لم تمض سوى أيام قليلة على لقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بطرفي الأزمة السياسية في تونس، كل من رئيس حركة النهضة الحاكمة راشد الغنوشي وباجي قائد السبسي رئيس الوزراء التونسي السابق ورئيس حركة نداء تونس المعارضة، لإيجاد حل للاحتقان السياسي الذي تعيشه الجارة الشرقية للجزائر، حتى شرع السفير الجزائري لدى تونس عبد القادر حجار في تنفيذ هذه المساعي على المستوى العملي من خلال رصد مواقف الأطراف المختلفة. فقد نقلت الإذاعة الوطنية عن مصادر صحافية تونسية تأكيدها أن سفير الجزائربتونس عبد القادر حجار سيلتقي عددا من رؤساء الأحزاب السياسية التونسية للبحث عن إمكانية تفعيل الحوار بناء على توجيهات رئيس الجمهورية بعد لقائه كل من راشد الغنوشي والباجي القايد السبسي رئيسي حركة النهضة ورئيس حركة نداء تونس المعارض. وتأتي الخطوة الجزائرية فيما تشهد الأزمة السياسية في تونس جمودا بسبب تعطل الحوار بين مختلف الأطراف، حيث تتهم أقطاب المعارضة الترويكا الحاكمة بتعيين أعوانها في مفاصل الدولة والإدارة بشكل أضحت معه غير محايدة، وذلك من خلال تسمية أنصارها على رأس المؤسسات العامة في مختلف مستوياتها، واصبح 86 بالمائة من هذه التعيينات تعود لحركة النهضة بمفردها، وهو ما يؤكد أن الترويكا تعمد بشتى الطرق والوسائل إلى الاستحواذ على مفاصل الدولة. كما تبدي المعارضة التونسية أيضا مخاوف من تأثير التعيينات التي تمت في الفترة الأخيرة على الاستحقاق الانتخابي المرتقب، ويرون أن التسميات التي تمت على أساس الولاء السياسي، من شأنها أن تجعل من أي حكومة مهما كان حيادها وكفاءة أعضائها، رهينة بتوجه الإدارة. إلا أن الائتلاف الحاكم يبدي وعيه بمخاوف المعارضة، ويؤكد على حياد الإدارة، وينادي بأن يده ممدودة لكل رأي فيه مصلحة تونس وتكريس الوفاق وتعزيز الثقة بين الأحزاب والمنظمات. ونظرا إلى وصول الأزمة إلى هذه المرحلة، فإن المبادرة الجزائرية التي رحبت بها مختلف القوى على الساحة التونسية، ونوهت بحياد موقف الجزائر حيال الأزمة السياسية في تونس ووقوفها على مسافة واحدة بين الأطراف كلها، بالإضافة إلى "قدرة البلد الشقيق على أن يكون راعيا للحكومة والضامن للقرارات المتخذة والمشرف على تطبيق خارطة الطريق عند الاتفاق حولها"، ستكون من الفرص المهمة التي يجب على مختلف الأطراف اغتنامها لتفادي الدخول في نفق مجهول، تدفع البلاد بسببه أثمانا باهظة على صعيد الاستقرار الأمني والنشاط الاقتصادي الذي عرف تراجعا كبيرا في الشهور الأخيرة. وهو الواقع الذي لا تريد الجزائر الوصول إليه، إذ سيكون عليها التعامل مع التحديات الأمنية والاقتصادية التي ستنتجها الأزمة التونسية في حال تفجرت نحو الأسوأ، وهو ما جعل أغلب المراقبين لا يستغربون المبادرة التي أطلقها الرئيس بوتفليقة، الذي بالرغم من نشاطه المحدود بسبب ظروفه الصحية، تدخل شخصيا في حل الأزمة التونسية من خلال استقبال الغنوشي والسبسي، مما يدل على الاهتمام البالغ الذي توليه السلطات الجزائرية العليا للوضع الداخلي التونسي، من خلال سعيها لإيجاد حل للأزمة والمحافظة على موقف محايد من طرفي الأزمة، وتكثيف جهدها في لم شمل الفرقاء وفتح ابواب النقاش ليقرر التونسيون طريقة تسييرهم للمرحلة المقبلة.