بوتفليقة الفاهم لقواعد و''وسائد'' و''مصائد'' اللعبة، اختار وقتا ووضعا وتحليقا معينا، لكي يدلي برأيه في نيران تونس ''الصديقة''، وبعبارة وصفت وحددت بدقة متناهية الموقع الجغرافي للرئيس وهو يبرق موقفه إلى ''مبزع'' تونس افتتح بوتفليقة رسالته بعبارة ''وأنا أعبر أجواء بلدكم العزيز'' والتي تعني ترجمتها و''أنا فوقكم، أرى..'' ليصل إلى عبارة مشفرة لا تحمل من معنى سوى أن ''العبقرية التونسية الأصيلة'' يمكنها أن توفر الرفاهية للشعب التونسي. لكن من المستحيل أن تخادع و''تزلبح'' تجربة و''حنكة'' وتاريخ رجل يعرف أن الثورة بضاعة يحتكر صناعتها العباقرة لا الشعوب المغلوبة على أمرها و''مرها''.. رسالة الرئيس التي جاءت من الجو، وبالضبط من فوق سماء ''تونس''، حيث كانت طائرة بوتفليقة تقطع الأجواء التونسية، وكانت عينا الرئيس تراقبان وتتابعان وتحللان مخلفات ''ثورة'' علبوها في غطاء شعبي لتقدم للرأي العام الدولي والمحلي على أنها ''معجزة'' قرن، أنهت، أي الرسالة، جدلا حول الموقف الرسمي للحكومة الجزائرية من قضية أثارت العالم كله، لكنها لم تحرك لثلاثة أيام كاملة، شعرة في رأس الحكومة ولا في رأس أويحيى، ليقطع بوتفليقة الصمت باليقين ويتكلم وهو ''فوق تونس'' عن العبقرية التونسية، متجاهلا ''العنترية'' التي مكنت ثلاثمائة ألف شخص من أكثر من عشرة ملايين مكونين لبشر تونس من إرغام رئيس ''ديكتاتور'' يمتلك كل مقومات القهر والاضطهاد والقوة بالإضافة إلى تجربة ثلاثة وعشرين عاما من القدرة على تعميم و''تعويم'' الاستبداد في ثوبه الرئاسي، من الفرار تحت جنح الظلام خوفا مما أطلقت عليه ''قنوات'' صرف الأخبار، غضبة الجماهير، التي لم ترعب فقط ''زين العابدين'' فتدفعه للتنحي المفاجئ عن ''ضيعته'' الخاصة، ولكنها أرعبت وأرغمت حتى مالطا وفرنسا وقطر وحلفاء الديكتاتور على حضر نزول طائرته الهاربة على أراضيها .. بوتفليقة كان ذكيا حينما تكلم عن ''العبقرية''، عبقرية نسج وطهو سيناريو على أنه في زمننا هذا زمن التحالفات والمصالح وتكنولوجيا عد الأنفاس و''السجدات''، يمكن أن تولد ''ثورة'' من رحم الشعوب، والرسالة البسيطة، قد يكون ''التوانسة'' وبعبارة أخرى ''عباقرة'' التوانسة أذكياء لكن لا يشترط في ذكائهم أن يكون الآخر ''غبيا'' فيبلع كل ما ''يتذاكون'' به وعلى رأسه أن البوعزيري خضار لا يملك قوت يومه، استطاع بقدرة ''انتحاره'' الناري أن يمحي من الوجود ''ديكتاتور'' كامل الأوصاف والأحلاف.. ما يحدث الآن في تونس من ارتدادات التهاوي المطلق لزين العابدين وليس ل''غنوشه'' أو نظامه، يصب في مجرى أن'' العبقرية'' التونسية انتهى مفعولها بسقوط الديكتاتور وحده، فالعنترية الشعبية المروّج لها من طرف ورثة العرش من قدماء النظام والتي قدمت على أنها كانت النار التي أكلت عرش الزعيم المفدى والمحصن، انتهى مفعولها على أبواب الحكومة ومن أسقط زين العابدين وطرحه جوا وليس أرضا وقف عاجزا أمام ''غنوشي'' بسيط شكل حكومته كما شاء ليصبح بشكل أو آخر هو الخليفة وهو الحاكم ولا بأس أن صرخ الناس وقاموا بمسيرات كمصبرات مؤقته للمرحلة القادمة.. أليس تلاعبا بالمنطق أن تطعن ''العبقرية'' التونسية في تسيير الأحداث والترويج لها في عقل أي متتبع ومتبضع من أن الثورة صنعها خضار بسيط؟ أو ليس استغباء و''استغفالا'' للآخر أن تعجز الجماهير التي أطاحت بالديكتاتور على طرد ونسف ''الغنوشي'' وبقية الغلمان من ورثة العرش الذي انقلب على سيده..؟؟ موقف الجزائر بالرغم من غموضه، كونه لم يتكلم عن أن الشعب إذا أراد فعل، إلا أنه كان واضحا في الترويج للعبقرية التونسية التي تمكنت من إخراج ''عنتر'' من تراثه ومن قبره، لتعاد صياغة قصة ''العبد'' الذي دخل التاريخ من باب ''كر وأنت حر''، لكنه للأسف ''كر'' ورغم ذلك لم يثبت تاريخيا حتى اللحظة بأنه تحصل على حريته والدليل أن ''عنتر'' المغوار تحول إلى فارس استعبده والد ''عبلة'' بعدما ترك له خيار ''الشعر'' العنتري. أما ما عداه، فإن عبلة أو''تونس'' ظلت مجرد حلم يملكه ويتحكم ويستمتع بجماله الآخر المالك بزمام الأمور.. نهاية الأمر، تونس تغيرت..لكن حدود التغيير والكيفية التي تم بها الطوفان، تحتاج لأكثر من ''عبقرية'' لتفسير ما جرى، فبغض النظر على التسويق الرسمي لمعجزة أن ''عنتر'' لم يكن إلا شابا فقيرا أضرم النار في نفسه فقلب و''غلب'' النظام، فإن الثابت أن أسطورة الغفير الذي يهزم الأمير ويسلبه عرشه وتاجه و''شهرزاد'' زمانه، تصلح لأن تكون مخططا وسلاحا جديدا لنظام دولي جديد اختار ''أوباماه'' أن يغير الأنظمة بيد شعوبها وتحت شعار ''إذا الشعب يوما أراد الحياة'' تتم إقالة وإزاحة حكام وتسقط دول والفاعل ''عنترية'' شعبية تؤطرها ''عبقرية'' تم اختبار نجاعتها وفعاليتها في المزرعة التونسية لتصبح سلاحا مشهرا في وجه البقية، والنتيجة الأخيرة أن أمريكا أوباما هي أمريكا بوش، والفرق الوحيد بين ''أوباما'' الأسود و''بوش'' الأبيض، أن الأخير كان يأكل طعامه ونفطه بشوكته وسكينه أما أوباما المسالم والمحاور و''الطيب'' فإنه يأكل ''الشوك'' ولكن بفم ''عنتر'' الشعب وبجسد البوعزيري وغيره من المؤمنين بأن الخضار أوالبقال أو''الحمال'' يمكنه أن يحرك شعرة في رأس وعرش ديكتاتور ما..فرجاء دعونا من العنترية واحكوا لنا عن العبقرية ففيها يكمن الفصل بين ''اللهب'' واللعب..