مع وصول السفير الأردني فواز العيطان في طرابلس الى بلاده تكون محنته ومحنة عائلته التي انتظرته طيلة فترة اختطافه انتهت، إلا أن الموضوع يفتح مشكلا أكبر، قد تكون عواقبها وخيمة على أمن ليبيا وباقي البعثات الدبلوماسية العاملة فيها. فطريقة تحرير السفير الأردني لم تكن نتيجة عملية أمنية، وإنما تمت عبر عملية تفاوض رضخت خلالها طرابلس سريعا لمطالب الجماعة الخاطبة، قالت الكثير من المصادر إنها ترتبط بما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مقابل الإفراج عن متهم السجين محمد الدرسي الذي كان في السجون الأردنية. وبهذا تكون السلطات الليبية قد اخترقت الالتزام الدولي بعدم التفاوض مع الجماعات التي تمارس عمليات اختطاف إلا في حالات الضرورة القصوى وهو ما لم يتحقق، فاختطاف السفير الأردني لم تمض عليه مدة طويلة، كما أن الجماعة الخاطفة لم يظهر لها أي ظهور إعلامي من أجل ممارسة ضغط وابتزاز. وبهذا الرضوخ السهل والسريع لليبيين سيكون جميع الدبلوماسيين الذين يعملون في ليبيا هدفا مغريا للمليشيات والجماعات المسلحة الكثيرة والمنتشرة على مساحات واسعة من البلاد، من أجل إطلاق عناصرها المسجونين داخل البلاد وخارجها، وحتى للحصول على فديات مالية. وهو الخطر الذي تزيد حدته مع حالة الفراغ الأمني الرهيب، حيث لم تأمن حتى أعلى مؤسسات البلاد من سيطرة المليشيات وعلى رأسها المؤتمر الوطني العام الذي يعد أعلى هيئة منتخبة منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، كما يوجد في سوابق الفوضى الأمنية في ليبيا أيضا خطف رئيس الوزراء السابق علي زيدان من أحد الفنادق الكبرى وسط طرابلس واقتيد الى مكان مجهول، ليرجعه خاطفوه بعد تدخل جهات قبلية. وبهذا الانصياع لمطالب العصابة الخاطفة، تكون السلطات الليبية قد وقعت في الفخ الذي دفعت الجزائر ثمنا كبيرا لتجنبه، حيث لم تلجأ الى التفاوض مع الجماعة التي تختطف عددا من دبلوماسييها الذين كانوا يعملون بقنصليتها في غاو شمال مالي منذ عام 2012، ورفضت كل طلباتها التي تنوعت بين إطلاق سراح مسجونين لديها أو دفع فدية. وقبل كل ذلك دفعت ثمنا كبيرا لموقفها المبدئي الذي حاولت من خلاله تقوية الجماعات الإرهابية وتأصيل عادة الخطف بمقابل، عندما قامت جماعات متشددة في العراق بقتل أحد دبلوماسييها بعد الغزو الأمريكي لهذا البلد وسقوطه في أتون الفوضى والعنف. وبهذه التفاوض والرضوخ الليبي، يكون الإرهاب قد حقق نقطة مهمة على صعيد تقوية حضوره، يضاف الى تلك التي تعود تحقيقها مع الطرف الفرنسي الذي يرسل الجيوش لمكافحة الإرهاب من جهة، ويدفع له ملايين الدولارات سنويا كفديات مقابل إطلاق سراح محتجزين.