بلديات تعيش انسدادات وأخرى "رئيسها" في سجن وتسير بالنيابة يعيش الشارع الجزائري منذ مدة، حالة غليان حركت الشارع في أزيد من 10 آلاف احتجاج على مستوى مختلف ربوع الوطن وشهدت توسعاً في نطاق الاحتجاجات الاجتماعية والمهنية جراء تواصل الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات، حيث تركزت أغلب هذه "الانتفاضات" في مطالب الشغل والسكن التي حاصرت الأميار الذين يعتبرون المتهم الأول فيها، في وقت شكل غياب التنمية المحلية جزءا كبيرا من الاحتجاجات. وتعيش أغلب البلديات حالة من الركود وتأخرا كبيرا في التنمية وتنفيذ البرامج المقترحة بالرغم من مرور قرابة 3 سنوات من تربعهم على عرش المجالس المحلية، غير أن حالات الانسداد التي تعيشها أغلب البلديات، حيث تعرف ولاية العاصمة وحدها أكثر من 20 حالة انسدداد عطلت مشاريع التنمية وهو ذات الوضع الذي تعرفه جل المجالس على المستوى الوطني، حيث جمد القانون الجديد الخاص بالمجالس المحلية، الذي ألغى سحب الثقة من الأميار عمل هذه المصالح التي دخلت في حالة ركود بسبب تعارض وتضارب المصالح الشخصية وتصفية الحسابات، حيث عجز الأميار عن تنفيذ وتطبيق تلك الوعود التي قطعوها على مواطنيهم وعجزهم على استهلاك ميزانيات البلدية التي تم رصدها لذلك نتيجة هذه الصراعات والانشقاقات والتصدعات، حيث عرفت ولاية سكيكدة تجميد ميزانيات أكثر من 6 بلديات تعرقل الخدمة العمومية وأثبتت عجزها عن استهلاك ميزانيتها في مشاريع تنموية، وهو ذات الوضع الذي تعرفه عدد من المجالس المحلية غير مستقرة بسبب متابعات قضائية تطال الأميار والمنتخبين، وقد أضحت لعنة الانسداد تهمة تطارد مختلف العهدات الانتخابية، حيث تعيش عدد من بلديات العاصمة على غرار باب الزوار، الرغاية، برج البحري، المحمدية، سيدي امحمد، الأبيار، بوزريعة، وبني مسوس، بابا حسن، بولوغين.. حالة انسداد لا لشيء سوى الاختلافات التي نشبت بين نواب التشكيلة البلدية التي يتواجد أميارها رهن الحبس لتورطهم في قضايا فساد، هذا الأمر أدى إلى سحب وتجميد جميع العمليات المبرمجة في مخططات التنمية البلدية وتحويلها للتسيير إلى مختلف القطاعات. وتفيد تقارير من وزارة الداخلية بأن عددا من الإطارات وموظفي البلديات هم أيضا متابعون قضائيا بسبب ضلوعهم في مختلف التجاوزات المرتكبة والمتعلقة بنهب العقار أو التزوير واستعمال المزور أو تبديد الأموال العمومية ومخالفة قانون الصفقات العمومية، وقدرت الإحصائيات عدد هؤلاء بقرابة ألف موظف أغلبهم يشغلون منصب أمناء عامين للبلديات. ورغم أن وزارة الداخلية قد خصصت منذ بداية العهدة أزيد من 300 مليار دج من أجل بعث التنمية المحلية، إلا أن استهلاك هذه الميزانيات الضخمة ظل منحصرا في بريكولاج الطرقات المهترئة التي باتت من أوجه تبذير المال العام لغياب فرض رقابة على المشاريع المنجزة، واقتصر عمل الرؤساء على مشاريع ترقيعية. السكنات الاجتماعية رهينة "بلوكاج" في البلديات شكلت حالة الجمود التي تعرفها معظم البلديات تعطيلا شبه كلي لعمل هذه المجالس، التي تفجرت فيها موجة احتجاجات أبرزها كان الحصول على السكن، حيث عجزت المجالس المتفككة عن ضبط قوائم السكنات والنظر في الطعون تزامنا مع الشروع في عمليات الترحيل المبرمجة، مما أشعل في الأيام الأخيرة موجة احتجاجات عارمة بمختلف البلديات التي فشلت في استكمال ضبط القوائم الاسمية للمستفيدين من السكنات الاجتماعية، حي بومعزة بباش