثيرا ما يعجز أعوان الغابات مسكهم متلبسين بسبب نقص الإمكانيات. الحرائق أتت على 52 هكتارا في 2012 ويقول رئيس مقاطعة الغابات بدائرة حاسي بحبح سعدان بوهلال في هذا الصدد، “يجب توفير وسائل الردع الكافية للحد من التجاوزات”، مضيفا “نحن حاليا غير قادرين حتى على إرغام الرعاة على الالتزام بالرعي في المناطق المخصصة لذلك”، وفي الوقت الحالي يكتفي الأعوان في حالة ما إذا تمكنوا من ضبط الشخص المتورط- بتحرير محضر يحال إلى القضاء لتقوم الجهات القضائية بعد عام تقريبا بإصدار حكم يتمثل في غرامة لا تتعدى 1000 دينار، “غالبا ما لا يتم دفعها” بحسب بوهلال، ويمثل قطع الأشجار أو الرعي الجائر بهذا الشكل عملية مربحة، حيث يغرم المتورطون بألف دينار مقابل ملايين الدينارات التي يجنونها بفعل هذه الانتهاكات، ويطالب المسؤولون المحليون بتنظيم جديد يسمح للعون بتحرير غرامات فورية حال ضبط التجاوز، وتدعيمه بالوسائل التي تسمح بفرض تطبيق القانون، وفضلا عن كل هذه التجاوزات فإن العامل البشري يوجد أيضا وراء أغلب حرائق الغابات، التي تعد “العدو الأول” للثروة الغابية في البلاد، حيث عرفت ولاية الجلفة هذه السنة حرائق استثنائية أتت على 52 هكتارا مقابل معدل يتراوح بين 1 و 6 هكتارات في السنوات الماضية، “يمثل 2012 عاما استثنائيا بالنسبة لنا، حيث سجلنا مستوى قياسيا مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة، ويعد إهمال المواطنين السبب الأول في اندلاع الحرائق”، حسب ما صرح به حمزة عمر مسؤول بالمحافظة. تكثيف البرامج الجوارية لحماية السد ولأن الوعي في أوساط المواطنين بأهمية الحفاظ على الثروة الغابية ومكافحة التصحر، يعد عنصرا محوريا في حماية السد الأخضر لجأت مديرية الغابات، إلى إشراك المواطنين في مشاريع فلاحية جوارية ضمن مقاربتها الجديدة المندرجة في سياسة التجديد الريفي، وسطرت محافظة الغابات لولاية الجلفة حوالي 431 مشروعا جواريا في برنامجها للفترة 2010-2014، تم منها إطلاق 187 مشروعا يتضمن إنشاء مستثمرات زراعية وتربية الحيوانات وسدود مصغرة وآبار ارتوازية وغيرها، وتوجد معظم هذه المشاريع متاخمة للسد الأخضر، مما يسهم في حمايته بشكل أكثر فعالية، و يمكن للمواطنين الحصول على أراض فلاحية وفق عقود امتياز بشكل مجاني مع الحصول على شتلات مجانية (لأشجار الزيتون عموما)، ضمن مشاريع ممولة من طرف ” صندوق تنمية الاقتصاد الرعوي و السهوب”، أو “صندوق التنمية الريفية واستصلاح الأراضي عن طريق الامتياز”، أو من خلال ميزانية محافظ الغابات، وبلغت مساحة المشاريع التي تدعهما محافظ الغابات للجلفة منذ جانفي 2012 أكثر من 600 هكتار من أجل غرس 60 ألف شجرة زيتون، غير أنه غالبا ما يتم هجر زراعة الأشجار بعد فترة وجيزة وتحويل الأراضي المخصصة لذلك لأغراض أخرى من بينها الرعي، وهو ما يعني فشل المشروع الذي كان موجها أساسا للرفع من مساحات التشجير. مشروع في الأفق لتوسيع السد يقول عمر: “نعول على المبادرات الخاصة بشكل كبير لحماية الثروة الغابية، والمساهمة في المكافحة ضد التصحر، لكنه يتعين على المواطنين الذي يستفيدون من امتيازات ودعم لإنجاز مبادرتهم، أن يتحلوا بالمسؤولية تجاه التزاماتهم”، وينتظر أن يستفيد مشروع السد الأخضر من برنامج لصيانته وتوسيعه، بعد الانتهاء من الدراسة التي يعكف المكتب الوطني لدراسات التنمية الريفية، على القيام بها منذ أشهر، وانتهى فوج من المكتب الشهر المنصرم من دراسة ميدانية لمشروع السد الأخضر في ولاية الجلفة، التي حدد لها فضاء يفوق مليون هكتار، وبناء على هذه الدراسة سيتم تحديد مخطط عملي لترميم وصيانة وتوسيع السد الأخضر، غير أن ذلك لا يتضمن فقط مشاريع التشجير، وإنما أيضا مشاريع حماية الغابات والمشاريع الزراعة الرعوية وبرامج جديدة للمحميات والمناطق الرطبة، إلى جانب عمليات تثبيت الكثبان الرملية، والتي ساهمت في وقف الحزام الرملي “زاعر” الممتد على طول 200 كم في ولاية الجلفة لوحدها، وتعلق إدارة الغابات آمالا كبيرة على هذا المشروع المنتظر للحفاظ على السد الأخضر، كإنجاز وطني من شأنه الوقوف في وجه ظاهرة التصحر، والتغير المناخي لكنها تدرك تماما أن ذلك لن يتأتى إلا من خلال الإشراك الفعال للمواطنين، الذين يتعين عليهم أكثر من أي وقت مضى الوعي بمسؤولياتهم في هذا الصدد.