* الكثير من الجزائريين المتزوجين بإسبانيات يعتقلون تحت طائلة "قانون المعاملة السيئة" * التمثيليات القنصلية هي التي وسعت الهوة بين المهاجر والوطن * "الجوية الجزائرية" تتطور بقرار ينهي الفساد وليس بتغيير أشخاص * قرارات "ترامب" تعسفية وأثرت على جاليتنا بتوقيف رجل أعمال جزائري
صرح "سعيد بن رقية" رئيس الاتحاد العام للجزائريين بالمهجر، في حوار ل"البلاد"، بأنه في ظل وجود أكثر من 7 ملايين مهاجر كان لا بد من تأسيس اتحاد يضم كل الكفاءات والمهاجرين، إذ منذ حوالي 6 أشهر تم تكثيف نشاط الاتحاد على عدة مستويات. حاورته/ سعاد بوربيع
في ظل وجود أكثر من 7 ملايين مهاجر جزائري، ألم يكن ميلاد الاتحاد متأخرا؟ الفكرة كانت مطروحة منذ عام 2003، حيث بادرنا بتأسيس جمعية المهاجرين الجزائريين بإسبانيا، والتي كانت تهتم بكل انشغالات المهاجرين الجزائيين محاولة أن تخفف من مشاكلهم، وامتد صيت الجمعية آنذاك إلى الجالية الجزائرية بألمانيا وفرنسا، ولذلك فكرنا في ضرورة تأسيس اتحاد يضم كل الجزائريين ويتكفل بانشغالاتهم، ومنذ ذلك الوقت بدأنا البحث عن الكفاءات والإطارات التي تؤسس هذا الاتحاد.
هل للاتحاد أهداف سياسية، وما علاقته بالفيدرالية الأوروبية للجمعيات الجزائرية؟ الاتحاد ليس له توجه سياسي ولا ديني، هو هيئة مستقلة بذاتها متحصل على الاعتماد من طرف وزارة الداخلية الاسبانية، وذلك في إطار القانون الذي ينظم الجمعيات علي مستوى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن هذا الاعتماد يتيح لنا حرية النشاط في كامل الدول المنطوية تحت غطاء الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة للدول العربية فإن للاتحاد مندوبين يسعون إلى أقلمة أهداف الاتحاد مع التنظيمات والقوانين الداخلية للدول المضيفة. وحاليا، نباشر الإجراءات الخاصة بطلب الاعتماد والإشعار بالنشاط لدى مصالح كل من وزارتي الداخلية والخارجية الجزائرية. أما بالنسبة للفيدرالية الأوروبية للجمعيات الجزائرية، فإن الاتحاد مستقل تماما عن أي نشاط للفيدرالية، أهدافه ورجاله وبرامجه كلها مستقلة بذاتها، ولكننا منفتحون على أي تعاون مشترك إذا كان يخدم أهداف الاتحاد ويصب في مصالح الجالية الجزائرية بالمهجر.
هل تعتمدون على الاشتراكات كمصدر وحيد لتمويل الاتحاد أم أن هناك مصادر أخرى؟ نعتمد خصيصا على الاشتراكات وعلى رجال الاتحاد، إضافة إلى أن الاتحاد ينوي اتباع سياسة تخص اتفاقيات مع شركاء اقتصاديين في مجال الصناعة والسياحة، وهناك أيضا شركاء اجتماعيون مثل منظمة الاتحاد الإفريقي، وطبعا هناك مساعدات من دول وجمعيات، لكن هدفنا الرئيسي أن نبني اقتصادا يعتمد أساسا على رجال الاتحاد.
ما هي شروط الانخراط في الاتحاد؟ وما هي الكفاءات التي تعتمدون عليها لقيادة الاتحاد نحو مستقبل واعد؟ نسعى لاستقطاب الكفاءات في المهجر لتسيير الاتحاد، فنحن نؤمن بأن أعمدة الاتحاد يجب أن يكونوا كفاءات (من سياسيين واقتصاديين وناشطين حقوقيين). أما بالنسبة للعضوية، فنشترط أن يكون جزائريا ويدفع 2 أورو ثمن الاشتراك الشهري، ولحد الآن وفقنا في ضم إطارات جزائرية مهمة بالخارج منهم: مندوب لدى جامعة الدول العربية، ومندوب الاتحاد المغاربي.
