الدستور في البلدان العربية الربيعية نسبة إلى الربيع العربي أو تلك البلدان الخريفية يكاد يورط كل الشعوب في معركة لا نهاية لها. المصريون يصوتون اليوم على دستور جديد خلفا للدستور المرحوم الذي سير البلاد لسنين طويلة، والشارع هناك في موضع خلاف حول سلامته من عدمها. فالمعارضة التي هزمت في الانتخابات ترى بأنه دستور من وضع الإخوان الذين نجحوا فيها. وهذا الأمر من الناحية المبدئية ودون الاعتماد على حسابات سياسية بين التيار الإخواني وباقي التيارات الأخرى مؤسس لأن الدستور مجهول في الأصل لفترة طويلة وبالتالي لا يعكس تفوق جهة على أخرى قد تكون خاسرة فيها بعد فهو إذن دستور توافقي. والتونسيون مازالوا بعد عامين تقريبا يكتبون دستورهم الجديد بمعدل سطر كل شهر وقد برزت اتجاهات تدعو حتى إلى وضع مادة تمنع التطبيع مع إسرائيل، مما يعني أنه مشروع دستور مؤقت طالما أن الاحتلال ظرفي في كل الأحوال! وعندما يدخل الجزائريون على الخط لإعادة تنقيح وتلقيح دستورهم الذي يتبدل بمعدل لكل رئيس دستور ويطالب بعض رجال الأعمال بوضع مادة حول دور المقاول، يكون واضحا أن مفهوم الدستور كأم القوانين الأساسية التي تحكم علاقة الحكم وتحدد الحريات الشخصية والجماعية وحقوق وواجبات المواطنين يتعرض عربيا لتشويهات خلقية كبيرة، مع أن العرب جميعا لا ينقصهم الفقهاء في السياسة مثلما لا ينقصهم الفقهاء في الدين (والدنيا)! ومع ذلك فإن هؤلاء العرب الذين ارتبطت شاشيتهم بأمريكا في كل شيء ينسون دائما أن أمريكا يمكنها أن تكون مثلا أعلى في وضع الدساتير، فهو لم يتغير تقريبا منذ وضعه عند تأسيس أمريكا في 1749 أي قبل قرنين ونيف!