بوتفليقة قال للغنوشي: نحن عرب ولا بد لنا من رئيس والنظام البرلماني خطير علينا يؤكد مستشار راشد الغنوشي، وممثل حركة النهضة بالجزائر، مقداد إسعاد في الحوار الذي جمعه ب “البلاد”، أنّ مقترح رئيس الحكومة حمادي الجبالي بتشكيل حكومة تكنوقراط غير واقعي ولا يعد حلا للأزمة، مشيرا إلى أنّ الجبالي سيعاد تكليفه من جديد بتشكيل حكومة جديدة بكفاءات سياسية مطعمة بأخرى تكنوقراطية، لكنه سيكون رئيس حكومة حقيقيا دون تدخل من الغنوشي الذي سيكتفي بحركة النهضة. ويشدد إسعاد على أنّ هناك مغالطة كبيرة وعميقة حاصلة اليوم في تونس، وأنّ حل الأزمة بالبلاد يستوجب إعادة النظر في النظام السياسي الذي انتهجته تونس بعد الثورة وإعادة تفكيكه. كما يرجح وقوف أطراف أجنبية وراء اغتيال شكري بلعيد الذي يرى فيه “الصدمة” التي بعثت الوعي في البلاد وحلحلت الوضع السياسي المسدود بتونس. كيف قرأتهم توجه رئيس الحكومة حمادي الجبالي إلى تشكيل حكومة كفاءات دون استشارة النهضة؟ حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة وأحد قيادييها الكبار وله مسيرة طويلة، سجن أكثر من مرة في حبس انفرادي وعانى من ظلم طويل، وحمادي الجبالي اقترح هذا المقترح لأنه وصل لقناعة بعدم إمكانية الاستمرار بهذه الطريقة وبنفس هذه الحكومة، بعدما حاول أكثر من 7 أشهر ليغيرها ولم يتمكن. ما الذي يعيق رئيس الحكومة عن التغيير؟ النهضة بحكم أغلبيتها في المجلس التأسيسي تكبحه من أن يغير، لأنها تدافع عن مكانتها كقوة أولى في البلاد وعلى أحقيتها في قيادة الحكومة بحكم القانون، والجبالي بذلك وصل لطريق مسدود ما جعله يخرج بمقترح جديد دون استشارة النهضة، يخرجها أصلا من الحلبة. لذلك استماتت في رفضه. والحقيقة أنه لولا هذا المقترح لكانت تونس اليوم تشتعل، لقد امتص به لا أقول غضب الناس بل ذهولهم، وكان رئيس الحكومة قبل الإعلان عن مقترحه في اجتماع مع رئيس الجمهورية ورئيس المجلس التأسيسي ورئيس أركان الجيش ووزيري الدفاع والداخلية، خرج ليعلن بعد ذلك منفردا مقترحه بتشكيل حكومة تكنوقراط، يتعهد المشاركون فيها بعدم الترشح في الانتخاب المقبلة، وفعلا تنفس الشارع الصعداء، وأيدته المعارضة. ما هو سبب الأزمة الحاصلة اليوم بتونس؟ السبب الرئيسي لوصول تونس لهذه الأزمة هو النظام السياسي الذي انتهجته البلاد بعد انتخابات المؤتمر التأسيسي وهو نظام هجين لا يستقيم أصلا ولا يعطي لتونس رأسا، فلا الرئيس رئيسا ولا رئيس الحكومة رئيس حكومة، وضاعت الصلاحيات بين هذه المؤسسات بشكل غير مقبول. هل من تشريح سريع للأزمة؟ تشريح أزمة تونس في نظري يبدأ من نسبة ال41 في المائة التي تحصلت عليها النهضة، جعلتها في وضع مريح لا تعدم أن تجد حليفا تكمل به اللازم للأغلبية. لذلك ابتزت حلفاءها وتعاملت معهم بكثير من التعالي. وتمثلت الأخطاء الأولى في فرض هذا النظام السياسي غير السوي، الذي جعل رئيس الجمهورية أضعف من الضعيف وكلما تململ قليلا ذكرته النهضة أنه يحتل منصبه ذاك بإرادتها فيعود إلى بيت الطاعة. وبما أن أغلبية الوزراء وخاصة السياديين منهم من حركة النهضة، فان الحزب أصبح يتدخل بشكل كبير في عمل الحكومة وتعاظم دور الشيخ راشد والقيادات الأخرى في الحزب… وهكذا ضاعت السلطة الفعلية ولم يعد لها مقر معلوم. كل ذلك جعل الحكم في تونس لا يفهم ولا يخضع للقواعد السياسية المعهودة وأصبح العبث أقرب منه إلى الصواب والمنطق. وإذا أضفنا لذلك كثرة قنوات التدخل من المكاتب الجهوية لتغيير الولاة مثلا والإدارة المحلية، يصبح الحكم إلى الجنون أقرب. هكذا هي تونس في الأشهر الأخيرة. ولا شك أنه لهذا وغيره استقال رئيس الحكومة. هل يعتبر سلوك الجبالي تمردا على حزبه، أو مثلما قال البعض إنه يشير إلى وجود انقسام في الحركة؟ لا أظنه انقساما. أمام ضغط الواقع حسم الجبالي أمره وانتقل إلى مرحلة أخرى، ووضع لذلك سقفا عاليا جدا وهو إخراج النهضة من الحكم ، وبدا له أنه الحل ليس فقط الأمثل بل الوحيد. ومما زاد في تصميمه ذاك هو الوضع الخطير الذي أحدثته حادثة الاغتيال، أما النهضة فهي موحدة وراء مؤسساتها بقيادة الشيخ راشد رافضة لمقترح حكومة التكنوقراط هذه. لماذا انتهج الجبالي هذا النهج الجديد؟ للسيد الجبالي أوراق قوية جدا ولعل أهمها ثلاث: أولا لأنه من الساحل الذي لم تعرف تونس المستقلة رئيسا من خارجه، وثانيا لأنه ليبرالي التوجه الاقتصادي والاجتماعي ثم لأنه إسلامي. أما موقفه الأخير من الحكم، فقد جعله فعلا محل إجماع لدى معظم الفئات السياسية في تونس وحتى خارجها. ما الحل إذن؟ حركة النهضة تبدو منتصرة على السيد الجبالي وقد أفتكت منه حكومتها، لكنها في وضع لا تحسد عليه. فهي أمام خيارين كلاهما صعب: ترك السلطة لحكومة تكنوقراط ومعناه نهايتها أو التمسك بالسلطة ولا أثقل منها بعد تجربة فاشلة من ناحية، ثم إن الخصوم السياسيين وحتى الشعب لن يمهلها ولن يتسامح معها قيد أنملة وأي حكومة تنصبها النهضة اليوم ستسقط في حينها. الشعب والأحزاب يمكن أن تمهل حكومة وتمكنها من فترة استقرار، شريطة أن تشعر أنها تختلف جذريا عن سابقتها. وأذكر أن سابقتها هي تلك التي لم يعد مركز قرارها معلوما وضاع بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة. هل معنى هذا أن النهضة ستغادر الحكم؟ من الناحية القانونية وحسب الدستور الصغير المؤقت المنظم للسلطات، فان هذه الاستقالة يمكن أن تقصي النهضة من الحكم، فاستقالته تعني أن يقوم رئيس الدولة بتعيين شخصية من الأغلبية بالمجلس التأسيسي لتشكيل حكومة جديدة، وفي حالة فشل تشكيل حكومة خلال خمسة عشر يوما يقوم رئيس الدولة باختيار شخصية لا يشترط كونها من الأغلبية لتشكيل حكومة. لا شك أن النهضة ستحاول ألا تتجاوز المدة القانونية لتكوين حكومة قابلة للحياة، لكن الأمر جد صعب. ويبقى السيد الجبالي الأوفر حظا لقيادة الحكومة. وكيف سيحكم السيد الجبالي؟ سيكون رئيسا حقيقيا لحكومة تونس وسيكتفي الشيخ راشد بحركة النهضة. وأحسب أنه سيحصل إجماع على التهدئة وانفراج تعود به تونس شيئا فشيئا إلى الهدوء لتنظيم انتخابات توصلها إلى بر الأمان وتعيدها إلى مكانها الريادي في الربيع العربي. الحركة بعد أن دفعت السيد الجبالي إلى الاستقالة، وجدت نفسها في فوهة بركان لأنها لا يمكنها أن تواصل تجربة فاشلة ولا تريد أن تتنازل عن سلطتها. والحال أن الحكومة بل والنظام السياسي برمته هو غير السليم. السيد حمادي الجبالي أدرك في نظري عمق الأزمة. وأحسب أن النهضة ستصارع مستميتة لتجد حلا يبقيها في السلطة لكنها فقدت أوراق كثيرة لعل أهمها السيد الجبالي نفسه. وأذكر مرة أخرى أنه حسب فهمي موقف السيد الجبالي ليس انشقاقا عن النهضة رغم أنه سيكون طلاقا بالثلاث. أفهمه تحول جذري عند السيد الجبالي وقد يكون قناعة منه أن النهضة لم تعد مشروع حكم في تونس. والأيام ستخبرنا بالحقيقة. ثورة الياسمين، هل دخلت مرحلة الخطر بعد رصاصة شكري بلعيد؟ اغتيال السياسي شكري بلعيد نبه تونس والنخب السياسية لخطر الانسداد الحاصل في البلاد، وبضرورة التعجيل والإسراع في الخروج بالثورة من النفق المظلم والمرور بها لبر الآمان، خاصة وأنّ الانسداد دام أكثر من 7 أشهر، الفترة التي جعلت التونسيين يتأكدون من وجود خلل حقيقي، خلل في المسار والخيار الذي اختاره الشعب والمتمثل في النظام السياسي للبلاد والذي ظهر جليا في مواقف وتصريحات مؤسسات الدولة وكذلك القضاء والصحافة وغيرها.
لكن هناك اتهامات مباشرة للنهضة باغتيال شكري بلعيد؟ لا يوجد شيء من هذا القبيل، وحتى زوجة شكري بلعيد نفت وفندت هذا الكلام، وقالت إنها لا تتهم النهضة أو الشيخ راشد الغنوشي بقتل زوجها، ومرفوض كليا الاتهامات سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، والنهضة تحارب العنف والتطرف بجميع أشكاله، وتلعب دور صمام الأمان في البلاد، هل لعاقل أن يعتقد أنه من مصلحة النهضة تفجير الوضع؟ تعتقد أن النظام البرلماني فشل في تونس؟ النظام البرلماني لا يتناسب مع المرحلة إطلاقا وحتى التجربة التي عشناها فاشلة. وأحسب انه من أهم سمات الضعف في تونس اليوم اختيارها لهذا النظام الذي يصعب أن نجد له مثيلا في التجارب السياسية في العالم، في تونس هنالك نظام برلماني من نوع خاص، مع هذا الوضع يصعب معرفة من هو الحاكم الحقيقي. بعد الثورة تلقينا تحذيرات من التوجه إلى هذا النظام، فمثلا الشيخ يوسف القرضاوي، نصحنا في زيارته لتونس بعدم الاعتماد على النظام البرلماني، وكذا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي قال لنا لما زرناه “نحن عرب ولا بد لنا من رئيس، والنظام البرلماني خطير علينا لأن الرئيس يذهب بذهاب البرلمان”، ونحن الآن نعيش دون معرفة أين هو مركز السلطة، هل هو الرئيس منصف المرزوڤي، أم رئيس الحكومة حمادي الجبالي، أم رؤساء الأحزاب، ونعيش اليوم أزمة ناتجة عن أخطائنا وعدم تقبلنا لنصيحة القرضاوي وبوتفليقة. لكن الشيخ الغنوشي متمسك بالنظام البرلماني رغم كل ما يحدث؟ الشيخ الغنوشي مسلم عنده أنّ النظام البرلماني هو الأفضل لتونس حاليا وهو صمام الآمان الذي يقطع صلتنا بالاستبداد ويقطع الطريق أمام دكتاتورية ممكنة مستقبلا، وأنا في نظري أرى عمق أزمة تونس في هذه النقطة التي لم تأخذ نصيبها من النقاش وأن الشيخ راشد بحكم شرعيته وكاريزميته داخل النهضة مرت دون نقاش. كما أن المجلس التأسيسي لم يتسن له الوقت لدراسة خطورة النظام البرلماني حاليا على تونس. لعل هذا يقودنا للحديث عن موقع الشيخ راشد الغنوشي في دائرة الحكم؟ أظن أن الشيخ راشد الغنوشي هو الشخصية الأكثر نفوذا في تونس اليوم والشخصية الأولى بالبلاد لاعتبارات عديدة منها الداخلية والخارجية، فهو من جهة زعيم حركة النهضة التي تعد القوة السياسية الأولى وأيضا من جهة أخرى يعتبر الرجل الثاني في الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وصوته مسموع محليا ومغاربيا وعربيا وحتى دوليا، ولكن هذا لا يمنع من أن نقول أن الشيخ راشد ومن ورائه النهضة جنبوا تونس الكثير من الانزلاقات الخطيرة وكانوا بمثابة صمام الآمان. وكنت اقترحت على الشيخ راشد أن يتفرغ لجامع الزيتونة والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ويحول ثقله للمغرب العربي، دون أن ينزل للتناحر مع صغار السياسة والفكر أمثال الباجي قايد السبسي وغيره.