يثير الغلاف المالي الضخم المخصص للبرنامج الخماسي 2010/2014 الكثير من الجدل السياسي والاقتصادي والإعلامي، فقد كرست تجربة العشر سنوات الماضية واقعا خاصا شابته العديد من التجاوزات والفضائح، أبرزها تلك المتداولة على مستوى الشركة الأولى في الجزائر ''سوناطراك'' والعديد من القطاعات الحيوية كما هو حاصل في ولايات ومؤسسات عديدة، هذا الواقع لا يختلف في كلياته عما عرفته العديد من الدول العربية والآسيوية وحتى بلدان من أمريكا للاتينية نتيجة الطفرة المالية التي عاشتها تلك البلدان وتوجيه جزء من مداخليها ''النفطية على وجه الخصوص'' نحو التنمية، لكن تلك السياسة لم تخلو من خطر الفساد، بل أن هذا المرض أصاب جوهرها فحول تلك الأرصدة المالية الضخمة من نعمة إلى نقمة· وبمجرد الإعلان عن البرنامج الخماسي الجديد، طفت إلى السطح اهتمامات يرتقب أن تسبق أي عملية يتم الشروع فيها من أجل تنفيذ المخطط بجزئياته وتفرعاته· الأولى تتعلق بوضع الآليات الناجعة وضبطها في سياق تأمين مشاريع وصفقات المخطط الخماسي، حيث أقر مجلس الوزراء مطلع الأسبوع الجاري، مرسوما رئاسيا لتنظيم الصفقات العمومية، إذ أن هذا الإجراء أتى بغرض تكريس المزيد من الشفافية في تسيير المال العام وتعزيز أدوات الوقاية من الفساد ومحاربته وترقية مشاركة المؤسسات والإنتاج الوطنيين في تلبية الطلب العمومي، بحسب البيان الذي أعقب اجتماع مجلس الوزراء ·وهذا يعني استنادا إلى ما أراد البيان قوله أن ضوءا أخضر تلقته كافة المصالح المختصة قانونيا من أجل الذهاب بعيدا في مكافحة الظاهرة، وهذا ما نلمسه أيضا في قيام مؤسسات أمنية بترشيد عمل أعوانها نحو مكافحة الفساد والجريمة المنظمة بكل أنواعها لأن الفساد تحول إلى ''طاولة فوقها مظلة'' كما يقال في روما·· ولأن الفساد أصبح أيضا سياسة منتهجة وعقدا غير مكتوب بين شريكين، الأول يفترض حرصه على المال العام، والثاني يفترض قيامه بخدمة نظيفة مقابل هذا المال· كما أن الأموال الضخمة المرصودة في سياق مشاريع المخطط الخماسي لكل ولاية توازي ميزانية تسيير وتجهيز لدول إفريقية برمتها وهذا ما يجعل من عملية وضع الأطر القانونية الصارمة لمحاربة الفساد أهم من الأغلفة المالية المعلنة لأنه في ظل هيئات وآليات صارمة وقوية لمحاربة الفساد يمكن أن نتوصل إلى نفس الأهداف بتكلفة أقل مما يمكن رصده في ظل الفوضى وغياب الرقابة·كما أن إجراءات أخرى سيتم الإعلان عنها اليوم في اجتماع مجلس الحكومة برئاسة الوزير الأول تذهب في اتجاه وضع هيئات لمكافحة الفساد ومحاربة الرشوة واستغلال النفوذ، وتعكس هذه الإجراءات المتسارعة التي يتم الإعلان عنها تباعا إحساس حقيقي بخطورة الموقف ومدى تأثيره على التوجهات السياسية لشركا ء الجزائر وميولات المستثمرين المحليين والأجانب، لدرجة أن العديد من المستثمرين العرب على سبيل المثال ''فروا'' بأموالهم وأفكارهم إلى بلدان أخرى تتميز بالأمن الاستثماري نظرا لترسانة القوانين والآليات التي تحمي حقوقهم وتحمي مشاريعهم من التعسف والرشوة والفساد بصفة عامة· ولأن المناخ الاستثماري المستقر يشبه تماما المناخ المستقر في كل الحالات والمواقع الأخرى حتى المرتبطة بالأحوال الجوية، فإن توفير الأرضية الصالحة لاستثمار المال العام في التنمية المستدامة لا يختلف أيضا عن توفير المناخ المستقر للاستثمار الأجنبي والعكس صحيح·لقد هز الفساد مواقع عديدة في الجزائر، وكانت يده أطول من يد القانون في بعض الحالات وتمكن أصحابها من النجاة في أحيان أخرى، فهل حان الوقت لقطع يد الفساد بسيف الحجاج؟؟