كيف ينظر الاتحاد إلى المهاجرين غير الشرعيين، وكيف يتعامل مع مشكل تسوية الوضعية القانونية لهؤلاء؟ نعتبر المهاجر غير الشرعي مواطنا جزائريا بالدرجة الأولى، فعلى الرغم من ارتكابه خطأ وعبوره دولة أخرى بشكل غير القانوني، إلا أنه ليس من المنطق معاقبته، فالاتحاد له وجهة نظر خاصة بعيدة عن كل سياسات العنف والتهميش، ولدينا برنامج تحسيسي لمحاربة الهجرة غير الشرعية، لكن عندما يصل المهاجر بصفة غير شرعية إلى الدولة المضيفة فلا يجب أن نتخلى عنه، لأنه يبقى مواطنا جزائريا. وهذا طبعا مع احترام قوانين الدول المضيفة، فإسبانيا مثلا، تحترم الهجرة غير الشرعية حيث ينص القانون انه "بعد مرور 3 سنوات يمضيها المهاجر في إسبانيا دون مشاكل أمنية تسوى وضعيته مباشرة". وفي إيطاليا ينص القانون على: "تسوية الوضعية القانونية للمهاجر غير الشرعي حالما يثبت حصوله على منصب عمل دائم وتأمين من طرف المؤسسة التي يعمل بها". أما في فرنسا فيمكن الحصول على وثائق الإقامة بعد مرور 10 سنوات أو في حالة زواج المهاجر من فرنسية. ما أود توضيحه فيما يخص الهجرة غير الشرعية، علينا احترام قوانين الدول المضيفة، لكن يمكننا مساعدة وتوجيه المهاجرين في إطار نفس القوانين.
بالرغم مما ذكرته، هناك الكثير من ملفات المهاجرين غير الشرعيين تبقى عالقة لسنوات وحتى لعقود، ما هي الأسباب في رأيكم؟ هناك إمكانية لتسوية وضعية المهاجر غير الشرعي في إطار احترام القوانين، وهناك مشكل يعيق الكثير من المهاجرين هو عدم حصولهم على جواز سفر "بيومتري" من الدولة الجزائرية، وهو المشكل الذي لا تعاني منه 170 جالية أخرى مقيمة بمختلف الدول التي يقصدها هؤلاء المهاجرون. وفي هذا الشأن وجه الاتحاد رسالة إلى وزارة الداخلية ووزارة الخارجية الجزائرية والوزير الأول عبد المالك سلال لمناشدتهم التدخل السريع في هذا الأمر ومنح المهاجرين جوازات سفرهم البيومترية، حتى يتمكنوا من تسوية وضعياتهم في الدول المضيفة.
راسل رئيس الفيدرالية الأوروبية للجمعيات الجزائرية، الوزير الأول عبد المالك سلال، طالبا منه التدخل لتسوية أوضاع الجالية في إسبانيا، ما هي مشاكلهم هناك؟ الجزائريون في أسبانيا يعانون من مشكلتين: أولاها هي الضغوط الاقتصادية: فمن المعروف أن إسبانيا قد مستها الأزمة الاقتصادية بشكل كبير، مما أدى إلى تسريح الكثير من العمال ليس فقط المهاجرين بل حتى من الإسبانيين، والثانية هي وقوع الكثير من الجزائريين بحكم الزواج المختلط تحت طائلة "قانون المعاملة السيئة"، فهذا القانون يتيح للقوة الأمنية الإسبانية التدخل الفوري في حالة وجود عنف لفظي أو جسدي في حق المرأة.
يضطر الكثير من المهاجرين إلى دفن موتاهم في البلد المضيف بسبب غلاء تكلفة النقل، كيف ينوي الاتحاد التعامل مع ملف "غلاء نقل الجثامين"؟ يمثل هذا الأمر مشكلا حقيقيا لكثير من العائلات المهاجرة، خاصة أن أغلب الأشخاص في حياتهم يتركون وصية لدفنهم في بلدهم الأم "الجزائر"، الاتحاد يسعى إلى تأسيس بنوك في الخارج توفر ضمانات من أجل العملية، أو وكالات خاصة بنقل الجثامين، تتعامل مع الاتحاد من أجل خفض تكلفة النقل.
