شباب يتحدون السلطات ويفرضون أنفسهم عاد التجار الفوضويون بالعاصمة ليحتلوا أرصفة الطرقات والشوارع، ويعرضوا سلعهم بطريقة عادية، وكأن قرار وزارة الداخلية الذي يقتضي بتنحية الأسواق الفوضوية بشكل نهائي لا يخصهم، هذا القرار الذي صدر نهاية سنة 2012، وكانت السلطات المعنية قد باشرت تطبيقه، غير أنها لم تدم طويلا وضرب بالتعليمة عرض الحائط. "البلاد" في زيارة ميدانية للأسواق الفوضوية التي لا تزال قائمة الوجهة الأولى التي اختارتها "البلاد" كانت سوق ساحة الشهداء لأنه يقع بقلب العاصمة، والذي لا يزال على حاله ولا يدل على أنه ستتم إزالته، نظرا للكم الهائل من المواطنين الذين يترددون عليه، مما يجعل التحرك بأرجاء الساحة شبه مستحيل نظرا للتدافع وكثرة طاولات السلع والزوار، ويؤثر هذا السوق سلبا على أصحاب المحلات، كما هو حال "عمي محمد" صاحب محل للأقمشة بساحة الشهداء الذي قال لنا: "إن هؤلاء التجار يغلقون واجهات المحلات لانتشارهم على الأرصفة، ولكننا نعلم أنهم لم يجدوا البديل ويجب على المعنيين بالأمر التكفل بهم لأنهم أبناؤنا ومن حقهم الحصول على لقمة العيش". ومن جهته صرح أحد التجار بالسوق قائلا "نحن لا حول ولا قوة لنا فلو وفرت لنا الدولة الأماكن الملائمة لممارسة هذا النشاط لما تواجدنا هنا". انتقلنا بعدها إلى سوق باب الوادي بالعاصمة، وفور دخولنا السوق قابلتنا طاولات التجار الفوضويين التي كانت حاضرة بقوة ومتفرعة على عدة شوارع، والتجار يزاولون نشاطهم بكل حرية، رغم أن زيارتنا له صادفت يوم الأحد الذي من المفروض أن يكون يوم عطلة للتجار، ومخصصا فقط لتنظيف البقايا التي يتركونها وراءهم ولكن لا حياة لمن تنادي، فالتجار أصبحوا لا يستطيعون الاستغناء عن عملهم حتى ليوم واحد، دخلنا السوق وسط الرائحة الكريهة بالرغم من أن المنظفين كانوا قد غادروا لتوهم. هذا السوق الشعبي الذي يعود إلى أكثر من 30 سنة، على حد قول أحد الباعة الذي تبادلنا معه أطراف الحديث، أخبرنا بأنه لا يمكن إزالته، لأن السكان تعودوا عليه وحتى لو تم إنشاء سوق جواري منظم لهم، ودخل إليه هؤلاء الباعة، إلا أنه سيأتي أشخاص آخرون ويخلفونهم، كما أن المالكين الأصليين لهذه الطاولات هم من أبناء المنطقة الذين قاموا بتأجيرها لأشخاص آخرين ينحدرون من ولايات مجاورة كالبويرة وبومرداس وتيبازة، ورغم محاولات البلدية المتكررة لإزالة هذا السوق إلا أنها باءت كلها بالفشل. توجهنا إلى الجهة الشرقية من العاصمة وبالضبط إلى سوق حي البساتين بالدار البيضاء، هذا الحي الذي يفتقر إلى لسوق جواري، الأمر الذي فتح الباب أمام انتشار الباعة الفوضويين أمام ملحقة بلدية الدار البيضاء ومكتب البريد، حيث لم تنفع حملة إزالة الأسواق الفوضوية في القضاء على السوق الفوضوي بحي البساتين، أمام عدم توفير سوق جواري يلبي متطلبات هؤلاء التجار لممارسة نشاطهم في ظروف حسنة. ويسبب هذا السوق عرقلة حركة السير خاصة خلال الفترة المسائية، بسبب طاولات التجار التي احتلت جانبا من الطريق، غير أن السلطات المعنية لم تتدخل لمعالجة هذا المشكل. وما ساهم في ازدياد نشاط التجار الفوضويين هو الإقبال الكبير للسكان على اقتناء حاجياتهم فيه لعدم توفر البديل، ورغم