الأيام الجزائرية واشنطن( وكالات): اختارت واشنطن خلال حكومة أوباما الجديدة شركة أمنية جديدة «لحماية موظفيها في العراق الجديد» بدلا من شركة بلاكووتر. وتشمل كلمة «موظفيها» بعض السياسيين العراقيين المتضامنين مع الاحتلال أيضا. وكان خمسة من مرتزقة بلاكووتر قد ضبطوا متلبسين بالجرم بعد واحدة من مجازر الاحتلال البشعة عندما أطلقوا النار على مدنيين بساحة النسور في بغداد مما أسفر عن استشهاد 17 مواطنا في 16 سبتمبر 2007، بعد سنين من تكرار جرائمهم غير المعلنة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «أن العقد منح إلى شركة تريبل كانوبي التي اختيرت نتيجة عملية فرز دقيقة شملت بضع شركات متنافسة في هذا القطاع». فما هي شركة تريبل كانوبي، التي يعني اسمها بالعربية (الغطاء الثلاثي)، ولماذا تم اختيارها وهل ستكون أفضل في تعاملها مع المواطنين العراقيين من سابقتها بلاكووتر، التي يعني اسمها بالعربية (الماء الأسود)، التي كان عناصرها يتسلون بقتل العراقيين كلما شعروا بالضجر؟ وما هو موقف المالكي، رئيس وزراء ، من إبقاء شركات المرتزقة؟. إن تريبل كانوبي شركة أمريكية، ومقرها في فرجينيا على مقربة من واشنطن، تضم مرتزقة من جنود وضباط سابقين في القوات الأمريكية الخاصة، بشقيها ذوي البيريه الخضراء وقوة دلتا. وهي قوات استخدمت في فيتنام وفي العديد من الدول «لحماية» الحكومات الصديقة لأمريكا ولمجابهة «المتمردين». ويعتبر مرتزقة قوة دلتا الأفضل كقناصين مدربين بشكل خاص على العمليات السرية التي لا ترغب الحكومة الأمريكية في الإعلان عنها، مما يفسر لنا عمل بعض القناصة الذين استهدفوا المواطنين في العراق وأشاعوا الرعب بين الناس وشلوا الحركة العامة خاصة في عامي 2007 و2008. وهناك العديد من حالات القنص التي تستحق البحث التفصيلي، يوما ما، لمعرفة حجم الدور الذي لعبته قوات المرتزقة، فضلا عن فرق الموت، في تمزيق نسيج المجتمع العراقي وتقسيمه طائفيا. ففي واحدة من مظاهر الغضب على تواجد القناصة توجه أهالي حيي الجهاد والمهدية في بغداد للاعتصام أمام احد مقار الجيش للمطالبة بحمايتهم وحماية المواطنين ممن يتنقلون معهم من القناصة الذين يستهدفون المدنيين في الطرقات. كما أكد أطباء وسكان مدينة الثورة في 24 أفريل 2008 أن القناصين الأمريكان يستهدفون عمدا سيقان وبطون المواطنين. وصرح الأطباء بان جراح المصابين هي نتيجة الإصابة برصاص أمريكي أطلق من بنادق قناصة. وان الرصاص أمريكي وبالإمكان تمييزه بسهولة. وكانت تريبل كانوبي قد حصلت على عقدها الأول مع البنتاغون، في عام 2004، لحماية مكاتب مجلس الحكم في عهد بول بريمر، وهو عقد تم تجديده دوريا. وكانت قيمة العقد الأول متواضعا، 90 مليون دولار، ولمدة ستة أشهر. وتعتمد الشركة أولا على النخبة من قوة دلتا، وهم قلة ويتقاضون أعلى الأجور. إذ يبلغ أجر احدهم 700 دولار يوميا. وتعتمد، ثانيا، على المرتزقة من تشيلي وبيرو وفيجي