في صباح يوم الإثنين 8 ربيع الثاني 1381ه الموافق ل18 سبتمبر 1961م وفي تمام الساعة السادسة صباحا أذيع المصحف المرتل عبر إذاعة القاهرة لأول مرة بصوت القارئ الشيخ «محمود خليل الحصري»، ولم يكن للناس عهد بهذه الطريقة المرسلة في قراءة القرآن التي لا تعتمد على التلحين والتطريب والأداء النغمي، واستحسن الناس هذه القراءة التي تقوم على براعة القارئ في دقة الأحكام ومراعاة المخارج والحروف، قبل براعته في الأداء الصوتي المنغم، وكان حظ الشيخ «الحصري» موفورا دقة وبراعة، وتلا «الحصري» في التسجيل القارئ «مصطفى إسماعيل» وكان قد ملأ الدنيا وشغل الناس بطريقته الجديدة في الأداء التنغيمي وقدرته على التحليق في آفاق عليا من جمال التعبير الصوتي، مع الالتزام بأحكام القراءة، وجاءت تلاوته للقرآن الكريم في غاية من العذوبة والجمال والتمكّن من تمثيل الآيات بصوته الطيّع والتعبير عن المعاني بأداء خارق دون أن تشعر أنه يتكلف ذلك أو يجهد نفسه فيه، ثم جاء الشيخ «محمد صديق المنشاوي» فلفت الأنظار بصوته الشجي وأدائه الخاشع ومسحة الحزن التي تكسو طريقته، حيث تسمع القرآن منه غضا طريا، ينساب إلى داخلك، فكأنك تحيا فيه أو يحيا هو فيك، وتبعه الشيخ «عبد الباسط عبد الصمد»، فتلا القرآن بصوته العذب وطريقته الآسرة وأدائه الجميل، وكان له جمهوره الواسع المحب لسماعه، خاصة في مناطق جنوب شرق آسيا، وكان مصحفه المرتل من أسباب إقبال الناس على سماع القرآن هناك والإقبال على تلاوته، ثم سجله الشيخ «محمود علي البنا» بصوته الفخم وأدائه السهل الممتنع، فسجّل ختمة رائعة للقرآن الكريم، ختم بها سلسلة الخمسة العظماء من قراء القرآن الكريم، وبالرغم من أنهم جميعا انتقلوا إلى رحاب الله، فإن أحدا لم يستطع أن ينافسهم في إقبال الناس على سماعهم وحرص الإذاعات المختلفة على إذاعة تسجيلاتهم وكأن الله اصطفاهم من مئات القراء المبدعين لهذه المهمة الجليلة.