^ أول بلدية إداريا لولاية وهران.. وآخرها تنمويا دحناش مختار بالرغم من أنها تعتبر أول بلدية إداريا على مستوى ولاية وهران، حيث يعود تأسيسها إلى القرن التاسع عشر، إضافة إلى تاريخها العريق في دحر الاستعمار الفرنسي، إلا أن بلدية طافراوي، الواقعة في أقصى جنوب ولاية وهران، أصبحت مثالا للتخلف والعزلة والتاريخ المغيب، وهذا بسبب المشاكل المتفاقمة ومدى التخلف الذي يعيشه سكانها وغياب أدنى المرافق والخدمات الضرورية. بينما نحن عند مدخل بلدية طافراوي، لم نشعر إطلاقا بأننا في بلدية تنتمي إلى ولاية وهران، واستغربنا للوضعية التي هي فيها، بالرغم من كبر حجمها والشهرة الكبيرة التي تحظى بها طافراوي، نظرا إلى تاريخها في مقاومة الاستعمار الفرنسي والمعركة الشهيرة التي تعرف باسم "معركة الغوالم"، نسبة إلى الولي الصالح "سيدي غالم" عام 1956، وكذلك احتضانها لإحدى أكبر المدارس العسكرية وهي المدرسة العليا للطيران. فكل تلك الشهرة والتاريخ العريق لهذه البلدية لم يشفع لها لدى المسؤولين لكي يرتقوا بها إلى مستوى ذلك الصيت الذائع. وتضم بلدية طافراوي حوالي 15 ألف نسمة، متوزعة على مستوى وسط البلدية وقرى ومداشر في محيطها: قرية حمو علي، الكحايلية، سيدي غالم، القرايدية.. فعند مدخل البلدية يتراءى لزائر طافراوي مدى التخلف الذي يعيشه سكانها، وقد كانت البداية من قرية حمو علي بجانب المدرسة العليا للطيران، والتي تبعد عن وسط البلدية بحوالي كيلومترين، وقد وقفنا على مدى معاناة سكان حمو علي، وقد بهرتنا وضعية الطرقات التي وصلت درجة كبيرة من الاهتراء في كامل شوارع القرية، وقد تبادلنا الحديث مع بعض شباب القرية، الذين بمجرد أن عرفوا أننا صحفيين، انفجروا يروون لنا مشاكلهم التي يتقلبون فيها والغبن الذي يعيشونه، وتبدأ معاناة سكان قرية حمو علي مع النقل، حيث يقضون ساعات في انتظار حافلات النقل والتي في غالبها تأتي ممتلئة من طافراوي، وهو ما وقفنا عليه حيث يفضل الناقلون على مستوى خط طافراوي-السانيا ملء حافلاتهم بطافراوي، وهو ما جعل المواطنين يطالبون السلطات المحلية بإيجاد حل لهم وتخصيص محطة للنقل من هذه القرية إلى المناطق المجاورة ما دام ناقلوا الخط سابق الذكر يخصصون حافلاتهم لنقل الركاب من طافراوي، ويعتبر التلاميذ الذين يتمدرسون بطافراوي ووادي تليلات المتضرر الأكبر من هذه الوضعية. كما يعاني شباب قرية حمو علي من فراغ كبير، حيث تنعدم الفضاءات الترفيهية كالملعب، حيث إن الملعب الحالي في وضعية مزرية، وغياب دار للشباب ونشاطات ترفيهية ورياضية. فراغ قاتل يصيب شبابا بأمراض عقلية ويؤدي بآخرين إلى الإدمان ومن قرية حمو علي تنقلنا إلى وسط بلدية طافراوي، حيث كان فراغ رهيب يخيم على وسط البلدية، ويتفاجأ الزائر لها بغياب أدنى المواصفات التي تدل على أنه في وسط بلدية بحجم طافراوي، حيث تنعدم الخدمات الضرورية، وقد وقفنا على الفراغ القاتل الذي يعيشه شبابها، والذين لا يتوانون عن