تعالت الكثير من الأصوات المُرافقة لتنظيم المهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران، والذي تم اختتامُ فعالياته منذ يومين، حول مدى عدم حضور بعض الأسماء الفنية الجزائرية الفاعلة، أو بالأحرى تهميشها من الظُهور كوجوه أعطت الكثير للساحة والوسط، وخدمت الفن على مدار سنوات عديدة. وتساءل الكثير من مُحبي ومُتابعي الفنان الكوميدي القدير عثمان عريوات، عن هذا الغياب الذي لم يُفهم بعد إذا ما كان اختيارا منه وقراراً شخصيا منهُ، أم واقعا تهميشياً يفرضه الوسط لاعتبارات محيطة به. فمنذ فيلم "كرنفال في الدشرة" لم يظهر في أي عمل جديد، رغم عشرات العروض التي تلقاها من قبل كبار المنتجين، إلى أن تم الإفراج عن فيلمه "وقائع سنوات الإشهار"، حيث بقي حبيس الأدراج لمدة تجاوزت 12 سنة، ولم يتم عرضه إلى حد الآن، بل وتم التحفظ عليه من قبل الوزراء الذين تعاقبوُا على قطاع الثقافة. تتعددُ أسباب التهميش من قبل القائمين على قطاع الثقافة، فيما يُصرّ عثمان عريوات على موقفه بعدم الظهور الإعلامي، رغم مُحاولاتنا المُتكررة في الاتصال به. من جهة أخرى، يملكُ عثمان مفهوما راق للفن، فهو يرفض المشاركة لإرضاء المنتجين، فلطالما اعتبر الفن رسالة قبل كل شيء، وأي عمل خال من رسالة تفيد المجتمع حسبهُ، فهي لا تُمثلهُ. شخصية عثمان عريوات العصيّة على التدجين، مواقفه والتزامه، عدم رضوخه لسلطة المال والإشهار، حرصه على الابتعاد عن الأضواء والشهرة، إيمانه العميق برسالته الفنية النبيلة، جميعها عوامل ربما ساهمت في تهميشه، وإقصائه من دائرة فنية تُعدُ حتى الآن شبه مغلقة، ترفض الاختلاف وتحارب التميّز، فالكوميديا عند عثمان عريوات، ليست مجرد تسلية وحسب، بل تنطوي على رسالة هادفة ووعي، وهذا ما جسدهُ في دوره الشهير "مخلوف البومباردي" بفيلم "كرنفال في دشرة" الذي مازال يحصُد النجاحات والمُتابع إلى يومنا هذا. ورغم جميع محاولات تضييق الخناق عليه إعلاميا وفنيا، لم يأفل نجم هذه الظاهرة الكُوميدية الفريدة، فمع بداية مهرجان الفيلم العربي، احتضنهُ رواد شبكات التواصل الاجتماعي، مُطالبين برفع حالة "الحجر" على الشخصية التي مازالت تصنع الفكاهة بمجالس الجزائريين أينما كانُوا، حتى أنهم يستخدمون صوره وكلماته وأقواله في التعبير عن حالات الضيق، الفرح، التهكم، أو السّخط على الأوضاع العامة القائمة. عثمان عريوات الذي رفض أكثر من مرة تكريمهُ بمهرجان وهران حسب تصريح رئيس المهرجان نفسهُ، أكد فيما مضى عن دوافع هذا الغياب وهذا الرفض يعود للتهميش الذي طالهُ سابقا، لذلك يفضل هذا الغياب الذي لم يخترهُ كما يقول.