تمكنت مصالح الأمن، من إجهاض التجمع الاحتجاجي الذي كانت منظمات الدفاع عن البطالين ومستخدمي عقود ما قبل التشغيل، من الوصول إلى المناطق التي خططت التنفيذ وقفتها الاحتجاجية في ساحة البريد المركزي بالجزائر العاصمة بالتزامن مع تحركات مماثلة في ولايات أخرى. ففي حدود منتصف النهار، توجهت "البلاد" إلى تلك الساحة من أجل معرفة التطورات عن قرب، ولم تكن الحركة في الشوارع المؤدية إلى مكان الاحتجاج المنتظر توحي بأن هناك شيء غير اعتيادي يحصل، فقد كانت حركة السيارات والمارة عادية، حيث تخف نسبيا بالتزامن مع يوم السبت ثاني أيام العطلة الأسبوعية باستثناء الانتشار الكبير لقوات الأمن التي لم تترك أي زاوية تقريبا من دون أن تنشر فيها عربة من حولها يقف أفراد الشرطة وهم على أهبة الاستعداد لأي تطور. وهو ما تأكدنا منه فعليا عند بلوغنا البريد المركزي، الذي تم تطويقه كليا بعربات الشرطة، ولم يفصل بين العربة والأخرى سوى بضع أمتار، يفصل بينها العشرات من رجال الأمن بالزي الرسمي والمدني، حيث يسمع من يمر بجانبهم بصوت جهاز الراديو، الذين كانت مهمتهم واضحة في إنقاص حركة المواطنين وخاصة الشباب منهم إلى أدنى قدر ممكن، الأمر الذي لاحظناه عندما توجه شرطي إلى عدد من الشباب الذين كانوا متجمعين في المكان ليسألهم عن سبب تواجدهم، ثم طلب منهم إعطاءه بطاقات الهوية، وعندما اطلع عليها وجد أنهم قدموا من مناطق غير العاصمة، ثم أبلغهم أنه من الأفضل مغادرة المكان والانتقال إلى جهة أخرى. لكن الإجراءات الأمنية في ساحة البريد المركزي لم تؤثر على حركة السير التي استمرت بصورة عادية، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى سير المواطنين الراجلين الذين عبروا من المكان، أو المتوجهين إلى المقاهي والمطاعم والمحلات الواقعة في الساحة. وبغياب الوقفة الاحتجاجية، كان أهم ما يجلب الاهتمام في المكان هو المعرض الذي أقامته شركتان الأولى مختصة في إنتاج معجون الأسنان، والثانية في الصناعة الغذائية، حيث شغلت مكبرات الصوت فيها على أصوات موسيقى غربية صاخبة، مما أضفى للمكان جوا مختلفا تماما عن ما كان متوقعا في الأيام التي سبقته، حيث كان من المفترض أن يكون ملتقى للآلاف من البطالين والمندمجين في عقود ما قبل التوظيف من أجل إيصال صوتهم إلى المسؤولين الكبار في البلاد حول الواقع الاجتماعي المر الذي يعيشونه، لكن يبدو أن الحل الأمني نجح هذه المرة في عزل العاصمة عن الاحتجاجات والتجمعات الغاضبة، خصوصا في المواعيد الكبرى التي يسبقها اهتمام إعلامي وشعبي. فالخطة الأمنية التي وضعتها الجهات الأمنية ضد الوقفة الاحتجاجية بدأت في الساعات الأولى من صباح أمس عبر منافذ العاصمة، عبر تشديد الحواجز الأمنية التي كانت موضوعة قبلا، وإضافة أخرى لمراقبة الداخلين إليها، حيث يتم تفتيش كل مركبة يشك في أنها تحمل المشاركين في الاحتجاج المرتقب، وهو ما كان ملاحظا عبر طوابير السيارات في الطرق السريعة والفرعية في العاصمة على خلاف العادة في يوم السبت الذي يعرف تراجعا في الازدحام المروري.