سرد مشاكلهم ومدى التخلف الذي يعيشونه، حيث يفتقرون للخدمات الضرورية والمرافق الترفيهية التي تحتويهم وتستثمر طاقاتهم، وقد فوجئنا أنه يوجد في كامل تراب طافراوي كشك واحد فقط لبيع الجرائد ب 15 دينار، وهو ما يؤشر على العزلة التي يعيشها السكان. وتنعدم في البلدية مقاهي الأنترنيت، حيث لا يوجد ولا فضاء أنترنيت وهذا بسبب تقاعس المسئولين في ربط المنطقة بالأنترنيت، حيث قامت السلطات المحلية بجلب ثلاثين خط فقط، وهو ما استنكره المواطنون حيث طالبوا عدة مرات السلطات بتخصيص أكبر عدد من خطوط الشبكة، ويعاني التلاميذ كثيرا من هذا النقص، حيث يضطرون للتنقل إلى وادي تليلات من أجل إعداد بحوثهم. وقد كانت خدمة الأنترنيت متوفرة في دار الشباب التي أنجزت مؤخرا، غير أنها انقطعت نهائيا، وتعتبر دار الشباب الواقعة عند مدخل البلدية، المشروع الوحيد الذي كان من شأنه أن يوفر للشباب مساحة للقيام بنشاطات ترفيهية، غير أنه كان مخيبا للآمال وهذا بسبب افتقاره لأدنى الوسائل والإمكانات. وقد أدى شبح الفراغ القاتل الذي يطال شباب طافراوي إلى إصابة العديد منهم بأمراض عقلية وانحراف بعضهم إلى عالم الإدمان والمخدرات في ظل غياب فضاءات تستثمر طاقاتهم ومواهبهم. ويطارد شبح البطالة أغلب شباب طافراوي، حيث لا تتوفر البلدية على مصانع وفرص للعمل، ويضطر الشباب للتنقل إلى مدينة وهران وحتى إلى ولايات مجاورة بحثا عن العمل، وقد كانت طافراوي استفادت قبل سنوات من مشروع إنجاز منطقة صناعية على مستوى "الصعادلة"، وتفاءل السكان وخاصة منهم الشباب بأن المشروع سيجلب المستثمرين ويوفر لهم بالتالي مناصب شغل، غير أن هذه المنطقة الصناعية لم تشهد إلا إنجاز مخزن للسكر، حيث لم تشهد المنطقة أي مشروع استثماري، وهو ما كان السيناتور براهمة جلول قد تحدث عنه خلال زيارته للمنطقة يوم 15 من الشهر الجاري في إطار الحملة الانتخابية لحزب جبهة التحرير الوطني، حيث قال "لقد تم تخصيص أموال كبيرة لتنمية هذه البلدية خاصة على مستوى المنطقة الصناعية وتوافد عليها العديد من المستثمرين لكن الحاقدين كانوا يعرقلونهم ويقومون بطردهم". مشاريع لم تر النور وأخرى أنجزت بطريقة عرجاء ونظرا للمشاكل العديدة التي تعاني منها طافراوي، فإنه يصعب حصر كل تلك المشاكل، غير أن ما يلفت الانتباه هو عدم ربط المنطقة بالغاز، بالرغم من أن أنبوب غاز كبير يخترق تراب البلدية مرورا إلى إسبانيا بينما لم يستفد منه السكان رغم أن العملية لن تكلف الكثير ولن تعرف صعوبة كبيرة بسبب سهولة تضاريس المنطقة، في وقت تم ربط العديد من المناطق المعزولة والمعروفة بصعوبة تضاريسها بالغاز. ورغم أن البلدية استفادت من مشاريع عديدة، ورصدت لها ميزانية ضخمة لم نتمكن من معرفة قيمتها بسبب التعتيم والضبابية والتكتم على مثل هذه الأمور في البلدية، رغم ذلك فإن أغلب المشاريع التي استفادت منها طافراوي لم تعد بالنفع على سكانها، وهذا بحكم الطريقة العرجاء التي أنجزت