مرّة أخرى يهتزّ المجتمع الجزائري على وقع سيناريو اختطاف جديد، المتّهم كالعادة مجهول، والضحية كالمعتاد طفل صغير، هي تراجيديا معتادة ألقت بظلالها على حي ديسمبر بدالي براهيم بأعالي العاصمة، حيث تمّ اختطاف الطفل أمين ياريشيان من أمام البيت وفي وضح النهار، وذلك صباح يوم الأربعاء من الأسبوع الفارط، مخلّفا بذلك صدمة نفسية كبيرة لدى أهله وبلغ صداها جميع شرائح المجتمع، في ظل تساؤل كبير عن مدى فاعلية المخططات الأمنية التي أطلقتها المصالح الأمنية في تأمين المؤسسات التربوية والأحياء الجوارية. وكانت الساعة تشير إلى الثامنة والربع صباحا عندما توجّه الطفل أمين إلى مدرسته الخاصة، بعد أن ودّعته جدّته التي يقيم عندها، وبعد 5 دقائق خرجت الجدّة وراءه حسب ما روته ل«البلاد"، لتتفاجا بمحفظة حفيدها ملقاة على الأرض والطفل غير موجود، توجّهت مسرعة إلى المدرسة الخاصة التي تبعد عن البيت بحوالي 30 متر، تسأل القيّمين عن إمكانية وصول الابن، لكنّ الاجابة كانت صاعقة " لا لم يصل بعد"، اضطربت الجدّة وبدأت سلسلة الاتصّالات ورحلات البحث عن الطفل المفقود، فمن هول الأمر وشدّته، تقول الجدّة، إنّ منطقة دالي براهيم تمّ تفتيشها ولكن بلا أثر. الدرك يستعين بالكلاب والمروحيات لفك لغز اختطاف الطفل أمين ويبدا الأمن في فك شفرات عملية جديدة من عمليات الاختطاف التي اضحت هاجسا لهم، فأبناء الجزائريين يختطفون ليوجدوا من بعد ذلك مقتولين، وعليه أطلقت وحدات الدرك الوطني بدالي براهيم عمليات تفتيش واسعة النطاق قصد العثور على الطفل أمين أو الحصول على ابسط دليل يقود إلى مختطفه، حيث استعملت فرق الدرك الوطني المروحيات والكلاب المدرّبة لاقتفاء أثر الطفل، كما تمّ تطويق الحي الذي يقيم به مع حراسات مشدّدة على المناطق المجاورة له، لكن لم يظهر للطفل أثر لحد الآن. هبّة تضامنية وطنية وأصدقاء أمين يتغيّبون عن الدراسة بعد الحادث المريب وعدم وصول الطفل أمين إلى المدرسة، كان لهذا الأمر وقع كبير على أصدقائه الذين يدرسون معه، حيث قالت مديرة المدرسة إنّ عددا كبيرا من الأطفال تغيّبوا عن مقاعد الدراسة في اليوم الموالي ليوم اختطاف الطفل أمين، وترك الأمر خوفا وهلعا في اوساط الأولياء، كما تأثّر رفاقه، خصوصا وأن الطفل أمين كان معروفا في الوسط الدراسي بقدراته وتفوّقه وهدوئه، وكالعادة ينتفض المواطنون من مختلف ربوع الوطن على وقع اختطاف الطفل أمين، لأنّ فاجعة الاختطافات التي طالت الأطفال من قبل، كانت النهاية فيها كلّها واحدة، ألا وهي الموت المحتّم، لتنطفئ بذلك شمعة من شمعات البراءة وتسجّل القضية ضد مجهول، ومرّة اخرى، تهتز مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا الفيسبوك، ويثار الموضوع في الأوساط السكنية ليصبح الطفل أمين حديث الساعة، ويقوم روّاد العالم الأزرق بنشر وتبادل بيان وصور الطفل أمين على اوسع نطاق، فمن مستنكر إلى مطالب بتطبيق الإعدام، تبقى الهبّة التضامنية تطبع فعل المواطن الجزائري، ويبقى الطفل أمين في خانة "المفقودين"، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من المواطنين إلى التساؤل حول تصريحات المسؤولين الأمنيين الذي اكّدوا في كل مرّة على توفير الحماية للأطفال بالمؤسسات التربية والجوارية، وكذا تفعيل تلكم الجهات لمخططات أمنية تعمل على تأمين الأطفال المتمدرسين من مخاطر الاختطاف والاعتداء وغيرها مما يهدّد أمن وسلامة أبناء المجتمع بالمؤسّسات التربوية. قسنطيني: نحو تطبيق الإعدام في حق مختطفي الأطفال لم يستبعد رئيس الهيئة الإستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني إمكانية أن تتخذ الحكومة قرار تجميد مؤقت لاتفاقية الجزائر بشأن عدم تنفيذ عقوبة الإعدام، والعمل على تفعيلها في ظل تصاعد منحى الاختطافات، حيث أوضح قسنطيني في اتصال مع "البلاد" أن استفحال ظاهرة الاختطاف وعودتها بشكل مخيف قد يفرض إعادة النظر في القوانين المطبقة، حيث إن الاختطافات باتت تشكل مساسا بأمن الأشخاص، وهنا القانون يخول للسلطة التنفيذية تراجعا استثنائيا عن الإتفاقيات المبرمة، على غرار ما فعلته العديد من الدول، حيث إن الأمر المقدس هو استقرار المواطنين وأمنهم، وإذا كان إلغاء تنفيذ عقوبة الإعدام يؤثر على هذا الحق، حسب قسنطيني، فإنه من الممكن مراجعة هذا القرار، والعودة إلى تطبيق العقوبة في حق المجرمين، لا سيما أمام تصاعد المطالب الشعبية المنادية بالقصاص في حق مختطفي الأطفال. وأكد قسنطيني أن وجود هذا الضغط الشعبي قد يفرض استراتيجية جديدة في مكافحة الظاهرة ترتكز على تطبيق الإعدام ضد مختطفي الأطفال، لا سيما أن أصواتا كثيرة دعت مؤخرا بعد الحوادث المؤلمة التي استهدفت البراءة التي تعرضت للاختطاف والتقتيل بأبشع الطرق إلى القصاص، وإعدام المجرمين بدل الاكتفاء فقط بسجنهم، وهذا الإجراء حسب قسنطيني سيسمح بالتقليل من حدة هذه الجرائم، وأكد المتحدث أن هيئته التي كانت من أشد المدافعين عن إلغاء عقوبة الإعدام حماية للحريات وحقوق الإنسان، غير أن الأمور في المجتمع تتجه بشكل عكسي وستعمل الهيئة على رفع تقرير من أجل إعادة النظر طالما أن هناك إرادة شعبية مطالبة بتطبيق العقوبة، ورفض محدثنا تحميل الأجهزة الأمنية التقصير في التحكم الأمني، لافتا إلى أن هذا النوع من الإجرام يصعب التحكم فيه، خاصة أنه مرهون بتصفية حسابات ولا تقوم به عصابات منظمة.