جراح وحي الكاريار ببني مسوس وكذا حي السلام بالقصبة. بعدما قرب المخزون السكني الجاهز على النفاذ بسبب تعطل أشغال التهيئة، حيث وجد المواطنون أنفسهم رهينة حسابات شخصية عطلت تحقيق حلمهم في الاستفادة من سكنات والنظر في شكاويهم بعد رحلة بحث من البلدية إلى الدائرة وصولا إلى الولاية يقوم بها المواطنون للاستفسار عن مصير نصيبهم من السكنات الاجتماعية دون أي جدوى، حيث إن رد المسؤولين في البلديات هو حالة انسداد. المراقب المالي عين الوزارة لوقف نهب المال العام من جهتها، اعترفت وزارة الداخلية على لسان الأمين العام بوجود عجز في التسيير المحلي، حيث انتقد مدير الحريات العامة محمد طالبي دور الأميار والأمناء العامين، في تسيير البلديات، حيث أثبتت التقارير الميدانية عجز عدد منهم في تسيير الموارد المالية الكبيرة التي تتوفر عليها بلدياتهم، إضافة إلى الاختلالات المسجلة على مستوى التسيير الإداري، كما تم وضع خطة وطنية، لترشيد استعمال أموال البلديات، تتمثل أساسا في إخضاع الأميار لرسكلة إجبارية مع مراقبة أدائهم دوريا، ومعاقبة المتقاعسين منهم، حيث نصبت الوصاية فرقة متخصصة تضم فرق تفتيش ولائية وبلدية لمراقبة أداء هؤلاء، وهي العملية التي مكنت مؤخرا، حسب طالبي، من توقيف عدد من المسؤولين بسبب تهاونهم في أداء مهامهم تطبيق أقصى العقوبات على المسؤولين المحليين المتقاعسين، من خلال تعزيز دور الرقابة، حيث يعمل المراقب المالي لدى الولاية على أن يكون عين الوصاية على الجماعات المحلية من خلال رقابة النفقات التي يلتزم بها للبلديات، وهذا بالاعتماد على أحكام المادة 2 التي تضمنها المرسوم التنفيذي والقرار الوزاري المشار إليهما. السكن والصفقات للولاة والنظافة والحيوانات الشاردة للأميار رؤساء بلديات.. "شيعة بلا شبعة"! يشتكي رؤساء المجالس البلدية من محدودية الصلاحيات الممنوحة لهم، مقابل الضغط التي يتلقونه يوميا من المواطنين الذين يحملونهم مسؤولية كل المشاكل الواقعة ضمن حدود سلطاتهم المحلية، من اهتراء الطرقات، إلى قوائم السكن وانتهاء بانقطعات الماء والكهرباء، رغم أن كثيرا من هذه الاختلالات لا تقع ضمن نطاق مسؤولياتهم أصلا، فالطرق حسب آخر تقسيم إداري تنقسم داخل البلدية نفسها بين طرق ولائية ووطنية وبلدية، هذه الأخيرة فقط تقع على عاتق الأميار وعادة ما تكون داخل الأحياء السكنية. في حين السكن من صلاحيات الولاة ورؤساء الدوائر وانقطاعات الكهرباء والماء من اختصاص المديريات التابعة لسونلغاز والجزائرية للمياه وسيال في العاصمة وتيبازة ووهران. وفي الوقت الذي تنظر فيه المحاكم لقضايا عشرات الأميار المتهمين بسوء تسيير المال العام، يشتكي آخرون من نقص هذه الميزانية وعدم امتلاكهم لصلاحية التحكم فيها أصلا، حيث ينص المرسوم التنفيذي المتعلق بالرقابة السابقة للنفقات التي تطبق على ميزانية البلديات تدريجيا، على أن المراقب المالي سيتولى رسميا تسيير ميزانية البلدية والتأشير على كل المشاريع التي تنوي البلدية إنجازها. ووفق هذا الإجراء، لا يحق لرئيس المجلس الشعبي البلدي شراء أي مستلزمات مستعجلة في البلدية أو إطلاق مشروع دون أن يتوفر على ميزانية إلا بموافقة المراقب المالي. وإضافة لذلك يعد المراقب المالي في إطار الرقابة الملائمة تقريرا حول ظروف تنفيذ الميزانية كل 3 أو 6 أشهر، مع إخضاع مشاريع القرارات والمتضمنة الالتزام بالنفقات لتأشيرة المراقب المالي قبل التوقيع