- سليمان بخليلي: غالبية المثقفين استبعدوا وأتوا لنا بالمهرجين - مدراء الثقافة بتلمسان، قسنطينة، سكيكدة: التظاهرات كانت نعمة على البلاد والعباد - مثقفون: صنع الفعل الثقافي يجب أن يخرج من احتكار المؤسسات الرسمية تثير التظاهرات الثقافية التي توصف ب"الكبيرة" واحتضنتها الجزائر في السنوات الأخيرة، العديد من الأسئلة حول أهميتها وجدواها وأثرها على المثقف والكتاب والسينما والمسرح والفنون التشكيلية وغيرها من مجالات الفنون الثقافة. وإن كان البعض يرى أن تظاهرات "سنة الجزائربفرنسا 2003" و"المرجان الثقافي الإفريقي 2009" و"الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007"، و"تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية 2011"، وصولا إلى "قسنطينة عاصمة للثقافة العربية 2015"، لم تكن سوى مناسبة لصرف مزيد من المال العام كونها لا ترتكز على رؤية وفلسفة وتخطيط، يرى آخرون أن هذا الطرح يتبناه "أعداء الثقافة". ويحاجج أصحاب الرأي الثاني بأن تلك التظاهرات "الكبيرة" أخرجت الجزائر من صورة "البلد الغارق في الإرهاب والعنف"، إلى "البلد المتنور الذي صار محجا لكبار الفنانين والكتاب والمثقفين من شتى أنحاء العالم". وتفاوتت آراء الذين تحدثنا إليهم حول النتائج التي خرجت بها التظاهرات الثقافية الكبرى التي احتضنتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، ويجد الكثير من مثقفينا أن هذه "الأعراس"، كما يصفونها، مجرد بهرجة والتي سجلت العديد من الخلافات بين مسؤوليها، في حين يميل مدراء الثقافة إلى أنها "نعمة" حلت على القطاع الثقافي. وبين هذا وذاك، ذهب البعض إلى أنها تجسيد لاحتكار وزارة الثقافة للمشاريع الضخمة، في حين فضل الآخر أن تكون كل الأمور المتعلقة بالفعاليات الكبرى خاضعة للشفافية كي لا تختلط الأمور على المثقف والمواطن البسيط على حد سواء. ولم يخل ملفنا من المثقفين الذين حاولنا الحديث معهم في الموضوع ولكنهم اعتذروا لأسباب ودون أسباب، صبت في مجملها ملخصة في "خاطية راسي". سليمان بخليلي : ملتقيات وزارة الشؤون الدينية حفظت ماء الوجه يرى الإعلامي سليمان بخليلي، أن التساؤل قائم حول ما أضافته هذه التظاهرات التي أنشأت لها مؤسسة قائمة بذاتها تحمل اسم الوكالة الوطنية للتظاهرات الثقافية الكبرى، مضيفا أن "البداية كانت من سنة الجزائر في فرنسا، فإذا سألت أي جزائري مهاجر عن هذه التظاهرة الكبرى فلن تجد أي إجابة، ثم تلاها احتضان العاصمة، للثقافة العربية والتي لا نتذكر منها إلا ذلك الاستعراض الضخم الذي انتهى في ساحة الشهداء، وأعقبت بعد ذلك بالباناف الإفريقي التي افتخر القائمون بأن الجزائر تحتضنه لثاني مرة في تاريخها، والواقع أن الجزائر هي التي احتضنت ونظمت الباناف بطبعتيه في عهد الرئيس الراحل بومدين، ثم في عهد خليدة تومي.. وجاءت عاصمة الثقافة الإسلامية بتلمسان عام 2011 لتضيف شيئا واحدا بقي راسخا في الذاكرة، هو خلاف الوزيرة مع والي تلمسان الذي أسال من الحبر أكثر مما أسالته التظاهرة نفسها". ويواصل بخليلي بالقول "يبدو أن الشّهية انفتحت لمثل هذه البالوعات المالية فكان أن برمجت قسنطينة لاحتضان الثقافة الإسلامية عام 2015، كنوع من إرضاء سكان الشرق الجزائري الذين لم يهضموا فكرة احتضان تلمسان للتظاهرة باعتبار أننا نطلق على قسنطينة تسمية عاصمة الثقافة الجزائرية من جهة، وأنها مسقط رأس رائد النهضة الدينية والإصلاحية الإمام بن باديس". وعن خبرته الخاصة تحدث بخليلي عن زيارة له قبل فترة للمدينة المنورة التي تحتضن فعاليات عاصمة الثقافة الإسلامية، فيقول "لم أجد سوى لافتة صغيرة في مدخل المدينة تشير لهذه التظاهرة، ولم أجد خلافا بين وزير الإعلام السعودي وأمير المدينة حول المباني أو المشاريع لأن هذه التظاهرات هي مجرد تظاهرات شكلية، لكنها تمثل في الجزائر الضامن الأكبر للبقاء في كرسي الوزارة من جهة، وتمثل موردا ماليا لا ينضب بالنسبة للمستفيدين من ريعها". ويتساءل بخليلي في هذا الصدد "كيف نفسر استبعاد جل المثقفين عن هذه التظاهرات والاكتفاء بدعوة مهرجين وممثلين كوميديين لاعلاقة لهم بالثقافة العربية ولا بالإسلامية؟