يعيش سكان قرية ميرة التابعة ولاية تيزي و وزو على وقع فتنة يستعمل فيها كافة أشكال العنف، من الهراوات إلى العصي إلى الأحجار، لاقتسام التراب من قبل لجنة القرية التي أصبحت تتحكم في رقاب السكان، اللجنة المتهمة من قبل المشتكين من العنف بعدما تختفي وراء مسؤول "كبير" وهو ابن المنطقة الذي يدعم هذا المسؤول من خلال لجنة القرية التي تتشكل من سكان الجانب السفلي التي أخذت على عاتقها تقسيم الأراضي بما يخدم طرفا معين، فيما يرفض سكان الجانب الشمالي هذه الطريقة ويطالبون بتوكيل المهمة إلى العدالة التي ليست طرفا في النزاع. القرية تعيش حياة تنعدم فيها المؤسسة القانونية والدستورية والأمن والسكان يحلون نزاعاتهم بآلات الحصاد والهجومات المتكررة على المنازل والتي شهدت اعتداء بالضرب على نساء وشيوخ، وحرق وقطع الأشجار، حيث لا يؤمن أعضاء اللجنة بأي شيء يسمى عدالة أو قانونا، أو دولة بل لا يزالون يستعملون عقلاء وعروش وما يعرف ب"أذروم" بالقبائلية هي الوحيدة الكفيلة بإعلان إجراءات أو تشديد عقوبات. الأزمة بين سكان القرية تمتد لسنوات لكنها شهدت مؤخرا احتقانا واستقطابا غير مسبوق، حيث تخندق كل طرف ضد الآخر. "البلاد" تنقلت الى موقع الحدث لتكتشف أن الأوضاع تطورت إلى ضرب النساء والشيوخ من قبل جماعة من 600 شخص هاجمت المنازل وقطعت الأشجار وتستعمل جماعة منحرفين لاستفزاز سكان الجهة المشتكية وتطلق عليها وابلا من الشتائم والسب لاستفزازها قبل ترك عشرات القاورات من الخمر أمام منازلهم تعديا على حرماتهم. تنقلنا الى ميرة لنتساءل لماذا وكيف وصلت الأزمة إلى ما وصلت إليه ومن أين أتت هذه الفتنة؟ يقول بعض الأهالي إن الأمر لمؤسف تطور من مجرد (أمر إدارى) إلى مواجهات استخدمت فيها أسلحة بيضاء بين مواطنين من القرية نفسها أدت إلى إصابات. "ميرة" قرية بسيطة تقع على بعد43 كلم عن عاصمة ولاية تيزي وزو وعلى بعد 30 كلم فقط عن تيقزيرت، حينما تزورها لأول يلفت انتباهك هذا الكم الضخم من أشجار التين، وللوهلة الأولى تشعر وكأن أهالي هذه القرية يعيشون في كل رخاء ونعيم من شدة المناظر الخلابة التي تأسر الناظرين .. لكن مع عند الوضول الى مركز القرية تكتشف أن هذا النعيم قد انقلب على أهل المكان إلى جحيم، قرية صغيرة معزولة تعيش كل هذا الاحتقان، وكأنها حقل ألغام يمكن أن ينفجر في أي لحظة بسبب النزاع على أراض.... أراض جبلية لا تصلح لا للفلاحة ولا للتجارة.... أراضي أثارت الصراعات بين طرفي القرية أو ما يعرف بالقبائلية "الصف اوفلا والصف اوقدا" أي الصف العلوي والصف السفلي، نزاع كبير بالهراوات والعصي وآلات الحصاد وغيرها. والمشكل الذي يشتكي منه الجميع هو غياب الدولة وتخليها عن مسؤولياتها في حفظ الأمن والفصل في النزاعات، فلا شرطة ولا درك ولا عدالة بالرغم من الشكاوى التي تعد بالمئات والتي أضحت تعد في خانة ملفات مغلقة في موضوع المالك الحقيقي للأراضي أو هكذا يتهم القرويون؟ لجنة القرية تقتسم الأراضي بالعنف والهراوات الإشكالية تعود حسب بعض سكان من الجانب العلوي إلى لجنة القرية وهي أعلى هيئة تسير شؤون القرويين يسير خيطها من بعيد مسؤول كبير ونافذ من أبناء المنطقة، حيث تحرض اللجنة مجموعات تقدر ب 600 الى 700 شخص على مضايقة أهالي الشطر الفوقي ليصل الأمر الى ضرب النساء والشيوخ، وتستعمل آلات لقطع أشجارهم غرسوها منذ ما يزيد على أربعين سنة أمام أعينهم. والإشكالية أن الدرك الوطني حسب أقوال سكان القرية يرفضون التدخل وحتى العدالة برأيهم لا تتأسس طرفا في القضية. وأمام استحالة رأب الصدع وحل هذا النزاع بالتراضي بين الجهتين وفقا لأهالي المنطقة، يقول سكان قرية ميرة إن لدشرتهم أزيد من 1000 هكتار فإذا ما أراد هؤلاء التقسيم تقسم كلها وليس جهتنا فقط ولا بيوتنا وحقولنا التي نمتلكها منذ أزيد من 40 سنة، وهو الشيء الذي ترفضه الجهة التحتية. وأمام جهود الصلح التي بذلتها الجماعة وغيرها من الوجوه المعروفة على الصعيد القروي باءت بالفشل إلى حد كتابة هذا الموضوع وتظل بعيدة عن حل هذه الخيوط بين طرفي نزاع أمام استمرار تشبثهم بمواقفهم وغياب الرغبة في التنازل عنها لمصلحة القرية والعديد من القواسم المشتركة بين الجهتين، ومن المرجح أن تتواصل النزاعات الدموية في عين المكان للانعدام تكثيف الضغوط على الطرفين من قبل العدالة حسب الأقوال التي استقيناها، لأنها تبقى الجهة الرسمية التي يخول لها فك هذا اللغز بأي طريقة والبث فيه مادامت الأمور قد تطورت إلى حد عجزت من خلاله الشخصيات وغيرها في إنهاء هذا التوتر، علما أن هذه الصراعات وما نتج عنه من عنف وحرق وقطع الأشجار وتضييق للمساحات على المواطنين والبهائم خيب آمال الكثير من سكان القرية الذين عادوا مؤخرا لإصلاح وترميم منازلهم بغرض قضاء العطل في هدوء القرية والاستمتاع بمناظرها الطبعية قبل أن يعود النزاع مجددا بحر الأسبوع الماضي. "نا فاظمة" تروي قصتها بدموع فتقول إن حقلها وبيتها كان غابة بلوط ومسرحا للخنازير حينها كان زوجها مهاجرا بفرنسا عملت وتعبت للإصلاح هذه الأراضي وغرسها قبل أن تتفاجأ الأسبوع الماضي بجماعة استعملوا ألفاظ غريبة عنا وهي"الهجوم" قبل أن يشرعوا في قطع أشجار التين وإسقاطها أرضا بحجة أن الملك للدشرة وحان الأوان لاقتسام الأراضي وأخذ حقوقها بقوة ومن دون عدالة قبل صفع زوجها الشيخ الذي حاول إيقافهم والرمي ببنتهم التي كانت تصور الأحداث من شرفة المنزل. ملصقات تدعو إلى مقاطعة الرافضين لاقتسام أراضيهم مع منع دفن أمواتهم قصة أخرى تقشعر لها الأبدان هي تلك التي يسردها "الدا يذير" شيخ في الثمانين دافع بقوة عن أرضه وبيته، كما وقّع تصريحا شرفيا يشهد فيه لأحد جيرانه بأنه يشغل قطعة أرضية ويستغلها منذ زمن بعيد مما كلفه غاليا، حيث يقول الشيخ ذاته إنه أدرج ضمن 9 مواطنين الممنوعين من الزيارات أو المشاركة في أعراس وجنائز المنطقة ويقول الدا يذير أيت أحمد إن لجنة القرية قامت بلصق منشور حرضوا فيه سكان القرية على عزله رفقة 8 آخرين أمروا فيه السكان والأهالي بعدم دعوته إلى أعراس وولائم القرية وعدم مشاركته في الوزيعة، وعلاوة على عدم حضور اجتماعات سكان القرية وحتى المياتم قبل أن يتنهد ليتذكر وفاة والدته عن سن تجاوز ال100 سنة كانت محل احترام الجميع قبل أن يجد نفسه يدفنها لوحده يوم جنازتها ومنع بقوة المتوافدين إلى جنازتها من الوصول إلى بيته. ولم تكتف اللجنة نفسها بذلك بل كلما علمت بوجود عرس في القرية إلا وذهبت إلى صاحب العرس وهددته