على الرغم من أن المعدل الإجمالي للأعمار زاد ب 20 سنة في بضع سنين لينتقل من خمسين إلى سبعين، إلا أن ذلك يستثني على الأقل فئتين يفترض ألا توجد بينهما علاقة عداء ولا ود، وإنما علاقة عمل الفئة الأولى تشمل المسؤولين ممن يعمرون أكثر من غيرهم ويصلون حتى الثمانين، ولا يجدون حرجا فيما يفعلون بما فيها التمسمر في الكرسي بعد التقاعد تحت حجة أن الدولة تحتاج إليهم ولا بديل عنهم. وهؤلاء بالطبع ممن اخشوشنت رقابهم وخرجت بطونهم، وبالتالي صغرت رؤوسهم وعقولهم، يلقون كل الرعاية والعناية الصحية بفصل الامتيازات اللامحدودة التي يتمتعون بها حتى بعد ضربة شمس (عابرة) يحولون بعدها إلى ''فال دوقراس''! الفئة الثانية حتى هي ''سلطة'' و''دولة'' على الكارتون يسمونها السلطة الرابعة أو الصحافة، وبعضها من شدة الانهيار الذي أصابها وتدحرجها في مجال الحريات إلى المراتب الأخيرة دوليا سخافة وتمارس التهريج في عرس غير بهيج! وأصحاب هذه السلطة أو حتى ''السلاطة'' أو ''الشلاطة'' كما ينطقها البعض أقصر مخلوقات هذه الأرض عمرا، بدليل أن تسعة سقطوا منهم هذا العام بسكتة قلبية ''لا تقرأ'' ولا تكتب في أقل من الخمسين منهم كهل مارس الصحافة والسياسة ثم استقال! التفسير الظاهري لهذا السقوط الحر أن معشر الصحفيين مع بعض الاستثناءات يحيون عيشة ضنكى أجور بعضهم لا ترقى إلى ما يحصل عليه كاتب عمومي في مكتب البريد. وهذا التفسير الذي يقول ما معناه إن الواحد الذي يعجز عن الدفاع حتى عن أبسط حقوقه باسم مهنة خصصت لها الحكومة مدرسة عليها (مرة واحدة)، لا يمكنه الدفاع عن قضية أمة، يبقى قاصرا بدليل أن الكثيرين من الفقراء ممن يعيشون عيشة كلبية (نسبة إلى كلب عرب) يعمرون طويلا ولا يبالون. ولكن الفقر إذا ما اقترن بالكبت فيما يعرف بالرقابة السلطوية والرقابة الذاتية يؤدي إلى الانفجار... فيسقط الصحفي بالسكتة، عكس الشبان الذين ينفسون عن معاناتهم بواسطة التجمهر والتخريب وإشعال النار! ومادام أنه لا أمل للصحفيين، على الأقل للخروج من الحصار المضروب، عليهم من كل جهة، فإنه لا يبقى أمامهم طريق غير التعبير عن كبتهم بواسطة الكتابة كما يطالب بذلك النفسانيون. أسوق هذه النصيحة وأنا أعلم أن ذلك يؤدي بهم إما إلى الطرد (المسبق) أو إلى إلصاق تهمة ''القذف السريع'' الذي يجعل الواحد منا زائرا عاديا عند القاضي (الوديع)!!