، والأكثر من هذا أن يحصر دور وزارة الشؤون الدينية في تنظيم ملتقيات بسيطة، مع أنها هي التي حفظت ماء الوجه في هذه التظاهرات". ويعتقد الإعلامي سليمان بخليلي أن "الأموال التي صرفت في هذه التظاهرات والتي يراها أنها لم تضف شيئا للجزائريين، كان يمكن أن تستغل في بناء مستشفيات ومدارس بدلا من هدرها في ما لا أثر له في الحياة اليومية للناس. أما الحجة التي يمكن أن تقدم على أساس طبع مئات الكتب وإنتاج عشرات الحصص، فنحن لا نجد لها أي أثر، لا في الأسواق ولا حتى على شاشات التلفزيون"، ويواصل "يكفي أن نعرف فقط ميزانية مهرجان الافتتاح والاختتام لكل تظاهرة كي ندرك حجم اللعاب الذي يسيل على ألسنة منظميها". الروائي الخير شوار : نحن نعاني في قطاع الثقافة يعتقد الكاتب الخير شوار أن "التظاهرات الثقافية الكبرى قيل بشأنها الكثير ونشر حولها البعض أرقاما متضاربة أحيانا تكذّبها الوصاية وفي بعض المرات تلتزم بشأنها الصمت. والذين يتكلمون عن تلك الأرقام الكبيرة يتحدثون بالطبع عن تبذير المال العام، غير أن المنخرطين في تلك المشاريع يرون أن تلك الميزانيات ضئيلة جدا مقارنة مع تلك التي تخصص للرياضة على سبيل المثال، ونحن نعلم أن الميزانية الحكومية المخصصة للثقافة هي الأضعف على الإطلاق مقارنة بسائر القطاعات الأخرى". ويواصل "نحن نعاني في هذا القطاع وفي غيره من غياب المعلومة الحقيقية التي تفتح بابا كبيرا للإشاعة، ولا أعتقد أن هناك وسيلة أنجع لمحاربة الإشاعة من الشفافية في منح الصحفي الحرية في الوصول إلى المعلومة التي تشمل الأرقام الحقيقية، وساعتها يمكننا أن تكون لنا آراؤنا المؤسسة حول شتى المواضيع لنتكلم إن كان هناك تبذير للمال العام؟ أم أن الأمر يدخل في خانة التخلاط." الكاتب محمد بوعزارة : أصحاب المال لا يريدون سوى جني الأرباح من الثقافة انتقد الكاتب والبرلماني السابق محمد بوعزارة اختصار المفهوم العام في التظاهرات الثقافية، قائلا "لا يجب أن نحكم على الثقافة من خلال التظاهرات والنشاطات، وإنما أيضا بالأريحية التي يتمتع بها المثقف في البلد وما توفر له من شروط ليبدع، فالثقافة هي مجموعة التراكمات ولكل إيديولوجيته في تعريفها فهي الفعل الإبداعي الذي يخدم الأمة". وعن التظاهرات الثقافية؛ قال إنها لم تكن سيئة بشكل عام، بالنظر إلى ما جادت به من استحداث فضاءات لقاء بين المثقفين، ونشر كتب وإنتاج أفلام وثائقية إضافة إلى مشاريع في البحث والتنقيب، "فالأمة التي لا تعتني بتاريخها ليس فيها خير، والثقافة هي الشحنة التي يمكن أن تعطى شرائح المجتمع". وشدد المتحدث على ضرورة توزيع تنظيم التظاهرات الثقافية الكبرى في الجزائر على المؤسسات الخاصة والمجتمع المدني، وألا تقتصر كل الأمور على وزارة الثقافة والمؤسّسات الحكومية، مضيفا أن "أصحاب المال لا يريدون سوى اكتناز الثروة وجني الأرباح من الثقافة، لذلك على الدولة أن تشرك كل الفئات وكل المؤسسات في الفعل الثقافي وألاّ تحتكر التظاهرات". كما يرى بوعزارة أنه يجب تقييم ما فات من تظاهرات وإعادة النظر في أهدافها الأساسية لاكتساب خبرة وعدم تكرار الأخطاء في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، والتي توقع محدثنا أن تحرك الركود الثقافي في الجزائر. مدير الثقافة بتلمسان حكيم ميلود: مثقفونا