المداخيل الكبيرة التي تملكها بلدية الدار البيضاء مقارنة ببلديات أخرى بالعاصمة، إلا أنها تبقى تفتقر إلى أسواق جوارية منظمة. ويبقى هذا السوق يعرقل حركة المارة على الأرصفة ويجعلهم يلجأون إلى طريق السيارات، بالإضافة إلى الأوساخ التي تشوه منظر المدينة. ولم يختلف الوضع في السوق الفوضوي ببوزريعة الذي مازال على حالته، فطاولات التجار الفوضويين منتشرة بأغلبية الأحياء، كالطريق المؤدي إلى ثانوية عبد الرحمن بن رستم الذي يعج رصيفه بطاولات الخضر والفواكه، التي تتحول في المساء إلى مزبلة، وأرجع أحد التجارالسبب إلى غياب الأسواق المغطاة. لماذا لم تتم إزالة سوق بومعطي بالحراش؟ اختارت"البلاد'' أن يكون سوق بومعطي مسك ختام زيارتها الميدانية للأسواق الفوضوية، نظرا للجدل الكبير القائم حوله، والذي يعتبر أكبر سوق فوضوي يستقطب أعدادا كبيرا من الزوار. اقتربنا من الباعة لجس النبض ومعرفة أسباب عدم إزالة أكبر سوق فوضوي بالعاصمة، وصلنا إلى السوق وبالضبط أمام المركز الثقافي دحمان الحراشي، فصادفنا عددا هائلا من الزوار، وكانت طاولات الباعة الفوضويين منتشرة على ضفاف الطريق من مدخل المركز الثقافي إلى غاية مقر المؤسسة الجزائرية للمياه "سيال"، وكانت حركة السير فيه جد بطيئة بسبب الازدحام، الشيء الجميل أن كل شيء يباع في هذا السوق، ولا شيء يدل على أن السوق سوف تتم إزالته في يوم من الأيام، فالباعة وأصحاب الطاولات يزاولون نشاطهم بكل حرية متناسين كليا قرار وزارة الداخلية. اقتربنا من أحد الباعة، وهو شاب في العشرينات من العمر يملك طاولة لبيع أدوات التجميل، تبادلنا معه أطراف الحديث حول قرار الوزارة إزالة الأسواق الفوضوية، فرد علينا قائلا: "لا يمكن للسلطات إزالة سوق بومعطي، لأنها تعلم أن أولاد الحراش "لامافيا" ولن نسمح في مصدر رزقنا، خاصة أنها لم تقدم لنا البديل. فموضوع الأسواق المنظمة التي تحدثت عنه لم نر منه شيئا إلى غاية اليوم، فكيف نسترزق، إن لم نقم بعرض منتجاتنا على الطاولات". ولم يختلف رأي بائع الفاكهة عن زميله حيث قال: "أنا أبيع على حافة الرصيف وسعر الكرز 600 دج، لو كنت أبيعه في متجر خاص مع الضرائب التي ستفرض علي، فإن سعره سيصل إلى 1200 دج، وسيصبح مثل (فليكسي)"، وابتسم قائلا: "نقدر نفليكسيلكم قيس 100 تاع حب لملوك". معظم أصحاب الطاولات بالسوق هم من الأحياء المجاورة، كسيدي مبارك، المكان الجميل، باش جراح، حي بيلام، حي الجبل، كوريفة، الكاليتوس والشراربة، وتم كراء بعض الطاولات لباعة من ولايات كالبليدة والمدية، ولأنهم معروفون بمزاجهم السيئ وأنهم أصحاب "لامافيا" على حد تعبيرهم، جعل الدولة تغض الطرف عن سوق بومعطي خوفا من أن يكون الشعلة التي تلهب العاصمة. رئيس بلدية الحراش، امبارك عليك:"سوق جواري ب 530 محلا تجاريا لامتصاص الباعة الفوضويين بسوق بومعطي" قال رئيس بلدية الحراش امبارك عليك، إن هناك مشروع سوق جواري منظم في طور الإنجاز، تمت دراسته في الاجتماعات التي عقدها رئيس البلدية مع نوابه، والذي يدخل ضمن القرار الوزاري الذي أعلنته وزارة التجارة مع وزارة الداخلية منذ نهاية 2012 الذي يقضي بإزالة جميع الأسواق الفوضوية. هذا السوق من شأنه استيعاب الباعة