بها والتلاعبات المشبوهة التي طالت العديد منها، ومثال ذلك مشروع إعادة تهيئة حضرية البلدية، حيث وقفنا على مدى هشاشة الأرصفة في وسطها وعدم استيفائها لأدنى المعايير المطلوبة، حيث بدأت الأرصفة تظهر عليها عيوب الإنجاز رغم مرور أقل من سنة على إنجازها، وهو نفسه ما رأيناه على مستوى الطريق الرابط بين البلدية وقرية القرايدية، حيث وقفنا على مدى التعفن ودرجة اللامبالاة في إنجاز المشاريع، حيث قام المقاول المكلف بإنجاز المشروع قبل أقل من سنة، ثم بدأت عيوب الإنجاز تظهر للعيان بسبب المواد المغشوشة المستعملة، وقامت بعد ذلك السلطات المحلية بإنجاز مشروع للإنارة العمومية على مستوى الطريق نفسه، وهو ما تطلب إعادة حفر الرصيف مثلما تظهره الصورة، وقد أثارت هذه الوضعية استياء المارة كما تسبب ذلك في سقوط بعض المارة في الحفر المنجزة وإصابة آخرين بالأسلاك المعدنية الخارجة من الحفر، وقد أبدى سكان القرايدية خاصة سخطهم على هذه الحالة المزرية، وعزوا كل ذلك إلى غياب الدراسة الجيدة للمشاريع وانعدام لجان الرقابة، حيث يقول أحد المواطنين "لم نفهم شيئا، يأتي مقاول يحفر ثم يردم ما حفر ويأتي بعده مقاول آخر ليحفر هو الآخر ويترك الوضع خلفه أسوء مما كان". كما أن البلدية استفادت من مشروع "المحجر" بجبل سيدي غالم، حيث تم استغلال أتربة هذا الجبل لاستعمالها في الطريق السيار شرق-غرب، لكن ذلك لم يعد بالنفع على البلدية، بل تسبب في إفساد طرقها من طرف الشاحنات المحملة بالأتربة، بينما تبقى وجهة عائدات استغلال المحجرة مجهولة. محلات الرئيس تحولت إلى مراحيض عمومية ولم يستفد منها الشباب وبالرغم من أن مشروع محلات الرئيس موجه للشباب، غير أن شباب طافراوي المستفيدين من المشروع لم يتمكنوا من مزاولة نشاطاتهم، وهذا بسبب عدم ربط تلك المحلات بالكهرباء والماء رغم مرور 3 سنوات على استلام المشروع، وقد حول الإهمال تلك المحلات إلى مراحيض عمومية، وأوكار لتعاطي المخدرات والفساد الخلقي. (+ صورة). البلدية استفادت من 120 سكنا فقط خلال 5 سنوات ومن أهم المشاكل التي يعاني منها سكان طافراوي أزمة السكن، حيث استفادت طافراوي من 120 سكنا فقط طيلة 5 سنوات، وهي الحصة التي لا تلبي العدد الكبير لطالبي السكن، وقد كانت قائمة 120 سكنا سببا في تفجير غضب سكان البلدية بداية عام 2010، حيث شهدت البلدية موجة غضب كبيرة أدت إلى قطع الطرقات وإغلاق مقر البلدية من طرف مواطنين طالبوا برحيل المير المنتهية عهدته وإيفاد لجة للتحقيق في قائمة المستفيدين. لكن السلطات المحلية آنذاك امتصت غضب المحتجين بمشروع الدعم الريفي، والذي لم يظهر لحد الآن المستفيدون منه. غياب الأمن يؤرق سكانها كما يعاني سكان طافراوي من اللاأمن، حيث انتشرت في المنطقة كثيرا عمليات السرقة، حيث شهدت المنطقة في السنوات الأخيرة عدة عمليات سرقة المواشي، حيث كان السكان يستيقظون يوميا على حادث سرقة رؤوس مواش، ويقدر عدد المواشي المسروقة في العامين