في بلد كالولاياتالمتحدة حيث تؤسس السينما لوعي ومزاج مؤثرين يصوغان التصورات العامة في العديد من المسائل الثقافية والسياسية، تبدو تظاهرة "سينما عربية معاصرة" التي يستضيفها مركز جاكوب بيرنز السينمائي بمدينة بليزنتفيل في ولاية نيويورك، أكثر من مجرد مناسبة فنية تستطلع آخر الأفلام السينمائية في العالم العربي. فهذه الفعالية التي تضم 12 فيلما من لبنان والجزائر والمغرب وتونس ومصر والعراق والسعودية وفلسطين، والتي تنظم للسنة الثانية على التوالي، تقوم -بحسب المشرفين عليها- على "رؤية ناضجة تشبع فضول الجمهور الأميركي وتشوقه لمعرفة المزيد عن العالم العربي وقضاياه وهمومه اليومية، إضافة إلى التعرف على المواهب العربية ومقترحاتها وهمومها الإبداعية". تضم قائمة العروض عشرة أفلام روائية طويلة هي "الغوسطو" للمخرجة الجزائرية صافيناز بوصبيعة، و"قصة ثواني" للبنانية لارا سابا، و"الأستاذ" للتونسي محمد بن محمد، و"زيرو" للمغربي نور الدين الخماري، و"حبيبي" للفلسطينية سوزان يوسف، و"بيكاس" للعراقي الكردي كارزان قادر، و"لوين هلأ" للبنانية نادين لبكي، و"أسماء" للمصري عمرو سلامة، و"الهجوم" للبناني زياد دويري، و"يا خيل الله" للمغربي نبيل عيوش، إضافة إلى الفيلمين القصيرين "استسلام" للمصرية منى النجار، و"حرمة" للسعودية عهد.ورافق عرض الأفلام حلقات نقاش مع بعض صانعي الأفلام أدارها نقاد وصحفيون. واللافت في هذه الفعالية الحضور القوي للمخرجات العربيات في هذه التظاهرة، وهو ما يشكل قيمة مضافة لعرض هذه الأعمال في بلد يضم أقوى صناعة سينمائية في العالم، ولكنه في الوقت نفسه يشهد ندرة بالأسماء النسائية في مجال الإخراج السينمائي، وهذه ملاحظة لن تغيب عن بال المشاهدين الأميركيين. كما أن أغلب صانعي هذه الأفلام هم من العرب المهاجرين والمقيمين في بلدان غربية، مثل فرنسا والسويد والولاياتالمتحدة، الأمر الذي سيمنح هؤلاء المخرجين خبرة ثقافية وعملية لالتقاط الحساسيات والخصائص النفسية والوجدانية للجمهور الغربي، والقدرة بالتالي على مخاطبته عبر أقصر الطرق وأكثرها جدوى. وقالت المشرفة على الفعالية الإعلامية، لينا متى، إن هذه التظاهرة تأتي في إطار التعاون مع مركز جاكوب بيرنز السينمائي "الذي يشاركنا الرؤية نفسها بضرورة التعرف على أفلام قادرة على بناء علاقات تواصل وفهم متبادل بين جميع أنواع البشر بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية والاجتماعية". وأضافت في حديث هاتفي مع الجزيرة نت أنه على هذا الأساس اختيرت الأفلام، لا بسبب جودتها الفنية وقدرتها على الإمتاع فقط، بل لامتلاكها القدرة على تظهير هذه الرؤية وتعميقها. ونوهت إلى أن التظاهرة تعد مناسبة نادرة لجمهور من الصعب أن يحظى بمشاهدة أعمال كهذه في مسارح وصالات العرض الأميركية، فرغم أن بعض أفلام التظاهرة عرضت في مهرجانات وصالات أميركية، من الصعب على الأميركيين مشاهدة بعض الأفلام الأخرى كفيلم "بيكاس" مثلا، على حد قولها. وأشارت متى إلى التبدل الجوهري بالمزاج العام لدى الأميركيين ونظرتهم إلى العالم العربي في السنوات الثلاث الأخيرة على خلفية الحراك السياسي والاجتماعي الذي صاحب ما بات يعرف بالربيع العربي الذي اجتاح عدة بلدان عربية بشكل أساسي، ولكن تأثيراته تمتد إلى جميع البلدان العربية وبعض البلدان الأجنبية. وقالت إنه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 اتجه الأميركيون بأنظارهم إلى العالم العربي باحثين عن إجابات لسؤال "لماذا يكرهوننا؟" ولكنهم في هذه الآونة يريدون تعرف هموم وأحوال وقصص الناس الذين خرجوا للمطالبة بالحرية والعدالة والمشاركة السياسية. من ناحيته، قال مدير البرامج في مركز جاكوب بيرنز، براين آكرمان إن الغاية من هذه الفعالية هي إعادة التذكير بالنسيج الغني والمتنوع للثقافة والتاريخ العربيين اللذين تراجع حضورهما في السنوات الثلاث الأخيرة في الولاياتالمتحدة بسبب ما تقوم به وسائل الإعلام المتلفزة والمقروءة من نقل الأخبار والتقارير اليومية على مدار الساعة حول مجريات وتداعيات الربيع العربي.