مقطوعة موسيقية أخرى تغوص في عمق أعمال الفنان الفرنسي الراحل الذي كان يمارس فلسفة التصور ويحاور آلة ''البيانو'' بدل أن يعزف عليها. حيث يعود هذا الكتاب الذي صدر مؤخرا في دمشق بمناسبة ''عام شوبان ''2010 عن ''معهد آدم ميتسكيفيتش'' البولندي وقام آدم حسين بترجمته إلى العربية، إلى السنوات الأولى لتشكل الحس الفني للموسيقار الراحل ''فردريك شوبان''. وشرح فلسفته التي تعتبر أن الموسيقى لا تمثل الطبيعة والواقع مثلما يتصوره الكثير من الموسيقيين، بل يجب أن تعالج العالم الواقعي والمشاعر الوجدانية في الداخل المليء بالغموض، حيث رأى ''شوبان'' أن الموسيقى وفق المنظور السائد، تعتبر أسلوبا للتعبير عن المشاعر ينطوي على كثير من السطحية. ومن هذا المنطلق، يعتقد الموسيقار أن الحب لا يستطيع التعبير عن الموسيقى، لكن الموسيقى تستطيع التعبير عن الحب.. وإن جرت العادة أن تكون الإصدارات التي توثق للسير الذاتية لأعلام الموسيقى والفن والأدب، فإن كتاب ''شوبان'' حاد قليلا عن هذه القاعدة من خلال اعتماده على مجموعة كبيرة من الصور في رصده لمسار حياة الموسيقي الكلاسيكي الراحل؛ فكانت الانطلاقة من ميلاده عام 1810 في مدينة ''وارسو'' البولندية، وهو من أب فرنسي وأم بولندية. وبدأ ''شوبان'' دراسة ''البيانو'' في الرابعة من عمره وظهرت مهارته في العزف في سن الثامنة ليصبح لاحقا من أمهر عازفي ''البيانو''. ومن عجائب هذا الموسيقار أنه تفوق على العازفين الذين سبقوه باستخدام أصابعه بطريقة حديثة والتفاوت في قوة الضرب واستعماله للإيقاع الحر حتى لقب ب ''شاعر البيانو''. وتميزت أعماله بمسحة من الرومانسية والرقة والكآبة أحيانا، وكانت وراء تجديد أسلوب العزف ب''البيانو'' سواء من حيث الإيقاع أو من الناحية الجمالية. كما أثر في عزفه على بعض الموسيقيين الروس والبولنديين في القرن العشرين. من ناحية أخرى، يبرز الكتاب أن ''شوبان'' لم يلتزم بلون موسيقي معين أو آلة دون أخرى، بل كرس حياته ل''البيانو'' ولم يتعلم آلة موسيقية أخرى كما فعل ''موزارت'' أو''بيتهوفن''. وكان في أسلوبه الفني يميل إلى عدم التقيد بالقواعد الموسيقية، إلى الحد الذي لم يتمكن أحد من مجاراته في قوة الارتجال المبتكر. وينتقل هذا الموسيقار في عزفه من نغمات الحب إلى نغمات السرور، ومنها إلى الحزن والألم، معرجا على ألحان الغزل، وهنا يقول النقاد إن هذه الموسيقى تمتاز بروح جديدة في معناها وبنائها. وفي الأجزاء الأخيرة من الكتاب، يظهر أن ''شوبان'' فضل عزف آخر مقطوعاته دون الاستعانة ب''البيانو''، حيث كانت وصيته عندما وافته المنية عام 1849 بأن ينتزع قلبه ويدفن مع آلة ''البيانو'' في مسقط رأسه ب''وارسو''، وأن تدفن رفاته بباريس إلى جانب الموسيقار الإيطالي الشهير ''بليني'' الذي كان أعز أصدقائه.