تم مؤخرا استبدال مدير الخطوط الجوية الجزائرية، هل تعتقد أن سياسة المؤسسة ستعرف تحسنا في المستقبل؟ المشكل لا يتعلق بكفاءة الأشخاص وإنما بغياب القرار السليم الذي قد أدرجه كقرار سياسي بحكم تجذر الفساد في المؤسسة، لأنه بدون قرار شجاع يقضى بالهيكلة الجذرية للمؤسسة لا يمكن للأوضاع أن تتغير مهما تغير المسؤولون عن القطاع. ويعتبر قطاع الجوية هو العصب المهم في أي بلد، وهو واجهة مهمة للسياحة، وبمقارنة بسيطة نكتشف أن هناك خللا في التسيير: فمثلا شركة الطيران التركية يضم أسطولها 275 طائرة ويسيرها طاقم مكون من 5 آلاف موظف، بينما تملك الجزائر 70 طائرة فقط ويسيرها 10 آلاف موظف! ولهذا فإننا نطالب بإعادة هيكلة الخطوط الجوية، وفتح المنافسة للقطاع الخاص في هذا المجال.
مع سياسة "دونالد ترامب" المعادية للمهاجرين، هناك خوف كبير على مستقبل جاليتنا المقيمة في أمريكا، في رأيك كيف ستؤثر هذه السياسة على الجالية؟ تصريحات الرئيس الأمريكي كانت منافية لكل الدساتير العالمية وحقوق الإنسان، وهذه السياسة العنصرية ستنعكس طبعا على مصالح جاليتنا، خاصة فيما يخص فرص العمل والتضييق على الحريات الفردية، فمؤخرا تم إيقاف رجل أعمال جزائري مقيم بأمريكا ومنعه بطريقة تعسفية من دخول الأراضي الأمريكية. ولذلك فجاليتنا بأمريكا تحتاج إلى اهتمام مضاعف من سفارتنا هناك.
مع قرب موعد الانتخابات التشريعية، الملاحظ في كل مرة أن هناك إقبالا محتشما للجالية على صناديق الاقتراع، ما هو السبب في رأيك؟ الجالية الجزائرية تعتبر لوبيا اقتصاديا وسياسيا مهما في الخارج، خاصة في فرنسا التي تضم أكثر من خمسة ملايين مهاجر جزائري، لذلك يجب أن نستثمر في جاليتنا بالخارج. أما الإقبال المحتشم على صناديق الاقتراع فأعتبره ردة فعل للتهميش الذي تعاني منه الجالية من طرف التمثيليات القنصلية، هذه الأخيرة تركز فقط على التسيير الإداري للملفات ولا تتكفل بانشغالات الجالية الثقافية والاجتماعية مما يجعل الهوة تتسع بين الجالية والوطن. لذلك فإن الاتحاد يطالب بتأسيس حقيبة وزارية خاصة بالمهاجرين الجزائريين بالمهجر.
بالنسبة لخطر ضياع الهوية الثقافية للمهاجرين، ما هي جهودكم في الحفاظ على هذه الهوية من الاندثار؟ تعاني الكثير من الجاليات الجزائرية، خاصة من الجيل الرابع من فقدان قيم الهوية الثقافية وضياع القيم الوطنية بسبب البعد عن الوطن، في هذا الإطار نسعى لتأسيس مدارس خاصة تعنى بتدريس ثلاث مواد هي: التربية الإسلامية، اللغة العربية، والتاريخ، أما فيما يخص الجانب الثقافي: فنركز على مد جسور الثقافة والعادات والتقاليد من الجزائر إلى كل جاليتنا في الخارج، كما نشجع على إقامة الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية لإحياء الثقافة الوطنية وتوطيد أواصر الترابط الأسري.
ما هي آفاق ومشاريع الاتحاد على المدى البعيد؟ نسعى لفتح مشاريع تخدم الجالية في الخارج مثل: مراكز رعاية أطفال، مصلحة محامين مجانية، وحتى بنوك باسم الاتحاد. أما بالنسبة للشركات فقد سطرنا برامج على مستوى التعاون الدولي والبحث العلمي من اجل إقامة شراكات بين الجامعات الجزائرية والأوروبية.
كلمة أخيرة؟ نحن نعتبر الجالية قوة اقتصادية وثقافية، وندعو السلطات الجزائرية للاهتمام بهذه القوة. كما أوجه كلمة إلى جاليتنا في الخارج لاستثمار كفاءاتها في خدمة الجزائر. وفي الأخير أشكر جريدة "البلاد" على هذا الحوار.