والسلفادور، وهم الأكثرية لأنهم الأرخص أجرا إذ يتقاضى احدهم 60 دولارا يوميا. وكانت الشركة قد فازت بعقد آخر في 4 نوفمبر 2005 لحماية المنطقة الخضراء لم يتم الإعلان عن قيمته. أما العقد الجديد فقد يكون أضعاف تلك البدايات، إذا تابعنا التصاعد المضطرد في تخصيص الحرب، وقد تصل قيمته إلى أكثر من مليار دولار سنويا. ويبدو تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية منطقيا حين يقول «أن العقد منح إلى شركة تريبل كانوبي التي اختيرت نتيجة عملية اختيار دقيقة». إذ أثبتت سنوات الاحتلال أن تاريخ وحاضر الشركة الأكثر سوادا في العراق يتطابق مع متطلبات حكومة أوباما كما تطابق مع متطلبات حكومة بوش من قبله فضلا عن كون جرائمها لا تختلف كثيرا عن جرائم بلاكووتر، إن لم تكن استمرارا لها. وبالتالي ستكون جزءا أساسيا من تركيبة الجيش المستقبلي الاستعماري في العراق وفق الاتفاقية الأمنية بعيدة المدى التي تبدو، ظاهريا، وكأنها جدولة لانسحاب القوات بينما تدل كل المؤشرات إلى أن ما سيجري هو استبدال وحدات الجيش الأمريكي الرسمية بفرق المرتزقة الرخيصة التكلفة ووفق منظور خصخصة الحروب. وإذا ما كان عقد بلاكووتر قد الغي ظاهريا (ظاهريا لان عقودها لم تلغ بل جددت مع البنتاغون، أي وزارة الدفاع، أي وزارة الحرب، بالتمايز الظاهري مع وزارة الخارجية) بسبب اغتيال مرتزقتها لمواطنين عراقيين، فان شركة تريبل كانوبي قامت بما هو أبشع ولم تحاسب من قبل احد. وها هي إدارة أوباما تكافئها، علانية وبلا خجل، بعقود جديدة. ولنعد إلى الماضي القريب للتذكير بما ارتكبه مرتزقة الشركة. فبتاريخ 8 جوان 2004، حسب صحيفة «الواشنطن بوست»، بينما كان أربعة من مرتزقة الشركة في دورية في طريق المطار، قال قائد الدورية شين شميدت، وهو من المارينز السابقين: «إنني سأقتل شخصا اليوم». بعد دقائق، ترجل شميدت من الآلية وأطلق النار برشاشه على سائق شاحنة كانت قد توقفت لمرآهم، وأرداه قتيلا. وحذر شميدت أفراد الدورية قائلا: «أن هذا لم يحدث هل تفهمون؟». في اليوم نفسه، قال شميدت بأنه لم يحدث وقتل شخصا بمسدسه ثم أطلق النار على سيارة تاكسي كانت واقفة وقتل سائقها. كما قامت الدورية ذاتها بإطلاق الرصاص على مدنيين في طريق الحلة يوم 2 جوان من العام نفسه. وعندما كتب اثنان من أفراد الدورية تقريرا عن الحادث طردتهما الشركة. فرفع الاثنان دعوى ضد الشركة لأنها طردتهما بلا مبرر. ولم تنكر الشركة، أثناء المحاكمة، وقوع الجريمة مكتفية بالقول بان الشركة لم تنتهك أو تسيء إلى قانون فرجينيا، وولاية فرجينيا هي مقر الشركة. وقد أصدر المحلفون الحكم في القضية في فرجينيا، لصالح شركة كانوبي باعتبار أن من حقها طرد مستخدميها الاثنين، بدون التطرق إلى جرائم قتل المواطنين العراقيين، على الرغم من أن ارتكاب جرائم كهذه في أمريكا كان سيؤدي حتما إلى إصدار حكم الإعدام أو المؤبد بحق المتهمين، حسب قانون الولاية. وهذا الحكم يبين