تتميز سهرات شهر رمضان الكريم بمنطقة القبائل بإحياء سكان المنطقة بعض العادات الموروثة، التي تعمل العائلات على الحفاظ عليها من خلال إحيائها في مختلف المناسبات، من أجل نقلها للأجيال القادمة ودفعهم للتعلق بها وحبها وضمان استمرارها.ولعل أهم العادات التي حافظت ولا تزال تحافظ عليها العائلات، تنظيم جلسات نسائية؛ اشويقن وتبادل الزيارات. دأدى تعويد العائلات أبناءها على إحياء مثل هذه العادات إلى ترسيخ ثقافة البحث في تراث الأجداد، من خلال العودة إلى التقاليد التي كانت سائدة والتي يدفعهم الفضول إلى اكتشافها كلما حلت مناسبة دينية، ولعل ما نلاحظه بقرى منطقة القبائل خير دليل على أن الأجيال المتعاقبة نجحت في الحفاظ على التراث الموروث، فنقلت جيلا عن جيل لأبنائها كل ما هو جميل في هذا التراث، وهو ما يظهر في عدة مناسبات كالزواج، الختان، ازدياد مولود جديد ،إحياء سهرات رمضان، هذه الأخيرة تتميز بنكهة خاصة على اعتبار أنها مناسبة تُحْيى مرة كل سنة، ويكون الاستعداد لها في جو من الحماس والتفاؤل الذي يطبع الحياة في كل بيت وعائلة قبل وطيلة شهر رمضان. وتقول نا غنيمة البالغة من العمر85 سنة وتنحدر من قرية آث بوهوني (أعزازقة)، أن رمضان بقرى القبائل لا مثيل له، إذ أنه بعد الإفطار وبعد الانتهاء من أشغال البيت، تجتمع النسوة في زاوية خاصة بهن لتبادل أطراف الحديث في أجواء حميمية، تحكي المتقدمات في السن قصصا وعادات ونمط حياة النساء قديما، كما يقُمن كذلك بما يسمى''بأورار الخالاث'' أي حفل النساء، وهو نوع غنائي يؤدى في الأعراس ويكون مصحوبا بالدق على الطبلة والضرب على الكف يجمع بين الرقص والغناء، وتزيد هذه الجلسات النسائية جمالا إطلاق المتقدمات في السن العنان لحنجرتهن لأداء ما يسمى ''بإشويقن'' نوع من الغناء الفلكلوري تؤديه النسوة في منطقة القبائل دون استعمال الآلات الموسيقية، يمدحن فيه بعضهن البعض ويصفن الجلسات النسائية بأجمل العبارات والشعر الذي يرحل بكل مستمعة لزمن بعيد، حيث يتغنين بالمرأة التي تُعرف مثلا بحب العمل في الحقول للتغلب على صعوبات الحياة والمعاناة اليومية، وكذا المرأة التي تنتظر عودة شخص عزيز عليها سواء كان حبيا أو إبنا، كما تحب الفتيات الاستماع لإيشويقن التي تُؤدى في حفلات الزواج عند مغادرة العروس لبيت زوجها، والمتميز بالنبرة الحزينة التي تصنعها الصيحات، وكذا التغني بخصال وقوة الرجل وسلطته وحث المرأة على طاعته، وعند نهاية كل مقطع تطلق النساء الزغاريد. وقالت لنا فاطمة، 70 سنة، التي تنحدر من ضواحي مدينة عين الحمام وجاءت عروسا إلى قرية آث بوهوني، أن ما يسمى ب ''أشكار'' أو'' أشويق'' يختلف من منطقة لأخرى، حيث لكل امرأة طريقة أدائها ''أشويق'' ما يجعل كل منطقة تتميز بصوت مختلف عن منطقة أخرى، كما أضافت أن أشويق يشمل كذلك مديحا حول تعظيم الله والرسول والأولياء الصالحين الذين عُرفت بهم المنطقة، على غرار الشيخ محمد المختار، شيخ محند الحوسين، سي موح أومحند وغيرهم. وتتزين هذه الجلسات النسائية بمائدة جميلة مشكلة من أطباق حلويات تقليدية، حيث تحمل كل امرأة طبقا تقليديا معينا يحوي مختلف أنواع العجائن، منها تيحبولين، ابغرير، أعمام القاضي، امزوغ وغيرها من الحلويات التي تتوسطها فاكهة التين والتين الشوكي التي تعتبر من بين الفواكه الأكثر طلبا لدى القرويين. ومن جهتها نا علجية، وهي أخت نا فاظمة المتزوجتان من أخوين، قالت إن شهر رمضان يُعرف بكثرة الرزق، فهو شهر الرحمة والأخوة والمحبة، وأن نساء القرية يقمن بتبادل الزيارات فيما بينهن، مما يزيد من أواصر المحبة فيما بينهن وينهي كل الخلافات بين العائلات خاصة وأن منطقة القبائل معروفة بذلك بسب قطع أرض، شجرة زيتون وغيرها، كما تدعو بعض العائلات أقاربها وجيرانها للسهر عندها، ويستمر تبادل الزيارات إلى غاية صبيحة يوم العيد، حيث تقوم جماعات من الرجال والنساء بالمرور أمام كل منزل لتهنئة بعضهم البعض بهذه المناسبة، ويدعون لهم بالصحة والعافية، وبالمقابل يقوم أهل المنزل بتحضير طاولة مزينة بمختلف أنواع الحلويات والمشروبات، يقوم كل من يدخل ذلك المنزل بتناولها. وقد زادت هذه العادة -تضيف المتحدثة- من تمسك سكان القرية بتبادل الزيارات التي تمتد طيلة أيام الشهر الفضيل إلى غاية يوم العيد. كما أن ذلك يدفعهم كذلك إلى القيام بها حتى في باقي أيام السنة خاصة في المناسبات-.