لي قصة غريبة، مع رصيف بعينه بمرعى الجلفة، حيث يحق لك أن تعتلف ما شاء لك نهمك ومقاولتك ومعارفك ومعازفك التي تطرب أذن وجيب السلطان، أتغرب شهرا وأتغرب سنة ويمكن أن أتغرب وتهرب قرنا، لكنني بمجرد أن أعود إلى مرعاي حيث ولدت وترعرت وتعلمت ''البعبعة''، يصطدمني نفس الرصيف..رصيف من نوع خاص و''خالص''، لا يتعدى طوله كيلومتر، يربط مقر الولاية أولنقل قصر السلطة والسلطان. حيث كل شيء يطبح و''يملح'' هناك، بمكان مشهور كان يدعى مقهى الرويني قبل أن يصبح مطعم ''سمير''..المهم والفائدة و''الحاصول'' أنني أغيب يوما، أغيب شهرا، أغيب سنة ويمكن أن أغيب قرنا، لكن الرصيف هو الرصيف..رصيف معجزة، ولا وصف له إلا أنه معجزة ''تنموية'' أو نووية.. فعلى طول الطريق الذي لا تتعدى مسافته الكيلومتر ولا تتعدى مساحة رصيفه المترات المعدودة دفنت أموال طائلة وسائلة باسم أن ذلك الرصيف محظوظ ولابد له من مواكبة الأحداث التنموية الكبرى، فعبره ومن خلاله يمكن لمواطن مثلي أن يقتنع بأن برامج التنمية مجسدة وتامة وموجودة.. فالرصيف إياه عنوان كامل لبرامج ضخمة ساهمت إسهاما تاما وكاملا في توزيع الثروة بين أبناء الشعب من مقاولين و''متقاولين''..الأول يصبغه بالأخضر والثاني يلونه بالأصفر، وثالهم ينيره مرة بمصابيح من العصر العباسي تذكرنا بمصابيح ''بغداد'' القديمة، ليأتي بعده من لا يعجبه مصباح علاء الدين فيقرر إنارته عموميا على الطريقة العصرية ''جعبة وأضوي''، والنتيجة أن الرصيف العجيب نال الحظوة في أن يكون محور التنامي والتنمية والتعمية التي تبدأ من مقطتع الطرق بمقهى أو مطعم سمير القهواجي ليستقر الحال عند ''نافورة '' الأسدين، حيث لازالت نكتة أن أسدين من صخر لا أسنان ولا مخالب لهما، ساهما تنمويا في التهام خمسة ملايير في مشروع ''نافورة'' يغتسل فيها أسدان من صخر يمكن اعتبارهما شاهدا تنمية مستدامة و''مستعامة''.. الأمر لا يتعلق بالجلفة ولكن الوطن كله ''جلفة'' مفتوحة ''مصرعها'' ومصرعيها، فكما للجلفة رصيف بعينه ينهب الثروة ويستنزفها ويمرّس ويمارس ضد الفعل ''المنوي'' والتنموي المخل بالحياء، فإن في كل مدينة رصيف معزز ومكرم له من المقام والمكانة ما يجعله مصدر ثروة وقوة لمن أراد، ولأنه لا قانون يحاسب على الرصيف والترصيف والتلوين ''التنموي'' فإنه لا بأس إن أصبحت بعض الأرصفة المهمة، تتغير وتتماشي مع بدلات المسؤولين أو ''المارين'' من المهمين فإذا كان سيادة الوالي وحتى ''الوالو'' يرتدي قمصيا أحمر فإن لون الرصيف يصبح أسود وإذا كان سيادته يرتدي الأصفر فإنه من العادي أن يكون الرصيف أخضر.. والمهم ''خالوطة'' من النافورات والأرصفة التي تحولت إلى ''جيوب'' مفتوحة على الثروة وعلى توفير فرص العمل و''العمى'' لمن أراد حظا في دنيا الرصيف والترصيف القانوني لثروة لا يحاسب عليها أحد.. والي الجلفة، مواطن يعرف الكلام جيدا وله قدرة كبيرة على التواصل الاجتماعي الممزوج بالتواضع الذي يصل لحد حضور كافة الجنازات.. والأعراس.. فهو حيث كان الواجب الاجتماعي يكون، ويضحك ويربت ويحتفل وحتى يتصدق على فقراء القوم، من الناحية الإنسانية فإن سي ''حمو'' وهذا اسم الوالي لا يتوانى على التصريح بأنه أبو الجميع، أبو الإذاعة وأبو المساجد وأبو المقابر، وأبو الفقراء وأبو المساكين وأبو التنمية وأبو الأرصفة ومنه أبو ''الرصيف'' الذي سبق وأن حكيننا والذي تنتهي حدوده عند تمثالي الأسدين الحجريين، والذين بالطبع لا أبا لهما إلا سيادة الوالي فهو من أتى بهما وهو من غربهما من ولاية بشار ليعشيهما بخمسة ملايير إكراما للضيفين، وهو من قرر أن ينشأ لهما نافورة وهو من دافع عن خيار أن للأسود الحجرية في الجلفة حق في الوجود، فليس معقولا أن يبقى ''الكبش'' المخصي وحده شعار منطقة لا أسود فيها.. الوالي الذي قلنا عنه إنه اجتماعي و''ناس أملاح'' وبشوش، مشكلته الوحيدة وعيبه الأوحد أنه ولطول أمده في الجلفة، تحول من والي مسؤول إلى مواطن جلفاوي، يعرف ''العش بأوعالتو''.. لذلك فإنه لم يعد واليا ولكن ''كبير عرش'' يعرف أسماء الذكور كما يعرف أسماء الإناث والأثاث، ووضعه أصبح أقرب إلى ''رب العائلة'' منه إلى والي يمثل دولة نست مسؤوليها، لسنوات عدة في نفس الأماكن والمناصب، لتحولهم إلى أمراء دون إرادة منهم.. فساعدوا والي الجلفة وولاة آخرين في تغيير الجو.. فلقد ملّوا نفس الأماكن ونفس الشخوص ونفس الأرصفة ونفس المقابر والأعراس، ففشلهم ليس بسببهم ولكن بعلة طول الأمد.. فمن يتجاوز في منصبه الخمس سنوات لا ينتظر منه إلا أن يكون ''مول الدار'' ووالي الجلفة مثلا أصبح ''مول الدار والدوار''.. آخر الكلام، أو آخر الصيف.. هذا الهذيان لا علاقة له بالجلفة كمنطقة في حد ذاتها، ولكن علاقته المباشرة بأن سياسة النسيان قد تسبب في شلل البرامج والمشاريع التنموية مالم تتذكر الحكومة، إطاراتها من ولاة ومدراء وحتى وزراء فإن الحال لا يمكنه أن يكون أكثر مما هو عليه.. مجرد ''إعادة بلا إفادة''.. وعفوا والي الجلفة فرصيفك ''المعجزة'' طلعلي ''الغاز'' ولا أريده للغاز الطالع أن يرثه ابني.. يكفيني أنا كمواطن يهذي من رصيف إلى رصيف.. قولوا معنا... لا للنفخ من بومدين المرحوم وحتى بن جديد الذي تحدث عن العبقرية الجزائرية، ظل النفخ سياسة عامّة معتمدة، كنا نتصور أن زمانها قد ولى، وإذا بها تعود من أبواب أخرى فهل النفخ (الجماهيري مرض) يمكن علاجه بأكتيفيا