عليها، وهو ما يجعل العديد من رؤساء البلديات يتخفون من التصرف في الأظرفة المالية ويفضلون عدم التقدم بمشاريع خوفا من أن يحاسبوا عليها بعد ذلك. ويشتكي رؤساء البلديات من أن تعديل قانون البلدية لسنة 90 مكن من أسموهم "جماعات مصالح" من الاستحواذ على هيئات البلدية عن طريق لعبة التحالفات حتى على حساب المنطق الحزبي، ما يزعزع استقرار المجالس البلدية ويجعل أغلب البلديات تعيش على وقع الصراعات والحسابات الضيقة، إلى جانب ذلك يعاني الأميار في الغالب من سطوة قرارات الولاية، فلا قيمة لمداولات المجلس البلدي وقراراته من دون مصادقة الوالي عليها، خصوصا تلك المتعلقة بالصفقات والمناقصات العمومية، القروض، الميزانية، التمليك، منح امتياز المرافق العمومية البلدية، عقود البرامج أو الطلبيات المتعلقة بتفويض تسيير المرافق العامة، وهي أهم المجالات الحيوية التي يلهث وراءها رؤساء البلديات. في حين يكلف رئيس البلدية بمهام السهر على النظام العام وأمن الأشخاص والممتلكات ونظافة العمارات والمحيط والشوارع ومنع تشرد الحيوانات المؤذية. هشام حدوم يجهلون أدنى أبجديات التسيير عندما زار عمدة بلدية باريس باريس بارتراند دولانوي الجزائر السنة الماضية في إطار الشراكة مع ولاية الجزائر، ساد انطباع لدى معظم الحضور عن الفرق الشاسع بين مستوى المسؤولين الجزائريين المحليين مع مستوى عمدة باريس، حيث انبهر رجال الإعلام حينها بطريقة كلامه الدبلوماسية وهيبته وطريقة نقاشه، كما تساءلت عن سبب افتقار بلديات الجزائر لأميار من طينة مير باريس، متمكنين ومثقفين وقادرين على تسيير شؤون بلدياتنا. لقد فقدت رئاسة المجالس البلدية في الجزائر هيبتها ومكانتها في السنوات الأخيرة، وبات منصب "المير" مجرد هيكل عظمي بدون روح همه الوحيد هو الجلوس على كرسي متحرك، أمامه سكرتيرة وهاتف وفاكس... مع الاكتفاء بالتوقيع على شهادات الوفيات وشهادات الميلاد وغيرها من الوثائق الإدارية، أو عقد اجتماع طارئ لمناقشة كيفية نقل القمامة من الأحياء على أكثر تقدير. فبلغة الأرقام، أكدت الإنتخابات المحلية الأخيرة بتاريخ 29 نوفمبر 2012 عن وجود أكثر من 80 بالمائة من الأميار مستواهم التعليمي لا يتجاوز السنة الثالثة ثانوي، ومع احترامنا للبعض منهم إلا أن معظمهم لا يفرق حتى بين ميزانية التسيير وميزانية التجهيز، فما أدراك بمعلوماتهم حول الصفقات والحكامة والمواطنة والتنمية المستدامة ... وغيرها من المصطلحات العلمية العصرية التي باتت من أهم ركائز التسيير الإداري الشفاف والناجح. كما أن الكثير من الأميار دخلوا السجن بسبب جهلهم للقوانين، والعديد منهم أوقف عن مهامه من طرف الولاة بسبب عجزهم عن تسيير شؤون بلدياتهم، وبعضهم تعرض للتعنيف والتهديد بالقتل من طرف المواطنين بسبب عدم قدرتهم على إقناع المواطنين والتحاور معهم حول مختلف مشاكلهم. لقد حان الوقت بالنسبة إلى الجزائر من أجل إعادة النظر في شروط الترشح لمنصب المير من خلال مراجعة طريقة تسيير المجالس البلدية، خاصة أن الأغلبية الساحقة من الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها الجزائر سببها البلديات بسبب التوزيع غير العادل للسكن ومناصب الشغل، التي يتحمل مسؤولياتها الأميار بالدرجة الأولى والشغل وهذا كله بسبب المستوى التعليمي المتدني جدا لهؤلاء الأميار الذين يجهلون حتى أبجديات التسيير، بالمقابل فتح المجال أمام الإطارات الجامعية ومنحها فرصة التسيير.