بالعقاب إذا ما تجرأ وقام بدعوته وإذا ما ذهب إلى جنازة قاموا بطرده، يتحسر الدا يذير. شاب آخر لم أسأل عن اسمه من شدة الصدمة عما كنت أسمع يقول إنه تعرض أيضا إلى هجوم وضرب وحينما ذهب إلى العدالة لتقديم شكوى فوجئ بوضع كوابل على يديه بتهمة التعدي على العقار كون الجماعة التي يتزعمها المسؤول القضائي سبقته إلى هناك وقبع وراء القضبان شهرين كاملين قبل أن يحكم عليه بالبراءة، وهو الحكم الذي رفضته الجماعة التي نظمت مسيرة أمام العدالة ودعت إلى تغيير الحكم. الحادثة نفسها وجدت لستنكارا ورفضا وشجبا وإدانة وسط المجموعات السكانية، حيث تداول القرويون على ميكرفون "البلاد" لدعوة الدولة والعدالة والحكومة إلى التدخل لتوفير الأمن وإنهاء أشكال العنف التي يعيش على وقعها الشيوخ والنساء والأطفال. كما شددوا على ضرورة نظر وزير العدل في القضايا التي تم إيداعها وتم إيقافها من قبل مسؤول قضائي تمكن بسبب العنف من حيازة مساحة كبيرة بنى عليها فيلا فاخرة. وحول الاتهامات الموجهة لهم، لم يحاول رئيس لجنة القرية إنكار أي منها، حيث اكتفى بالقول إن التراب لأجدادهم الذين دافعوا عنه ويحق لكل مواطن من ميرة أن يحصل على 540 مترا مربعا من هذا التراب يعني إن كان لدى أي مواطن تراب يتجاوز هذه المسافة ليس هناك أي قوة تمنعهم من أخذها منه. ويشير نفس المسؤول إلى أن هناك مواطنون من ميرة عاشوا في العاصمة وفي وهران وفي ولايات أخرى اليوم أرادوا العودة إلى بلاد أجدادهم ويريدون استعادة حقوقهم. وأوضح رئيس لجنة القرية بأن لديهم أراض تقع تحت حقول الشطر العلوي ولا يجدون ممرات إليها وآن الأوان لاستعمال كل الوسائل لإيجاد منافذ وطرقات إلى أراضيهم بعدما رفض سكان القسم العلوي الرد على أي مفاوضات سلمية. وحول استعمال الاختفاء من وراء مسؤول كبير مثلما تدعيه الجهة العليا قال نائب رئيس لجنة القرية إن المنطقة لا تؤمن بأي مسؤول عدا الهيئة العليا الممثلة في لجنة عقلاء الدشرة. وردا على سؤال "البلاد" بشأن المنشورات والملصقات التي تدعو إلى مقاطعة سكان المنطقة العليا من الدشرة، قال المسؤول نفسه إن هذه العقوبات تقررها لجنة العقلاء ولا مفر منها وهي العقوبات التي تتجاوز أي عقوبات تفرضها الدولة. مواطن آخر من لجنة القرية قال إن هؤلاء استولوا على التراب بطريقة غير شرعية، حيث أكد أنه في الماضي كنا نمنح هذه الأراضي لأي واحد أراد زرعها ولكن بمجرد جني الغلة يكون التراب ذاته للجميع ولا مالك له لكن هؤلاء أي الشطر العلوي -حسبه- عملوا بطريقة غير شرعية على تسييج التراب قبل أن يهدد أنه لو بقي ل 40 سنة أخرى التراب سيتم اقتسامه سواء أرادوا ذلك أم لم يريدوه. وعن استعمال العنف، كشف المتحدث أنه في عام 1994 كان لديهم جرحى بالرصاص في صفوفهم. غادرنا القرية على ذرف دموع النا فاظمة التي تكرمت علينا ببعض حبات التين، محاولة بذلك منحنا فكرة عن منتجات تعبها التي تم قطع أغلبها من قبل لجنة القرية بالرغم من غرسها منذ 40 سنة لتكون أنيسها الوحيد حينما كان زوجها مغتربا وكانت ميرة غابة كبيرة معزولة. وتساءلنا رفقة الطاقم المرافق لنا كثيرا وطيلة الطريق لمن تعود ملكية الأرض؟ ومن المسؤول عن تنظيم استخداماتها؟ الحكومة أم الأفراد أم العشائر؟