مطالب بكشف الأطراف الداخلية التي تدفع الوضع نحو التعفن لماذا تتكتم السلطات العمومية على الكشف عن نتائج التحقيقات في أزمة غرداية منذ أشهر مادامت تلك التحريات قد أظهرت حسب وزير الداخلية والجماعات المحلية الطيب بلعيز أن "الأيادي الأجنبية لا ضلع لها فيها لحد الآن؟". من هي الأطراف الداخلية التي تعبث بالأمن العام في المدينة وتتصدى لمبادرات الحكومة ومساعيها لاستتباب الأمن؟ من أمر بإشعال نار الفتنة واستباح أرواح المواطنين في شهر الرحمة؟ من يدفع نحو تعفين الوضع كلما أعلن الجهاز التنفيذي عن خطة للسيطرة على الاحتقان؟ لماذا فشلت لقاءات الصلح محليا ومركزيا في هذه الولاية رغم التوقيع على محاضر وتعهّدات بنبذ العنف من هذا الطرف أو ذاك؟ أسئلة لطالما راودت بال المتتبعين ولم تجد لها الأجوبة في ظل استمرار دوامة العنف الأعمى في غرداية بينما تتنازع السلطات التنفيذية والقضائية في الولاية حول من يتولى مواجهة حالة اللاأمن بالمدينة. عادت أزمة غرداية بأكثر حدة في شهر رمضان بسقوط مزيد من القتلى والجرحى وحرق المحلات التجارية ومساكن الخواص وسط إعلان حالة الاستنفار من طرف الأجهزة الأمنية المكلفة بمتابعة الوضع وعادت معها مطالب السكان ورجال الدين والسياسيين والأكاديميين بضرورة رسم خارطة طريق لمعالجة الأزمة والخروج منها نهائيا مادامت الحلول ليست مستحيلة، إلا أنها ليست يسيرة كذلك. ويقول مواطنون من الولاية إن أحياء سكنية بكاملها باتت في قبضة جماعات ملثمة، حيث يحظر خروج الغرباء عن الحي ويحتاج دخول مواطنين لإذن من الشباب الذي يتولى الحراسة ومرافقة دائمة، لأن تواجد أي غريب في حي من الأحياء يعني المغامرة بالحياة حسب لجان اليقظة التي تؤكد أنها تعمل بهذه الطريقة لحماية الأسر والممتلكات من أي هجوم مباغت من الطرف الآخر. وتكشف أي جولة ميدانية حسب مصدر من هيئة التنسيق والمتابعة أن تواجد قوات الأمن والدرك الوطني يكاد ينحصر في الطرق الرئيسية وبعض مفترقات الطرق والساحات، بينما ترك أمر تدبير الأمن في كل حي لسكانه. وأمام هذا الوضع يطلق خضير باباز عضو هيئة التنسيق صرخة للجهاز التنفيذي للمطالبة بتدخل حكومي عاجل لأن "الوضع في حالة جد خطيرة ووصل إلى درجة التعفن وعلى الحكومة تحمل مسؤوليتها، لأن السلطات الولائية تجاوزها الأمر، ولم تعد هناك أي فائدة من مناشدتها ما دامت قد أثبتت عجزها في احلال الأمن والسكينة خلال هذا الشهر". ويرى مراقبون أن الحل في غرداية في ظل حالة الاحتقان غير المسبوق لن تأتي بالبروتوكولات وتبادل القبلات وتوزيع الجوائز على مشايخ وأعيان في مناسبات دينية أووطنية لوحدها، وإنما بخطة حكومية تعالج أساسيات الأزمة وفروعها على المدى القريب والمتوسط والبعيد وبمشاركة الأعيان الحقيقيين الذين يمثلون شرائح المجتمع المحلي. ويشدد أكادميون على غرار الأستاذ الجامعي قاسم الشيخ بالحاج على أن خطة وزير الداخلية التي لم يعلن بعد عن تفاصيلها يجب أن تشمل القيام بتحقيق جاد وعميق لكشف الأيادي الخفية التي تقف وراء الفتنة مع ضمان الحضور القوي للدولة على المستوى الأمني للتحكم في الوضع وعدم السماح بتعفنه أكثر والقبض على المجرمين والجناة ورؤوس الفتنة المشاركين في القتل وتقديمهم للعدالة ومعاقبة المتورطين في أعمال السرقة والحرق والتحري مع التعويض المادي والمعنوي للمتضررين في أجسادهم وسكناتهم وتجارتهم وبساتينهم وإطلاق سراح كل الأبرياء الذين ألقي عليهم القبض وهم في حالة دفاع عن ذويهم وحرماتهم. وبما أن ولاية غرداية ذات خصوصية حضارية واجتماعية حسب المصدر فإنه يقتضي على الحكومة وضع سياسة متكاملة لمراعاة هذا الأمرمن خلال تحكم الدولة الحازم في معالجة الملفات الحساسة التي تكون سببا لإثارة الفتن، المتمثلة في العقار والشغل والسكن والوظائف والانتخابات، ومحاولة تسييرها بصيغة توافقية، أو ما يسمى بنظام "الكوطة". مع الحرص على قيام المجتمع المدني بنشر ثقافة التعايش وتجسيد قيم المواطنة في الولاية عن طريق أعمال مشتركة في المجالات المختلفة، وبالاحترام المتبادل للخصوصيات الاجتماعية والحضارية واعتبارها حقا مشروعا ومكفولا للجميع.