أن القوانين الوحيدة التي يخضع لها المرتزقة في العراق هي قوانين العصابات وشذاذ الآفاق، وحسب شهادة أحدهم أثناء المحكمة: «أن الشعار الذي نتبعه في العراق هو: ما يحدث هنا اليوم يبقى هنا اليوم». بمعنى أن ليس هناك من يحاسب المرتزقة مهما ارتكبوا من جرائم وأنهم وحسب قوانين بريمر، التي تعيش في ظلها حكومة المالكي، يتمتعون بالحصانة من القانون العراقي. ومن المعروف بين مرتزقة الشركة بأنهم محميون تماما وإذا ما حدث شيء يمسهم فان الشركة، كما بقية شركات المرتزقة، ستتكفل بإخراجهم من العراق فورا. ترى ما هو موقف المالكي، رئيس وزراء دولة القانون، من وجود 200 ألف من المرتزقة المحصنين قانونيا وما هو موقفه من استبدال عقد شركة مرتزقة بأخرى؟. بتاريخ 19 سبتمبر 2007 بعد مجزرة ساحة النسور، بدلا من اعتقال المرتزقة ومحاكمتهم أمام القضاء العراقي، كما يحدث الآن لكل من تسول له نفسه القيام بعملية ضد قوات الاحتلال ومرتزقته، دعا المالكي «بقوة» رجل القانون: «المسؤولين الأمريكيين في العراق إلى استبدال شركة (بلاك ووتر) الأمنية ... ومن مصلحة السفارة الأمريكية في بغداد أن تعتمد شركات أخرى وتتحرك بها». وليبدو المالكي كصاحب قرار، تم الإعلان، أيضا، عن سحب رخصة عمل شركة بلاكووتر في العراق. غير أن القرار تحول إلى صفعة على خد المالكي عندما اتضح أن بلاكووتر التي تعد ثاني أكبر قوة عسكرية في العراق بعد الجيش الأمريكي لا تملك رخصة عمل منذ أكثر من عام. وجاءت الصفعة الثانية على خد المالكي الآخر حين جدد جيش الاحتلال عقد الشركة رغما عن «نهنهة» المالكي ومتحدثيه. إن عقود شركات المرتزقة في العراق المتجددة حسب طلب واحتياجات السياسة الأمريكية، وتزايد إعدادهم وفتح أبواب تجنيدهم من دول العالم الثالث، بأرخص الأسعار، وتدريبهم في بلدان قريبة من العراق، قد غيرت من خارطة المفاهيم العسكرية للحرب وللاستعمار البعيد المدى. وان حكومات الاحتلال المتعاقبة المتزينة بخطابات القوة والقانون، تساهم سواء بموافقتها على وجودهم أو صمتها أو استسلامها للأمر الواقع، في جريمة لا تغتفر بحق المواطنين وهي منح المرتزقة حرية ارتكاب المجازر بلا محاسبة أو مساءلة. وهي جريمة بمقاييس قوانين الدول المحتلة وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وبكل المقاييس القانونية الدولية. إذ أن هناك فريق عمل خاص في الأممالمتحدة يعمل على التحقيق في جرائم وانتهاكات المرتزقة وما تسببه من خروقات للسيادة الوطنية وحقوق الإنسان. إن تعاقد إدارة أوباما مع شركة تريبل كانوبي للمرتزقة وصمت حكومة «دولة القانون»، وبعد ارتكاب مرتزقة الشركة لمجزرة قتل المواطنين وتبرئة المجرمين من قبل المحكمة الأمريكية، يبين بوضوح مدى استهانة واحتقار إدارة أوباما لحكومة المالكي وقضائها وقوانينها. ويبين بوضوح اكبر مدى تمتع «حكومة العراق الجديد» بالسيادة وقدرتها على تنفيذ ابسط الواجبات أي الدفاع عن حق المواطن بالحياة.