عاجزون عن الانخراط في التظاهرات الكبرى اعتبر مدير الثقافة لولاية تلمسان "أن التظاهرات التي نظمتها الجزائر في السّنوات الأخيرة منحت للممارسة الثقافية في الجزائر أن تجد الدعم الضروري لوضع استراتيجيات بعيدة المدى وأن تبنى هياكل ثقافية جديدة بالمقاييس العالمية، وأن ترمم المعالم الأثرية، وتنظم عدة نشاطات في مختلف المجالات، وأن تنال كل الفنون تدعيما لإخراج الأعمال التي تشكل إضافة للمشهد الثقافي، وهناك أيضا استفادة كبيرة على الصعيد الرمزي من خلال تقديم صورة الجزائر للآخر". ويعتقد محدثنا أن "النقص الأكبر هو في انخراط المثقف بشكل كامل في هذه الفاعلية، نظرا لكون النخب الثقافية في الجزائر غير مهيكلة أو غير ممثلة بشكل جيد في بعض المؤسسات المهيكلة". مدير الثقافة بقسنطينة جمال فوغالي : التظاهرات أخرجت الجزائر من "العشرية السوداء" يرى مدير الثقافة لولاية قسنطينة جمال فوغالي، أن "التظاهرات الثقافية الكبرى أعادت الوجه الحقيقي للجزائر بعد خروج مضني وحالك من الانعزال والعشرية السوداء. كما أعادت لها مكانتها وسمحت لها بالتعريف بهويتها التي استعادتها من خلال هذه التظاهرات، ومكنت بلادنا من الحضور على الساحة الثقافية العربية والعالمية وسمحت لمثقفينا بالاحتكاك بزملائهم من مختلف الأقطار والانتماءات". ويضيف "إن هذه التظاهرات ستبقى دليلا على حرض الجزائر على القطاع الثقافي الذي يعتبر شريان أي بلد وأي أمة، كما استطعنا أن نتعرف من خلالها على حضارتنا وعراقة تاريخنا، لا بل وتمت أرشفة كل ذلك بأفلام وثائقية وكتب جاءت من صنيع الشباب الذي أعطيت له الفرصة وفتحت في وجهه الأبواب طيلة التظاهرات، بدء بسنة الجزائر بباريس وصولا إلى تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية". ويعتقد فوغالي أن الحراك الثقافي الجزائري فرض وجوده رائدا على الساحة العالمية. كما استفادت مختلف القطاعات من هذه التظاهرات على غرار السياحة الجزائرية "التي ربحت منشآت ثقافية وهياكل جديدة وترميم أخرى ما كان على الزمن أن يمحيها"، مشيرا إلى أن الجزائر حاولت توزيع التظاهرات على مختلف الولايات، خاصة أن هذه الفعاليات لم تقتصر تظاهراتها على العاصمة وفقط وإنما تعدت لتلمسانوقسنطينة وغيرها، وأصبحت بلادنا المرجع الوحيد للتظاهرات الكبرى". وأثنى المتحدث على التّغطيات الإعلامية التي رافقت هذه التظاهرات، معتبرا إياها "نوافذ أتاحت لهذه الفعاليات البروز على الساحة الدولية". وراهن جمال فوغالي على نجاح قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، مستنكرا حصر ما وصفهم بالأقلية المثقفة كل ما تعلق بالثقافة في خانة التبذير وتبديد المال. وذكر في هذا السياق بما كانت عليه الجزائر قبل عشرين سنة، مشبها تلك المرحلة بالسوداوية "حينما لم يكن للثقافة مكان". ليختم حديثه بدعوة وجهها لمن اعتبرهم ضد الثقافة "اللوم خاصية جزائرية محضة، والنقد من أجل النقد هدّام، وأما بنعمة الثقافة فحدّث". مدير الثقافة بسكيكدة إدريس بوذيبة : الفعاليات الثقافية الكبرى صالحت الجزائر مع العالم يرى مدير الثقافة بولاية سكيكدة إدريس بوذيبة، أن التظاهرات الثقافية بشكل عام هي حاجة إنسانية ملحة، واصفا من فكر بالفعاليات التي شهدتها الجزائر "بالمواطن الصالح"، وأوضح أن الجزائر تأخرت كي تدخل في الحراك الثقافي العربي والعالمي، وأن تظاهراتها الكبرى بدء بسنة الجزائر بباريس هي من أعادتها للواجهة "فاستطاعت أن تثبت نفسها كواحدة من أهم الدول القادرة على تسيير وإنجاح الفعاليات الكبرى وباتت القدوة في ذلك بدليل أن من حضروا هذه التظاهرات دهشوا مما قدمته الجزائر للثقافة، حتى أصبح لدينا صدى عالمي مسموع، وبلادنا تصالحت مع العالم"، وفق تعبيره.