الفوضويين الذين ينشطون على مستوى سوق بومعطي الفوضوي، لإزالة هذا السوق الذي يشوه العاصمة. وكشف عليك أن هذا السوق الجواري يحتوي على 530 محلا تجاريا ويتكون من طابقين، ويقع بجانب محطة نقل الحافلات ببومعطي، والذي كان من المقرر أن يكون جاهزا في غضون ستة أشهر، إلا أن مشكل الأرضية حال دون ذلك. وأضاف عليك أن مديرية التجارة لولاية الجزائر قامت بإحصاء الباعة الفوضويين بسوق بومعطي، وقام الوالي المنتدب لبلدية الحراش بتخصيص لجنة تتكفل بإحصائهم وإدراجهم ضمن قائمة المستفيدين من هذه المحلات التجارية. رئيسا بلديتا القصبة وباب الواد منشغلان بعملية الترحيل بعد زياراتنا المتكررة لبلدية كل من القصبة وباب الوادي، تعذر لنا الحديث مع رئيسي البلديتين لمعرفة أسباب بقاء هذين السوقين الفوضويين، إلا أننا في كل مرة يقال لنا إن رئيس البلدية في خرجة ميدانية، متحججين بأن هذه الأيام تجري ترتيبات توزيع السكنات الاجتماعية. وبالتالي فرؤساء البلدية مشغولان هذه الأيام ولا يمكنهما استقبالنا، وبالرغم من أننا تركنا أرقام هواتفنا لمديرة الديوان ببلدية القصبة للاتصال بنا فور عودته، إلا أنها لم تتصل، وحتى اتصالاتنا العديدة لم تجد نفعا، فمرة مغلق ومرة أخرى يرن ولكن دون رد. سكان أحياء الأسواق الفوضوية يعيشون في جحيم يعاني سكان الأحياء التي تتواجد بها الأسواق الفوضوية، والذين يعتبرون أول متضرر لأنهم يضطرون للتعايش مع هذا الوضع، حيث أبدت قاطنة بالبنايات الواقعة أمام سوق بومعطي عن تأسفها الشديد لما يحدث بالسوق، خاصة التصرفات الطائشة والتحرشات الجنسية والسرقة والمناوشات الكلامية والشجارات التي تصل في بعض الأحيان إلى حد القتل واستعمال أسلحة بيضاء، مضيفة أنهم مجبرون على إغلاق نوافذهم طوال النهار لتفادي سماع الكلام الفاحش والشجارات، وأن سكان الحي يتجرعون مرارة العيش بمحاذاة سوق بومعطي. وحال سكان الأحياء المجاورة للسوق الشعبي لباب الوادي كحي مصطفى خالف والإخوة عنصر لا يختلف كثيرا عن حال كل السكان المجاورين للأسواق، إلى أن هذا السوق يختلف عن الأسواق الأخرى لأنه يفتح أبوابه منذ الساعة السادسة صباحا إلى غاية الثامنة مساء فما فوق في بعض الأحيان، فسكان المنطقة لا يعرفون الراحة بمنازلهم جراء الفوضى وكثرة الحركة والضجيج بالإضافة إلى الشجارات اليومية. من جهته أبدى شيخ يقطن بدويرة بجوار السوق الفوضوي، تذمره الشديد من هذا السوق الفوضوي الذي أصبح العيش بجانبه شبه مستحيل، نظرا للفوضى التي يشهدها، واكتساح الباعة الفوضويين للسوق يصعب المرور فيه بسهولة، ناهيك عن النفايات التي يتركها الباعة وراءهم دون أن يكترثوا للرائحة الكريهة التي تنتج عن تراكم هذه القمامات التي تحول المكان إلى مفرغة عشوائية. زوار هذه الأسواق بين مؤيد لبقائها ورافض لها وحول رغبة المواطنين في التوجه إلى سوق ساحة الشهداء، قالت خالتي عيشة: "إن السلع الموجودة هنا أقل ثمنا من تلك التي نجدها بالمحلات، ونحن نأمل في أن يبقى السوق على حاله لأننا في الأسواق المنظمة سنفاجأ بأسعار باهظة لا تكون في متناول الجميع". في حين اختلف رأي طالبة جامعية التقيناها في السوق الشعبي ببومعطي، فهي مع فكرة إزالة هذه الأسواق، لأن