الأخيرين بحوالي 200 رأس ماشية، غير أن سرقة المواشي تراجعت في الفترة الأخيرة، لتنتشر سرقة المركبات، حيث بثت عصابات سرقة السيارات الرعب في أوساط السكان الذين صاروا يفيقون من حين لآخر على محاولة أو سرقة مركبة، آخرها سرقة سيارة من نوع "ميجان بيري" على مستوى قرية حمو علي بعدما اعترض اللصوص طريق صاحبها واعتدوا عليه بسلاح أبيض، وقبلها سرقة سيارة من صاحبها استدرجه اللصوص من سيدي بلعباس إلى منطقة الصعادلة ليعتدوا عليه ويستولوا على سيارته، وتوفي بمستشفى وهران الجامعي بسبب خطورة الجروح التي تعرض لها، وغيرها من السرقات التي أقضت مضجع سكان طافراوي حيث صاروا يخافون على ممتلكاتهم وهي أمام أعينهم. كما انتشرت أيضا ظاهرة السطو على المنازل بشكل مريع، غير أن الدوريات المكثفة لفرقة الدرك الوطني أدت إلى تراجع عمليات السرقة، وبالرغم من ذلك يطالب سكانه بتكثيف التغطية الأمنية للمنطقة وذلك برفع تعداد عناصر الدرك الوطني أو توفير مركز للأمن، حيث إن عدد عناصر الدرك حاليا لا يتجاوز العشرين وهو ما يجعلهم عاجزين عن تغطية كامل المنطقة. … وتاريخ مهمش وقد طال التهميش بطافراوي حتى تاريخها، حيث تشتهر منطقة طافراوي باستماتتها في محاربة المستعمر الفرنسي، وتعتبر معركة "الغوالم" من بين أشهر المعارك التي دارت رحاها بين 18 و20 جويلية من عام 1956، وأسفرت عن سقوط العديد من الجنود الفرنسيين وإسقاط طائرتين عسكريتين، ولا تزال هذه المعركة محفورة في الذاكرة الشعبية بالمنطقة. وتحتل هذه المعركة التى تعتبر الأولى من نوعها بوهران المرتبة الثانية ضمن قائمة أشهر المعارك التى وقعت بالجهة الغربية للبلاد بعد معركة جبل فلاوسن بتلمسان حسب مصادر تاريخية أرخت لمعارك أربكت قوات المستعمر الفرنسي وخلطت أوراقه ومني بخسائر فادحة. وقد جرت المعركة بمنطقة "سيدي غالم" التي كانت معقلا للثوار وتعتبر ممرا إستراتيجيا رئيسيا لقوافل الأسلحة والذخيرة في طريقها نحو الشرق ومحطة لفصائل جيش التحرير الوطني في طريقها الى الظهرة والونشريس، حسب ما أشارت إليه مجلة صادرة عن مديرية المجاهدين بوهران. غير أن هذه المعركة لم تحظ بالاهتمام اللازم من طرف المؤرخين، كما أن الإهمال والتهميش الذي طال قرية سيدي غالم تسبب في قتل هذا التاريخ العريق للمنطقة، حيث تنقلنا إلى قرية سيدي غالم ووقفنا على درجة التخلف التي لا يمكن تصورها، حيث لايزال سكانها ينقلون الماء على الدواب، وتفاقم لديهم مشكل الماء بعدما فشلت محاولة السلطات المحلية لربط القرية بالماء من أحد المنابع التي كانوا يستقون منها، بل ضاعف ذلك من معاناتهم حيث تسبب المشروع في نضوب الماء من المنبع ولم يعد يصل المنازل إلا مرة واحدة في الأسبوع، ما جعل سكان سيدي غالم يتمنون لو تم الإبقاء على على المنبع وعدم المساس به. واستغرب السكان فشل السلطات المحلية في حفر آبار للماء رغم أن المنطقة تتوفر على ثروة مائية كبيرة في باطنها بحكم طبيعتها الجبلية.