ضررها أكثر من نفعها، فحقيقة الأسعار بها جد مغرية ولا تجدها في أسواق أخرى، إلا أن المنتوجات المعروضة بها تسببت في الكثير من الأحيان في أمراض خطيرة أدت إلى عاهات مستدامة، لأنها تدخل إلى الأسواق بطريقة غير قانونية ولم تمر على الرقابة، ومن جهة أخرى الأشياء الرهيبة التي تحدث بهذه الأسواق وسط الازدحام من سرقة وتحرشات جنسية وأشياء لا يمكن تخيلها، وأضافت: "أنا مع فكرة إزالتها وتعويضها بأسواق أخرى منظمة". المستوردون يصرون على الإبقاء على الأسواق الفوضوية يعاني مستوردو السلع الصينية من غياب أسواق لطرح سلعهم، خاصة مع عملية القضاء على الأسواق الفوضوية التي باشرتها وزارة الداخلية، فهم أكثر المستفيدين من بقاء هذه الأسواق، للتهرّب من الضرائب ومصالح قمع الغش، على الأقل ريثما يتم إنجاز أسواق جوارية أخرى، لضمان استمرار نشاطهم، وأولئك الذين يتكفّلون بتهريب السلع من حاويات ميناء الجزائر، لطرحها في الأسواق الفوضوية بعيدا عن أعين الرقابة، يعملون على إبقاء الأسواق، خاصة بعد خسارتهم سوق باش جراح الذي أزيل في سبتمبر 2012. صالح صويلح "أرقام الأسواق المنظمة التي قدمتها وزارة التجارة خيالية" قال الأمين العام للاتحاد الوطني للتجار والحرفيين صالح صويلح، في اتصال هاتفي مع "البلاد"، إنه كانت هناك تعليمة مشتركة بين وزارة التجارة ووزارة الداخلية، تقضي بإزالة الأسواق الفوضوية، وقد باشرتها السلطات المعنية مع بداية سنة 2013، فقامت بإزالة العديد منها وعوضتها بأسواق منظمة، كما أن هناك أسواقا أخرى بقيت على حالها، لعدم توفر فضاءات لبناء أسواق لاستيعاب جميع الباعة الفوضوين. اعتبر صويلح الأرقام التي قدمتها وزارة التجارة فيما يخص عدد الأسواق المنظمة والتي عددها حوالي 1000 سوق بالخيالية، وأنها مجرد وعود. كما أن الأسواق المغطاة التي هي طور الإنجاز تسير بوتيرة بطيئة، لهذا السبب ليس بإمكان البائعين انتظار وقت طويل لإنجازها، وبالتالي فتلك التعليمة لم تعط نتيجة فعلية، وعاد الباعة الفوضويون إلى أماكنهم، ونظرا لأعدادهم الهائلة عجزت وزارة التجارة عن التحكم في الوضع، مما جعلها تتراجع عن قرارها، وحتى الباعة فقدوا الثقة في الوزارة التي تعد دون أن تفي بوعودها. وأشار صويلح إلى أنه يتوجب على وزارة التجارة ووزارة الداخلية والبلديات إنشاء فضاءات تجارية والعمل على أن تكون وتيرة إنجازها سريعة، حتى لا يبقى الباعة الفوضويون ينتظرون وقتا طويلا، وعليهم أن يرجعوا الثقة التي فقدها هؤلاء الباعة في السلطات المعنية، وهكذا سيتم القضاء على الأسواق الفوضوية نهائيت. مدير مديرية التجارة: ترميم 35 سوقا جواريا و17 سوقا في طور الإنجاز" قال مدير مديرية التجارة لولاية الجزائر، إن هناك مشروع ترميم 35 سوقا جواريا على مستوى الولاية، بعدما انتهت الدراسات في هذا المشروع، والذي خصص له غلاف مالي يقدر ب35 مليار سنتيم، مضيفا أن هناك مشروعا آخر في طور الإنجاز يخص إنشاء 17 سوقا جواريا مغطى، في حين لم يقدم لنا تفاصيل فيما يخص عدد الأسواق الفوضوية التي تم القضاء عليها، لأنه لا يملك الصلاحيات، وأن هذا الأمر لا يخص مديرية التجارة، بل الولاية ومديرية الأمن التي يمكنها إفادتنا بالإحصائيات.